الإثنين 1 يوليو 2024

إرهاب

فن16-10-2020 | 14:51

الإرهاب مصطلح جديد، بالنسبة للغة العربية، فهى كلمة دخيلة على القاموس العربى، ولا وجود لها أو لمفهومها، عند العرب القدامى، وعلى الرغم من هذا، فلم يعد هناك من حديث، فى العالم العربى أو المجتمع الدولى، يخلو من تصريح أو حتى إشارة إلى الإرهاب، الذى انطلق يسود أركان الأرض الأربعة، فى العقد الأخير، أو ربما منذ ألفين وواحد، فيومها شهدت الولايات المتحدة الأمريكية، مجموعة من الهجمات، نشأت عن تحويل أربع طائرات نقل تجارية مساراتها، وتم توجيهها لتصطدم بأهداف محددة غير متوقعة، نجحت ثلاث طائرت منها فى بلوغ هدفها، لتضرب برجى مركز التجارة العالمى فى منهاتن نيويورك، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، مما أدى إلى سقوط ألفين وتسعمائة وثلاثة وسبعون ضحية، بالإضافة إلى أربعة وعشرين مفقوداً، أضف إلى هذا آلاف الجرحى والمصابين، من جراء استنشاق الأبخرة والغازات السامة.

ومنذ ذلك اليوم، أطلقت الولايات المتحدة ولأوَّل مرة، مصطلح الحرب على الإرهاب، والتى بدأت بالحرب على أفغانستان، وإسقاط نظام طالبان، الذى صنعته الولايات المتحدة نفسها، لإسقاط الاتحاد السوفييتى أيضا، والحرب على العراق، والتى أسقطت نظام صدام حسين أيضاً ... والواقع، وعلى الرغم من أن واقعة الحادى عشر من سبتمبر، قد أشعلت فتيل الحرب على الإرهاب، والتى لم تؤد إلا لتعاظم التنظيمات الإرهابية، وانتشارها، فى العالم العربى أساساً، وفى العالم كله بعدها، إلا أن تاريخ الإرهاب ليس بهذه الحداثة، وإنما قد يعود – تاريخياً - إلى ما قبل القرن الحادى عشر الميلادى، عندما شنت عصابات صهيونية يهودية عدة عمليات إرهابية، ضد أثرياء الرومان، وتضمَّنت عمليات اغتيال لكل المتعاونين معهم، وفى تاريخنا هناك عملية اغتيال على بن أبى طالب، على يد الخوارج، وهو ما يعد أوَّل عملية إرهابية عربية معروفة.

والإرهاب فى مجمله، لا توجد له أهداف متفق عليها عالمياً، ولا ملزمة قانوناً، وحتى تعريف القانون الجنائى له يشير إلى أنه أعمال عنيفة، تهدف إلى خلق مناخ من الخوف والاضطراب فى المجتمعات، أو فى أوساط بعينها، كاستهداف أتباع ديانة أخرى، أو مؤيدى سياسة بعينها، وفى بعض الأحيان تكون له أهداف أيديولوجية، كما تفعل حروب الجيل الرابع، عندما تستخدم الإرهاب استخداماً منهجياً، كجزء من خطة تدمير الشعوب إو إفشال الدول ... وفى العصر الحديث، تم ضم أعمال العنف غير المشروعة، والحروب، كنوع من إرهاب الدول، وفيه يتم عادة اللجوء إلى تكنيكات مماثلة للإرهاب من قبل تنظيمات إرهابية، أو حتى أجهزة مخابرات عالمية، لفرض او استبدال واقع ما بواقع بديل، يخدم مصالحها ... ولكن وجود التعقيدات الدينية والسياسية، جعل هذه التعريفات مطاطة فى معظمها، وغامضة فى أغلبها، ومختلف عليها فى أكثرها، فالمسيحيون مثلاً عانوا الكثير من التنظيمات الدينية المتطرَّفة، ويعانى المسلمون من المثل، فى بعض بلدان أوروبا، وبعض الولايات الأمريكية لأسباب سياسية، تحكمها الصراعات الإقليمية والدولية.

ومن الناحية البحثية البحتة، يرجع الباحثون أسباب الإرهاب، إلى ثقافة حب الإنسان للسيطرة، وشعوره بالقوة، مع زجر الناس وترويعهم، حتى يفوز بما لا يمكنه الفوز به فى الظروف العادية، ويتعارض مع المفاهيم الاجتماعية السائدة، لذا فقد وصف الباحثون الإرهاب، بأنه العنف المتعمَّد، الذى تقوم به جماعات غير حكومية، أو يقوم به عملاء سريون، من منطلق سياسى بحت، ضد أهداف غير حربية، بغرض نشر الخوف والاضطراب، فى جموع الجماهير، ولو عدنا بالتاريخ إلى الوراء، سنجد العمليات الإرهابية، فى القرن الأوَّل الميلادى، التى وجهت لأغنياء اليهود، المتعاونين مع المحتلين الرومان، فى شرق البحر الأبيض المتوسط، وفى القرن الحادى عشر، ظهرت جماعة الحشاشين، وهى طائفة إسماعيلية نزارية، انفصلت عن الفاطميين، فى أواخر القرن الخامس الهجرى - الحادى عشر الميلادى، لتدعوا إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله، ومن جاء من نسله، وأسسها الحسن بن الصباح، فى فارس، ثم فى الشام، التى هاجر إليها بعضهم، واتخذ الحسن من قلعة الموت فى فارس مركزاً لنشر دعوته، وترسيخ لأركان دولته، واتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة فى قمم الجبال معاقلاً؛ لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية فى إيران والشام، مما أكسبها عداوة شديدة مع الخلافتين العباسية والفاطمية، والسلطنات الكبرى التابعة لهما، مثل السلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين، بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن أحداً من هؤلاء لم ينجح فى اسئصالهم أو تحجيمهم، طوال عشر سنوات من الحرب، إذ كانت الاستراتيجية العسكرية لهم تعتمد على الاغتيالات، التى يقوم بها إرهابيون، يلقون الرعب، فى قلوب الملوك والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا بالفعل من اغتيال العديد من الشخصيات الهامة جداً، فى ذلك الوقت، مثل الوزير السلجوكى نظام الملك، والخليفة العباسى المسترشد والراشد، وملك بيت المقدس كونراد، حتى أن كلمة (Assassin) أوالمغتال بالإنجليزية، هى تحوير لاسم الحشاشين، الذين كانوا رمزاً لكل الاغتيالات والعمليات الإرهابية فى زمنهم، حتى قضى عليهم المغول، بقيادة هولاكو فى فارس عام 1256 م، بعد مذبحة كبيرة، وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية، ثم قضى الظاهر بيبرس على من تبقى منهم فى الشام، عام 1273م، لتندثر بذلك طائفة الحشاشين تاريخياً، ويبقى الإرهاب.

وفى حقبة الثورة الفرنسية (1789-1799م)، التى يصفها المؤرخون بفترة الرعب، فقد كانت الفوضى التى صحبت هذا قاتلة وعنيفة، إلى درجة وصفها بإرهاب الدولة، إذ لم يطل الرعب الشعب الفرنسى وحده، وإنما امتدَّ إلى كل الطبقة الأرستقراطية، فى أوروبا كلها، خشية أن تمتد النزعة إليها ... وفى العصر الحديث، نجد أن الإرهاب قد تطوَّر كثيراً، وصار أكثر عنفاً، وأكثر تنظيماً، ففى أربعينيات القرن العشرين، نجد اثنين من أعنف العمليات الإرهابية، وأكثرها دموية، الأولى فى عام 1946م، عندما نفذت بعض العصابات اليهودية عملية تفجير فندق الملك داود فى القدس، مستهدفة المندوب السامى البريطانى فى فلسطين، والثانية هى مذبحة دير ياسين وقانا، فى عام 1948م، ضد المدنيين والفلسطينيين، والتى تم تنفيذها بوساطة العمليات الصهيونية (هاجاناه)... ومازالت المملكة العربية السعودية تذكر حادثة الحرم المكى الشهيرة، فى عام 1979م، عندما اقتحم جهيمان العتيبى وجماعته الحرم المكى واحتلوه، وأريقت فيه الدماء ...

وفى مصر يستحيل نسيان أشهر عملية إرهابية، فى عام 1981م، عندما تم اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، فى وسط جيشه، أثناء احتفالات السادس من أكتوبر، بسبب توقيع اتفاقية كامب ديفيد ... وفى عام 1988م، اختطفت الطائرة الكويتية، من قبل حزب الله الكويتى، وفى نفس العام، تم تفجير طائرة بان آم فوق سماء لوكيربى الأسكتلندية ... أما فى التسعينيات، فقد تصاعدت الوتيرة الإرهابية على نحو ملحوظ، ففى عام 1991م، تم شن عدة عمليات إرهابية، فى جنوب شرق آسيا (الفلبين)، من قبل عدة جماعات، أشهرها جماعة أبو سياف ... وفى عام 1995م، تم تنفيذ عملية إرهابية بشعة، من خلال بث غاز سام، فى محطة مترو أنفاق طوكيو، وفى نفس العام تم تفجير أبراج الخبر فى الرياض، فى المملكة العربية السعودية، بسبب الوجود الغربى، وفى عام 1996م، حدثت تفجيرات مانشستر، من قبل الجيش الجمهورى الإيرلندى.

وفى عام 1997م حدثت مذبحة الأقصر، التى قام بها أفراد من الجماعة الإسلامية، وراح ضحيتها عشرات السياح السويسريون، وكانت السبب فى إقالة وزير الداخلية، وفى العام التالى 1998م، أقدم تنظيم القاعدة على تفجير سفارات الولايات المتحدة الأمريكية، فى نيروبى ودار السلام ... وقبل أن ينتهى القرن، نفذ الشيشانيون عدداً من العمليات الإرهابية فى روسيا ... ثم بدأ القرن الحادى والعشرين بتفجيرات الحادى عشر من سبتمبر، وأعقبها فى 2003م تفجيرات استهدفت مبنى الأمم المتحدة، وضريح الإمام على، والزوار الشيعة فى العراق، وفى نفس العام نفذ تنظيم القاعدة عدة تفجيرات، فى المملكة العربية السعودية، ولم يمض عام، حتى قامت حركة وطن الباسك والحرية (إينا) بتفجيرات مدريد 2004م، وفى العام الذى يليه 2005م، حدثت تفجيرات لندن ... ثم كانت فترة هدوء، تبعها دوى هائل فى بغداد، أسفر عما يتجاوز المائة ضحية، عندما تم استهداف كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك، فى 2010م.

وفى 2011م، قام النرويجى أندروس بهرج بريفيك، بتفجير سيارة فى قلب أوسلو، وإطلاق النار الجماعى، فى جزيرة أونايا، مما أسفر عن مقتل خمسة وخمسين ، وإصابة 151 آخرين ... وأصدر أندروس بياناً من ألف وخمسمائة صفحة، يذكر فيها أنه صليبى مسيحى، وأن المهاجرين يدمرون القيم المسيحية التقليدية للنرويج ... وفى عام 2015م، حدثت هجمات باريس الإرهابية، التى راح ضحيتها مائتا شخص، وفى العام التالى 2016م حدث هجوم نيس، الذى أسفر عن قتل أربعة وثمانين شخصاً ... أما فى مصر، فمنذ سقوط حكم الإخوان، فى الثالث من يوليو 2013م، بدأت موجة هائلة من العمليات الإرهابية لا يكفى المقال كله لذكرها، ولكن أبشعها على الإطلاق، والذى يعد دليلاً على أن الإرهاب لا دين ولا وطن له، هو حادثة الرابع والعشرين من نوفمبر 2017م، عندما استهدفت الجماعات الإرهابية مسجد الروضة، فى القرية التى تحمل نفس الاسم، والتى تبعد عن العريش مسافة خمسين كيلو متراً، وتبعد عن بئر العبد قرابة أربعين كيلو متراً بمحافظة شمال سيناء، حيث قامت مجموعة إرهابية متطَّرفة، تبايع تنظيم داعش بإطلاق النار داخل المسجد، فى صلاة الجمعة، على نحو عشوائى، مما أسفر عن سقوط ثلاثمائة وخمسة قتلى، ومائة وثمانية وعشرين مصاباً، مما جعلها تعتبر من أبشع العمليات الإرهابية، التى عرفها التاريخ.

 ولأن بعض الدول، التى ترعى الإرهاب سراً، على عكس ما تبدى علناً، تريده أن يستمر ويتواصل، فقد خلطت بين التمرَّد والإرهاب، إذ وصفت الإرهابيين بأنهم مجموعة من الناس، تعجز عن إحداث تغيير بالوسائل السلمية المشروعة، سواء اقتصادية أو احتجاجية أو اعتراضية، أو عن المطالبة والمناشدة بإحداث التغيير، فلا تجد أمامها سوى الإرهاب وسيلة، لتوصيل رأيها، وإسماع صوتها ... وتلك الدول بهذا تمنح الإرهاب شرعية زائفة، متجاهلة فكرة أنه ليس من المنطقى أن أختلف مع نظام حكم، فأسعى لقتل المحكومين ... ولقد قال المفكر الراحل فرج فودة عن الإرهاب: " إن انطلاق الكلاشينكوف، دليل على عجز الحروف، وصوت الطلقات تعبير عن عجز الكلمات "، وقال أيضاً: " توجد ثلاثة سبل لمواجهة الإرهاب، وهى التعليم، ومواجهة المشكلة الاقتصادية، والوحدة الوطنية " ... ومازالت أقواله هذه مناسبة، حتى يومنا هذا … لمن يفقهون.