السبت 11 مايو 2024

التحول الرقمي في مجال الخدمات الصحية والطبية

تحقيقات13-10-2020 | 21:26

الرقمنة ( Digitalization) :


الرقمنة هي اصطلاح تم استحداثه مؤخرا بعد تنامي علوم الحاسوب وتقنيات المعالجات، ويقصد به تحويل العمليات التي تؤديها الآلة الكهربائية أو الميكانيكية أو الإلكترونية إلى النظام الكمبيوتري والمعروف بنظام العد الثنائي، وهذا الأخير في أبسط صوره عبارة عن نوعين من الأوامر أحدهما لا تفعل (0) والأخر افعل (1). 


لتبسيط الفكرة، يجب أن تعلم أن الحاسوب لا يفهم الأرقام ولا الحروف، ولكنه يفهم رسم هذه الرموز، فمثلا ليكتب الحاسوب الرقم صفر بالعربية وهو عبارة عن نقطة سوداء وسط مربع مضيء فهناك خلايا تعرف بالصمام الثنائي Diode  مهمة الواحدة منها تخزين شحنة كهربائية فتصبح محملة بالأمر "افعل" وهو كما أوضحنا (1)، وعند التخلص من الشحنة يصبح فارغا معلنا الحالة (0). 


تابع النموذج التالي لتعرف كيف يرسم الحاسوب النقطة التي يشترك فيها 64 خلية موزعة في مصفوفة مكونة من 8 صمام رأسي × 8 صمام أفقي.

 

يقوم الحاسوب بإضاءة الصمام 1/1 ثم 2/1 حتى نهاية الصف الأول أفقيا كما بالرسم، ثم ينتقل للصف التالي ويكرر نفس العملية، وعندها يفرغ الصمامين الممثلين للمربعين 1/3 و2/3 وهكذا حتى يعطي الشكل المبين وبه النقطة السوداء في المنتصف وهي مكونة من أربع وحدات تعرف كل منها بالـ (Bit) بينما الإطار الكامل وهو 8×8 يعرف بالـ Byte.


النموذج السابق يوضح كيفية رسم الأشكال سواء كانت حروفا أو أرقاما أو رسما لأي صورة، ويسري نفس الأمر عندما يسخر الحاسوب لإدارة عملية بمدخلات لتؤتي نتائج محددة.

مفهوم التحول الرقمي:

كما أوردنا سلفا، يعتبر التحول الرقمي هو المرحلة الأكثر تقنية مقارنة بالأداء التماثلي (Analogue) وهو اصطلاح شائع الاستخدام في مجال المعلومات والاتصالات. 


مزايا التحول الرقمي:


يضمن الأداء الرقمي في عمليات الحاسوب دقة متناهية لا تسمح بالخطأ، ولا تتأثر بنقاء التواصل بين وحدات الإدخال والمعالج ووحدات العائد، ولعل أشهر مثال يوضح هذا الفرق هو نقاء الملفات الصوتية عند معالجتها رقميا مقارنة بملفات الوسائط  التي تعالج بالطرق الإلكترونية أو التقليدية.


التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي:


يعرف الذكاء في المطلق بأنه القدرة على استدعاء جزء من الرصيد المعرفي لواقع التطبيق ليخدم حل إشكالية معينة، وهذا التعريف يخص قدرات العقل البشري نظرا لوجود مَلَكتي التفكير والاستنتاج اللتان تمكنان الفرد من انتقاء المعلومة بشكل منطقي. إذن الذكاء هو رصيد معرفي بالإضافة إلى منطق يسهل عملية انتقاء المعلومة التي تخدم السياق وليس دونها.


أمّا الذكاء الاصطناعي فقد اقترب قليلا من الذكاء البشري عندما أمكن إضافة خاصية التعلم الذاتي والاستفادة من الخبرات التراكمية دون الحاجة إلى برمجة سابقة التقدير.


تعاظمت قدرات الآلة وارتقت قدرات الذكاء الاصطناعي عندما أمكن تجهيز الحاسوب بوسائل إدخال تحاكي الحواس الخمس التي يتمتع بها الإنسان، فأمكن للحاسوب استشعار الصوت والصورة وخاصية اكتشاف الوجوه وتمييزها وتحسس الأشياء وتقدير الأوزان والاتجاهات وتلقي الأصوات وتحليل النغمات والشم الكيماوي وانتهى الأمر بإمكانية  تذوق الأطعمة والمشروبات عن طريق التحليل الكيميائي للمواد الطيارة بالأطعمة.


  أدت هذه القفزات المتعددة إلى إحداث نقلة هائلة في تقنية محاكاة أصوات البشر وترددات الأجسام، وهو ما سهل لاحقا استحداث ملامح وأصوات لم ينطقها أصحابها الحقيقيون كأن تنسب إلى شخص نطق الشفرة الصوتية لكلمة السر لفتح خزينته الخاصة.


المجالات التي استفادت من الرقمنة:


في الحقيقة لا يوجد نشاط بشري أو صناعي لم ينعم بعائد الرقمنة، ولكن تتفاوت مجالات الحياة من حيث مجالات التطبيق، ولعل أشهر مجالين فازا بعائد الرقمنة هما مجال الطيران ومجال الطب.


هل يمكن أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري؟


قبل استحداث القدرة على التعلم والاستفادة من الأخطاء السابقة، كانت الإجابة القاطعة على هذا التساؤل بالنفي، ولكن بعدما أمكن تزويد الحاسوب بعمليات المفاضلة بين النتائج وهي عملية ساهمت بشكل كبير في تعظيم خاصية التعلم من الأخطاء وتجنبها، بل والقفز إلى استنتاج يصعب أن يؤتيه العقل البشري. لذا، بالفعل تفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري مما فتح آفاقا جديدة لتطبيقات لم تكن ممكنة قبلا، خاصة في مجال التشخيص الطبي كما سنوضح تباعا.


التحول الرقمي في مجال الطب:


تعتمد الخدمات الصحية على العنصر البشري مناصفة مع الآلة خاصة في مجال التشخيص. فبينما يشارك العنصر البشري بحصته في تكوين الرصيد المعرفي للمعلومات الطبية وتطبيق هذه المعلومات على المعضلة الصحية بالمريض، يتبقى على العنصر التقني أعمال القياس مثل الفحوص المخبرية، وتقدير الكميات واستخدام الآلة في التشخيص الطبي مثل التصوير الشعاعي والفحص بالموجات فوق الصوتية وفحص الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي وغيرها.


لعل أكبر المنافع الرائعة التي أمكن إضافتها كخصائص إلى أدوات الفحص الطبي هي وظيفة التباين (Contrast)  حيث أمكن تمييز قوام الأنسجة ومن ثم التفرقة بين النسيج السليم ومقارنته بالنسيج المعطوب، والإضافة الثانية هي إمكانية رصد وقياس ديناميكية الأنسجة مثل سرعة سريان الدم في الشرايين وقوة انقباض عضلة القلب وانقباض عضلة الرحم ورصد حركة المريء أثناء البلع،  والتفرقة بوضوح بين المناطق السليمة في المخ ومضاهاتها بالمناطق التي صادفت مشكلة في الإرواء الدموي مثل حالات الجلطة الشريانية بالقلب أو السكتة الدماغية.


عائد ربط الذكاء الاصطناعي بالرقمنة:


لعل أصعب المعضلات في مجال التشخيص الطبي هي صعوبة وضع جداول ثابتة على شكل قوائم تضم العلامات المرضية والأعراض ونتائج الفحوص المخبرية للخروج بتشخيص واحد، فكل مريض هو حالة متفردة في ذاته حتى وإن تشابهت كل الأعراض والعلامات المرضية في شخصين، إلا أن هناك فروقا فردية تغير القراءات المتشابهة ومن ثم تخبر بتشخيص مختلف لكل مريض. 


ترتب على هذا المبدأ وضع قاعدة في الأداء الطبي قوامها أن الطب لا يعنى بمعالجة المرض، بل بعلاج المريض لأن المرض محدد بثوابت يمكن وضعها في جداول، أما المريض فهو بيئة المرض وهو متغير إلى الحد الذي لا يعطى ضمانة بأن المرضى من نفس السن والجنس وإن تشابهت العلامات الحيوية والأعراض وتطابقت نتائج الفحوص المخبرية قد يقودنا إلى تشخيص مختلف يخص كل مريض على حدة.


 مكاسب الرقمنة في مجال الخدمات الطبية:


بفضل الرقمنة، أمكن إنشاء ما يعرف بالملف الطبي الديناميكي، وهو بالإضافة إلى كونه ملفا رقميا تجاوز متاعب ومشكلات الملف الورقي من حيث الحجم وتكلفة الورق وسهولة الأرشفة والحفظ، وسهولة النسخ ويسر النقل لأي معالج في العالم وغيرها من المزايا، إلا أن أعظم الوظائف المستجدة هي ديناميكية المعلومة، فمثلا استنادا لتاريخ الميلاد، يتجدد السن في كل لحظة عند استدعاء معلومات الملف، وحتى المعادلات الرقمية التي تعتمد على أكثر من متغير مثل مؤشر كتلة الجسم وهو مقياس للسمنة يعتمد على قراءة الوزن والطول وجنس المريض والسن ومحيط البطن والصدر، فمن الممكن في كل زيارة تؤخذ فيها هذه القياسات يسهل احتساب مؤشر كتلة الجسم ليضعه مع تاريخ الزيارة أمام الطبيب.


هل حقق التحول الرقمي كل طموح الأطباء؟


بالرغم من دقة التشخيص بالأجهزة الرقمية، خاصة الفحوص المخبرية وتخطيط  القلب وتخطيط  النشاط  الدماغي وغيرها، إلا أن هناك معضلة لم تُحل بعد وهي توفير الحس الطبي (Medical sense)  وهو أمر يخص كل طبيب على حدة ولا يمكن نسخه من طبيب لآخر، ولكن يمكن تبادله خبريا بين الأطباء المعالجين لنفس المريض وهو في الغالب يشكل موضع الخلاف بين فروق الخبرة الطبية، ولكن عندما يتفق المعالجون عليه، فالمريض حتما هو الرابح.


    Dr.Radwa
    Egypt Air