في ظل ثورة الاتصالات والميديا الحديثة التي غيرت الكثير من قناعاتنا ورؤيتنا للواقع وللأدب معا، صار طرح أسئلة حول الأدب التفاعلي والروايات الرقمية أمرا محتما وضروريا، بل لقد تحولت هذه الأسئلة إلى ندوات وملتقيات ومؤتمرات حول الأدب الرقمي والرواية الرقمية، وما يتصل ببعض قضايا علاقة التكنولوجيا الجديدة بالإبداع؛ صحيح أن العالم الغربي طرح هذه الأسئلة قبلنا بعقود إلا أننا انتبهنا مؤخرا إلى أهمية مقاربة هذه الموضوعات لكي نتمكن من مواكبة المستجدات على المستوى الفكري العالمي سعيا إلى محايثة أسئلة العصر والتواصل مع ما يستجد على المستوى العالمي من تطورات في الرؤى والتناول معا.
لكن ثمة أسئلة جوهرية يجب أن نطرحها قبل مقاربة الإبداع الرقمي، ومن هذه الأسئلة هل حضور موضوعات مثل : "الفيس بوك" و"اليوتيوب" في بعض الروايات يجعلنا نقول عنها إنها رواية رقمية؟ أم رواية عادية ورقية تناولت هذه الموضوعات الحداثية مثلما تتناول موضوعات مثل الحب الكراهية أو الحرب أو موضوعات اجتماعية واقتصادية عادية؟
هل تحويل الرواية التي هي بالأصل ورقية إلى صيغ إلكترونية مثل صيغ البي دي إف يجعلنا نطلق عليها رواية رقمية؟
هل نحن نتعامل مع التكنولوجيا كوسيلة أم كرؤية حداثية للعالم تغير رؤيتنا له وتؤثر في فلسفتنا وطريقة تفكيرنا؟
لقد أتاحت التكنولوجيا فرصا غير محدودة للإفادة في تشكيل عوالمها السردية مما انتجت نصوصا أدبية متأثرة بالوسائط التكنولوجية وهو ما سمّي بـ " الأدب التفاعلي" فأنتج الرواية التفاعلية(Interactive novel) والشعر التفاعلي(Hyperpoetry) والمسرح التفاعلي(Hyperdrama) والسرد التفاعلي(Hyperfiction).
ويعتمد هذا الجنس الأدبي الجديد في ظهوره إلى حيز الوجود على استخدام خصائص النص الجديد، الذي يمكن أن يتفرع ويتشعب إلى عدد لا نهائي من الحقول المعرفية وهو ما أطلق عليه ما اصطُلح عليه "النص التشعبي" أو "Hypertext "
حيث يقوم الكاتب بربط أنواع مختلفة من النصوص بروابط إلكترونية تتفرع وتتشعب عبر الوصلات الإلكترونية التي يتضمنها، بحيث يقدم لقارئه، أو مستخدمه معلوماتية ومعرفة غير محدودة، كما يتيح الروائي من خلال تلك النصوص المتعددة فرصا كثيرة أمام القارئ تقدم جرعات معرفية متنوعة، مما يزيد من عدد الروافد التي يمكن أن يرفد بها الروائي نصه التشعبي.
ويمكن تعريف "الرواية التفاعلية" بأنها:" ذلك النمط من الروايات، التي يقوم فيها المؤلف بتوظيف الخصائص التي تتيحها تقنية النص المتفرع، والتي تسمح بالربط بين النصوص سواء أكانت نصا كتابيًا، أم صورًا ثابتة ام متحركة، أم أصواتًا حية ام موسيقية، أم أشكالا جرافيكية متحركة، أم خرائط، أم رسومًا توضيحية، أم جداول، أم غير ذلك، باستخدام وصلات تكون دائمًا باللون الأزرق، وتقود إلى ما يمكن اعتباره هوامش على متن، أو إلى ما يرتبط بالموضوع نفسه، أو ما يمكن أن يقدم إضاءة أو إضافة لفهم النص بالاعتماد على تلك الوصلات"(1).
وتتيح الرواية التفاعلية التي تعتمد على التشعب والترابط بين النصوص المعرفية المختلفة فرصا غير محدود للكاتب من حيث المقروئية التي يطمح إليها، من خلال وجودها الحتمي على شبكة الإنترنت، مما يجعلها متاحة لملايين القراء من شتى الأعمار والمستويات، بل وحتى من شتى الثقافات المختلفة، فيتيح ذلك فرصة للنص التشعبي أن يتشعب تلقيه، وتتشعب طرق التعاطي والتفاعل المعرفي معه.
ثمة مغالطات في توصيف الأدب الرقمي، فليس كل نص كتب على شبكة الإنترنت في "المدونات" وغيرها يعتبر كتابة رقمية، فهنا حلت صفحة الحاسوب محل الورقة كوسيلة كتابة، ثم يعمد الكاتب إلى جمع هذه النصوص في كتب ورقية، وبهذا تفقد صفة الرقمية، كما أن الكتابة على هذه الوسائط التكنولوجية لا تعطي النص صفة التفاعلية، فالنص التفاعلي نص مفتوح على حوار يقام على النص بين الكاتب والقراء، ويتغير مسار النص بمشاركة القراء في التدخل في مساراته الدرامية؛
النص التفاعلي بمفهومه الذي حدده النقاد يكتب على شبكة الإنترنت من قبل الكاتب دون أن يضع له نهاية محددة؛ مما يتيح للقراء التدخل في مساراته الدرامية، فيقترح أحد القراء مسارا دراميا، ويقترح آخر خطا دراميا آخر وهكذا يصبح القراء مشاركين للكاتب في تشكيل خطوط النص الدرامية، أما إن نُقل النص إلى كتاب ونشر نشرا ورقيا فقد صفة التفاعلية، مثلما حدث في المدونات التي قامت دار نشر مصرية بتحويلها إلى كتب مثل"عايزة أتجوز" مثلا. هنا لم تعد كتابة تفاعلية بالمفهوم النقدي الدقيق، و ثمة فهم مغلوط في النص "التشعبي" فليس هو النص المصحوب بموسيقى أو صور تشكيلية، لكن الحقيقة النص التشعبي يحتوي على روابط مفعلة تدخل القارئ على حقول معرفية أخرى، فلو أن كاتبا ما يكتب نصا تدور أحداثه في مصر القديمة مثلا، وأتى فيه ذكر الملك خوفو أو الإله أوزير، ساعتها سوف يفعل الاسم ويلون باللون الأزرق وحين يضع القارئ عليه "السهم" ويضغط على الرابط يدخله على صفحة أخرى فيها سردية عن تاريخ "خوفو" أو تاريخ "أوزير" وهكذا.
إذن الرواية التفاعلية أو الرقمية لا تصبح جديرة بصفة الرقمية إلا حينما يتم إبداعها بواسطة برمجيات تجعلها قابلة ألا تتلقى إلا من خلال شاشة الحاسوب؛ ورغم كل محاولات الكتاب العرب أن يكتبوا أدبا يفيد من التكنولوجيا إلا أنهم لم يكتبوا النص التفاعلي الرقمي بالمفهوم النقدي المنضبط، لدرجة أن أحد النقاد يرى أنه: "لم يتم إلى الآن ولوج الأشكال الجديدة للكتابة، كما لم تكتب ولو رواية عربية واحدة ضمن الجنس الأدبي المسمى بـ'النص المتشعب التخييلي".(2).
إن كتابة رواية إلكترونية يعد:"حلمًا من أحلام الروائيين أو الأدباء الذين بدأوا منذ سنوات يتعاملون مع الشبكة، وينشرون إنتاجهم الأدبي 'الخطي' نشرًا إلكترونيًا، ولكنه أقرب إلى النشر الورقي، من حيث عدم الاستفادة من تقنيات الشبكة وبنيتها، في إنتاج أدب عربي جديد، يستفيد من ثورة الوسائط المتعددة، ومن تقنيات النص(Hypertext ).
كذلك يرى بعض النقاد أن الكتاب العرب لم يكتبوا النص التفاعلي باشتراطاته الجمالية، فها هو سعيد يقطين يقول: "لقد دخلت الدراسات الأدبية مرحلة جديدة من البحث وتولدت مصطلحات ومفاهيم جديدة، لكننا لا نزال بمنأى عن التفاعل معها، أو استيعاب الخلفيات التي تحددها، فظهرت مفاهيم تتصل بالنص المترابط، والتفاعلية، والفضاء الشبكي، والواقع الافتراضي، والأدب التفاعلي. ونحن لا نزال أسيري مفاهيم تتصل بالنص الشفوي أو الكتابي، ولم نرق بعد إلى مستوى التعامل مع النص الإلكتروني.
إن الرهان الأساس بالنسبة إلى النقد الروائي، التطور، والمواكبة، والارتقاء إلى العصر، وإلا فإننا عندما سنفتح أعيننا على ما يتجدد، نجد الآخرين قد سبقونا بعقود لا يمكننا قياسها، وبالتالي لا يمكننا تداركها"(3).
لكن بعد حديث سعيد يقطين الذي صدر كتابه في عام 2005 جرت في النهر مياه كثيرة، وأصدرت العديد من الأعمال التي اتخذت من التكنولوجيا موضوعا أو حتى طريقة سردية، بل هناك رواية عربية صدرت قبل هذا التاريخ بخمس سنوات، وقد اتخذت من التفاعلية الإلكترونية تنقية سردية باشتراطاتها الجمالية وهي رواية "ظلال الواحد" لمحمد سناجلة التي صدرت عام 2001. وقد تمثّل سناجلة الوعي بتوظيف التكنولوجيا في الأدب، فقام بإصدار كتاب نقدي نظّر فيه للأدب الرقمي:"رواية الواقعية الرقمية"
وقد قطع الإبداع العربي خطوات معقولة في سبيل الإفادة من التكنولوجيا في سردياتهم بالاعتماد على التقنية في بناء النص دراميا مما يحقق مجموعة من التمثلات التي يمكن أن تنحصر في :
ـ تقديم النص عبر وسيط إلكتروني.
- الاعتماد على تقنية الترابط.
- توظيف التقنيات الرقمية والوسائط المتعددة.
- منح المتلقي مساحة تعادل مساحة مبدع النص للمشاركة في التأليف.
1ـ عبير سلامة، النص المتشعب ومستقبل الرواية، مقال في موقع إلكتروني على الرابط
www.nisaba.net/3y/studies3/studies3/hyper.htm
2ـ محمد أسليم، المشهد الثقافي العربي في الإنترنت، قراءة أولية
http://www.addoubaba.com/aslim.htm
3ـ سعيد يقطين، "من النص إلى النص المترابط: مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2005.
4 ـ أحمد فضل شبلول، الواقعية الرقمية: على جناح من السيليكون والفرحة، موقع ميدل إيست أونلاين، على
الرابط:
http://www.middle-east-online.com/?id=22055=22055&format=0 12