الإثنين 17 يونيو 2024

جائزة نوبل للآداب.. الجدل يعمي أعالي الفضيحة

فن10-10-2020 | 15:55

يذهب نوبل ويأتي نوبل، ولا شيء يبقى منها خارج إطار الجدل. يتيقن الجميع أن هذه الجائزة الأكثر إثارة للجدل، تتمتع بقبول جمعي في فئة العلوم، بخلاف ذلك الجدل المعياري غير المفهوم في منح الجائزة في فئتي الأدب والسلام. الطبيعة العلمية تفرض نفسها ولها ما يبررها ويسندها في الواقع، لكن الطريقة الأخرى تظل مثيرة للجدل في طابعها القياسي وخلفياتها غير المستندة إلى أساس ما يمكن التنبؤ فيه بالفائز. ومن الصعوبة إحالتها إلى شروط موضوعية يمكن البناء عليها في واقع الأمر.

 

رغم هذا الجدل الذي يصاحب إعلان الفائز، ثمة منعطفات تعصف بمصداقية الجائزة، تكسر تلك الهالة التي تتكدس على تخوم اسم الجائزة الذي يلمع في الكون، ويسلط الضوء على نقاط مضيئة من الإرث الأدبي العالمي المتوالد، والمتداخل في صيرورته واتجاهاته وتبايناته.

 

فضيحة جائزة نوبل للآداب


في نوفمبر من العام 2017، كُشفت اعتداءات جنسية واغتصاب قام بها جون بيير آرنو مع 19 امرأة، وأثار هذا السلوك التساؤلات حول مصداقية هذه الجائزة، كادت أن تعصف بها.

آرنو وهو زوج الأكاديمية الفرنسية كارثارينا فروستنسون العضوة في الأكاديمية السويدية. بالإضافة إلى ذلك فقد كان متهماً بتسريب قائمة الفائزين بالجائزة قُبيل الإعلان عنها رسمياً. واتهمت  الصحف العالمية آرنو بتصرفه وكأنه العضو الـ19 في لجنة منح الجائزة. ما يثير الأمر في المنطقة الرمادية إنه حين تم استدعاء الكاتبة كارثارينا لجلسة استماع أمام الاكاديمية وقف بعض الأعضاء في صفها.  ووضعت هذه الفضيحة جائزة نوبل في مأزق. فقد انتهى الأمر بتأجيل منح  الجائزة حتى العام 2018, وليس الحفظ  لمدة ثلاث سنوات المتعارف عليه في الأكاديمية.

 

هذه الفضيحة التي فتحت الاحتمالات المشرعة على الخيبة في مدى المصداقية التي يتمتع بها أعضاء الجائزة، أثارتها غرابة السلوك في تضامن بعض الأعضاء مع آرنو وزوجته، كان له تأثير حساس  وعبء إضافي على الأعضاء الجدد في إعادة بناء الثقة وتصويب الاختيارات في مجال لا يدع الشك تنفرد به الظنون.

 

ما بعد الفضيحة:

في العام
2018 تم منح الجائزة للكاتبة الروائية البولينية أولجا توكارتشوك، كان  هذا بمثابة عملاً متقدماً في محاولة لطمس ذكرى الفضيحة، فقد امتدت الجائزة خارج اللغات العشر الأكثر منحاً للجائزة،  وأدخلت بلداً جديداً يصفه النقاد بأنه نتاج أدبه ذات طابع محلي لا ينفذ منه سوى إلى حيز المكان بعكس توكارتشوك التي كان أدبها ذات طابع عالمي في سيرة الزمن المسافر.

عادت الجائزة مجددًا إلى دائرة الجدل في العام 2019   حين منحت الجائزة  للكاتب النمساوي بيتر هانكة،  مما بعث  التساؤلات والظنون مجددًا،  حول  المعيار الأخلاقي وتموقع أهميته  بالنسبة للمعايير الأدبية  الآخرى.

 

هانكه، الذي يقف بصوت عالي مساند للنظام الصربي في الحرب اليوغسلافية، وقد حضر في جنازة الزعيم الصربي ميلازوفيتس الذي حوكم بتهمة جرائم حرب من طرف محكمة العدل الدولية في لاهاي. أبرز هذا التساؤل الغموض الذي توحية معايير الاختيار  للأعمال الفائزة من قبل خلية نوبل الذين يعكفون سنويًا على قراءة الأعمال المقترحة وترجيح فائز منها.  ذلك أنه  في السنوات الماضية كان منح الجائزة لا يخرج عن الموقف الأخلاقي  باعتباره أحد أقطاب العملية الإبداعية. غير أن هذا الاتجاه الجديد الذي انتهجته الأكاديمية وهو أسلوب ذكي لإثارة الجدل بعد السقوط المريع في فخاخ الفضائح الجنسية التي أحاطت خلية نوبل في العالم 2017.

 

اختيار هانكه صاحب الموقف الشخصي الملتبس المساند للشمولية، فُهم على أنه إشارة واضحة من الأكاديمية للفصل بين ماهو شخصي وما هو أدبي، بيد إن هانكة باجماع النقاد يتمتع بمقدرة أدبية فذة، يستحق بناءً عليها الجائزة.  غير أن هذا لا يلغي حقيقة  أن الجائزة قد ترسخت في بعديها السياسي والاحتكاري على مدى زمن طويل ، إذ تضع نفسها متسقة مع الاتجاه الغربي السائد في أوضح نسخة متماثلة مع الموقف السياسي والفكري، ولم تتوسع الجائزة خارج اللغات العشر الأكثر حصولاً عليها، لتثبت حقيقة إسقاط الوعود التي قدمتها الأكاديمية السويدية في العام 1987  بتضمين الجائزة ثقافات أخرى لتضمن التمثيل الكوني للجائزة.

 

قبلة على جبين الشعر

جائزة نوبل للآداب التي ذهبت هذا العام إلى الشاعرة الأمريكية جلوك، هي بمثابة قبلة على جبين الشعر.  هذه الجائزة تاتي خارج التوقعات كما هي العادة،  لكنها أتت أيضا خارج تمرس الجائزة في انتقائها الأصوات الأدبية المغمورة عالميا باختيارها جلوك  المتواجدة تحت بؤرة الضوء من الأساس. امتداد لاستراتيجية  الأكاديمية في إعادة الثقة وعدم المجازفة أكثر في نشر الجدل.  ومسح غبار الشك عن الموقف من النسوية الإبداعية.