كان ما يحدث فى مصر بداية من 25 يناير 2011، وربما قبل هذا بكثير، يشكل عددًا كبيرًا من الأسئلة التى تفتقد الإجابات المنطقية أو حتى المعقولة، كنا نرى أمامنا تحركات كثيرة على أكثر من مستوى، دون أن يكون لدينا تفسير لبعضها أو تبرير للبعض الآخر.
لم يشك أحد أن نظام مبارك لا يزال قويًا، لكنه فى النهاية كان يرضخ لما تفعله به القوى السياسية المختلفة، التى أصبحت أسماؤها متداولة لدى الناس جميعًا، فلم يكن أحد يجهل حركة «كفاية»، ولم يكن أحد ينكر تواجد حركة «6 أبريل»، ولم يكن أحد يتطلع إلى ما تفعله «الجمعية الوطنية للتغيير» التى قادها محمد البرادعى.
كان كل شىء يحدث على الأرض لا يُقابل بأى اهتمام أو تعليق من النظام المصرى، وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد، وهو ما يبدو محيرًا، وإن كان التفسير الوحيد الذى يمكن التعامل معه على أنه منطقى الآن، أن النظام كان قد وصل إلى مرحلة من الغرور التى اعتقد معها أن أحدًا لا يمكن أن يمسه بسوء، أو يزيحه من مكانه، بل اعتقد حراس مشروع توريث السلطة لجمال مبارك أنهم يمكن أن ينفذوا ما خططوا له دون أن يعترض طريقهم أحد.
المفاجأة التى تكشفها الرسائل التى تلقتها الخارجية الأمريكية، فى عهد هيلارى كلينتون، أن الإدارة الأمريكية كانت لديها هى الأخرى أسئلة دون إجابات، وكانت الرسائل التى تتوالى على بريد وزيرة الخارجية الأمريكية مجرد محاولة للبحث عن إجابات، وعندما بذل مستشارو هيلارى محاولة للعثور على إجابات جاءت باهتة، على عادة الإجابات الدبلوماسية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.
الرسالة «14»
وصلت إلى هيلارى كلينتون مباشرة رسالة من مستشارها سيلفان جاكوب مساء 29 يناير 2011 عنوانها «أسئلة وإجابات»، بدأها بقوله: نواصل مراقبة الوضع عن كثب، نحن على اتصال دائم بسفارتنا وجهات اتصالنا المصرية، وقد التقينا بانتظام كفريق للأمن القومى.
ويخبر «جاكوب» «هيلارى» بأن فريق الأمن القومى أرسل رسالة تتناول أربع ركائز أساسية على النحو التالى:
أولًا: يجب على قوات الأمن المصرية ألا تستخدم العنف ضد المتظاهرين السلميين، حيث لا يوجد أى تكافؤ بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية، مع التأكيد على المتظاهرين أن يقوموا بالتعبير عن أنفسهم بشكل سلمى وألا يلجأوا إلى العنف تحت أى مبرر من المبررات.
ثانيًا: دعم حقوق الإنسان العامة والشاملة للشعب المصرى، بما فى ذلك الحق فى حرية التعبير، وتكوين الجمعيات والتجمع، وكذلك حرية الصحافة، والوصول إلى المعلومات، مع التأكيد أن هذه هى حقوق الإنسان، والتأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية تدافع عنها فى كل مكان.
ثالثًا: الإشارة إلى الاعتقاد بأن الإصلاح أمر بالغ الأهمية لرفاهية مصر، والنظر إلى أن الاحتجاجات التى تشهدها مصر تؤكد أن هناك مظالم داخل المجتمع المصرى، وعلى الحكومة المصرية أن تفهم أن القمع لن يزيل هذه المظالم، وأنه إذا كانت مصر شريكًا مهمًا للولايات المتحدة فى مجموعة من القضايا الإقليمية، فإنه من المؤكد أننا نؤمن بشدة أن الحكومة المصرية بحاجة إلى الانخراط الفورى مع الشعب المصرى فى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اللازمة.
رابعًا: ما يحدث على الأرض لا يمكن التعامل معه على أنه أمر خاص بمصر، فالمصريون يبحثون، مثل شعوب الشرق الأوسط جميعًا، ومثل الناس فى كل مكان، عن فرصة للمساهمة ولعب دور فى القرارات التى ستشكل حياتهم، كما ذكرت ذلك فى الدوحة، وكما قال الرئيس فى القاهرة وأماكن أخرى، وما نحتاجه الآن أن يستجيب القادة لهذه التطلعات والمساعدة فى بناء المستقبل الأفضل للجميع.
من الأسس الأربعة التى ذكرها مستشار هيلارى كلينتون فى رسالته تتضح خلفياته ومرجعياته فى الحديث، فمن بين ما قاله إنه تحدث فى الدوحة عن ضرورة التغيير، وهو ما يشير إلى أنه كان منخرطًا فى اجتماعات الدوحة ومؤتمراتها التى عقدتها لتنادى بتطبيق الديمقراطية فى بلدان الشرق الأوسط المختلفة.
دع عنك عبء السؤال عن الديمقراطية فى قطر نفسها، فلن يجيبك أحد ولا حتى هيلارى كلينتون نفسها، لكن هذه كانت خلفية مستشارها، الذى يبدو أنه كان مدفوعًا لأن يقول ما قاله.
لا نتحدث عن الدفع المادى فقط، فقد أشار إلى أوباما كمرجعية بما قاله فى مصر فى كلمته التى وجهها إلى العالم الإسلامى فى يونيو 2009 من جامعة القاهرة، وهو ما يؤكد أن الأمريكان كانوا يدعمون ما يحدث على الأرض فى مصر، لأنه يسهم فى تنفيذ مشروعهم للتغيير.
رسالة سيلفان جاكوب كانت بمثابة خريطة طريق لهيلارى كلينتون، وذلك من خلال عدة أسئلة، المفروض أنها الأسئلة التى تدور حولها وحول موقفها كوزيرة للخارجية من المفروض أنها تعبر عن صوت وموقف بلادها مما يحدث فى مصر.
توالت الأسئلة فى رسالة مستشار كلينتون على النحو التالى.
سؤال 1: هل يتنحى مبارك.. ولماذا تدعميه؟
إجابة 1: فى بداية الأمر فإن مستقبل مصر سوف يقرره الشعب المصرى وليست الولايات المتحدة الأمريكية، وكما قال الرئيس أوباما الليلة الماضية، عندما خاطب الرئيس مبارك الشعب المصرى، تعهد بديمقراطية أفضل وفرص اقتصادية أكبر، الآن يجب على الحكومة المصرية إعطاء معنى لهذه الكلمات، واتخاذ خطوات ملموسة تفى بهذا الوعد.
سؤال 2: هل انتهى أمر مبارك؟
إجابة 2: مرة أخرى ما هو واضح هو أن الحكومة المصرية يجب أن تكون متجاوبة مع الشعب المصرى، وأنها وحدها ستحدد كيفية تعاملها مع احتياجات الناس وتطلعاتهم، وكيف ستسير الأمور فى الأيام المقبلة.
سؤال 3: إذن أنتِ غير واثقة من أنه يمكنه البقاء؟
إجابة 3: هذه لحظة مهمة لمصر، كما قلنا دعا الشعب المصرى إلى الإصلاح، ولا بد أن تستجيب الحكومة لاحتياجاته وتطلعاته، وهذه الفرصة لا يمكن تفويتها.
سؤال 4: ماذا تطلبين من مبارك؟
إجابة 4: كما قال الرئيس فإننا نطلب من الحكومة المصرية اتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة التى التزمت حكومته بالعديد منها.
سؤال 5: رحل ابنا مبارك.. هل هذه إشارة إلى تخليه عن فكرة تنصيب جمال؟
إجابة 5: لا أريد التكهن بذلك، اسمحوا لى أن أكرر أننا نريد الشراكة مع الشعب المصرى وحكومته لتحقيق تطلعاتهم فى العيش فى مجتمع ديمقراطى يحترم حقوق الإنسان العامة والشاملة.
سؤال 6: ما شعور الولايات المتحدة بموقف الجيش المصرى كلاعب رئيسى.. هل يتحركون لدعم التغييرات؟
إجابة 6: لا أريد التكهن بذلك، إن الجيش مؤسسة محترمة فى مصر، وقد تواصلنا معهم للتأكيد على ضرورة ضبط النفس ودعمهم لعملية الإصلاح.
سؤال 7: هل ستقطعون المساعدات عن مصر؟
إجابة 7: ليس لدينا أى خطط لقطع المساعدة فى الوقت الحالى، نحن نراجع دائمًا مساعداتنا للبلدان الأخرى للتأكد من استخدامها للأغراض الصحيحة، ولكن فى الوقت الحالى ينصب تركيزنا على الحث على ضبط النفس ودعم عملية الإصلاح.
سؤال 8: ما الذى يدفعك لقطعها؟
إجابة 8: ينصب تركيزنا على دعم عملية الإصلاح التى تبدأ على الفور، لن أخوض فى الفرضيات.
سؤال 9: عندما تتحدثين عن خطوات ملموسة للإصلاح.. ما الذى تتحدثين عنه؟
إجابة 9: كما قال الرئيس أوباما، نريد أن نرى حوارًا هادفًا بين الحكومة ومواطنيها، وطريقًا للتغيير السياسى يؤدى إلى مستقبل يتمتع بقدر أكبر من الحرية والفرص للشعب المصرى، وفى هذا الصدد فإن عملنا سيكون على المطالبة بإنهاء قانون الطوارئ وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
سؤال 10: هل مصر مستقرة؟
إجابة 10: من الواضح أنه وضع متقلب للغاية نراقبه عن كثب فى النهاية، ستكون مصر أكثر استقرارًا إذا سعت إلى الإصلاح السياسى، إنه لأمر حيوى بالنسبة لمصر أن تتبنى الإصلاح لضمان ليس فقط استقرارها، ولكن أيضًا التقدم الذى يستحقه شعبها.
سؤال 11: ما رأيك فى تعيين عمر سليمان نائبًا للرئيس وشفيق رئيسًا للوزراء؟
إجابة 11: لقد عملنا مع الجنرال سليمان والجنرال شفيق، وسننقل لهما نفس الأشياء التى نقلها الرئيس أوباما إلى الرئيس مبارك، التى صرحنا بها علنًا.
سؤال 12: هل توافقين نائب الرئيس بايدن على أن الرئيس مبارك ليس ديكتاتورًا؟
إجابة 12: أود أن أشير إلى أن نائب الرئيس بايدن أوضح أننا ندعم التطلعات العالمية للشعب المصرى، وقد أثرنا باستمرار مع الحكومة المصرية على مدى سنوات عديدة الحاجة إلى مزيد من الانفتاح والمشاركة من أجل توفير حياة أفضل ومستقبل أفضل للشعب، لقد كنا واضحين أيضًا عندما نعتقد أن الحكومة المصرية تصرفت بطرق غير ديمقراطية، على سبيل المثال من خلال معارضتنا قانون الطوارئ، ودعمنا لانتخابات حرة ونزيهة، المهم الآن هو أن الرئيس مبارك والحكومة المصرية يمضيان قدمًا فى هذا النوع من الإصلاحات التى تظهر الالتزام بالديمقراطية الحقيقية.
سؤال 13: هل تتعاملون مع المعارضة؟
إجابة 13: بطبيعة الحال نحن نتعامل مع كل من الحكومة المصرية والشعب المصرى والمجتمع المدنى، وسنواصل القيام بذلك.
سؤال 14: هل تعتقدين أن الإخوان المسلمين جزء شرعى من المعارضة؟ وهل تعتقدين أنهم سيتولون الحكومة؟
إجابة 14: أعتقد أن ما رأيته خلال الأيام الماضية هو مجموعة واسعة من جماعات المعارضة، المهم هنا ليس مجموعة معينة، إنها عملية تسمح للحكومة المصرية بتحقيق تطلعات الشعب المصرى.
سؤال 15: هل الأمريكيون بأمان فى مصر؟
إجابة 15: نعمل على ضمان سلامة جميع الأمريكيين فى مصر، وبصفتى وزيرة للخارجية فإننى آخذ هذه المسئولية على محمل الجد، لقد شكلنا فريق عمل فى مقر وزارة الخارجية، ونرسل موظفين إضافيين إلى القاهرة لمساعدة مواطنينا فى ترتيب الأمور خلال هذه الفترة، قلنا إننا سنعمل على تسهيل المغادرة الطوعية للمعارين والأفراد غير الطارئين فى السفارة، كما سنعمل على تسهيل مغادرة المواطنين الأمريكيين الذين يسعون للمغادرة، وفى الوقت نفسه نحث الناس على عدم متابعة السفر غير الضرورى.
سؤال 16: هل فاجأكِ ما حدث؟ وهل كنتِ بطيئة فى الاستجابة؟
إجابة 16: بالطبع لا، منذ البداية قمنا بطرح دعمنا المباشر مع الحكومة المصرية للإصلاح السياسى، تحدث الرئيس عن ضرورة الإصلاح الديمقراطى واحترام الحقوق العالمية فى خطابه بالقاهرة، لقد تحدثت بشكل مباشر عن هذا الموضوع فى الدوحة، لقد كنا واضحين جدًا منذ بداية هذه الاحتجاجات بأننا نعارض العنف، وأننا ندعم الإصلاح، وأننا ندعم الحقوق العالمية للشعب المصرى، وما نركز عليه الآن هو العمل مع الحكومة المصرية والشعب المصرى لتعزيز مجتمع أكثر ديمقراطية يحترم حقوق الإنسان العالمية.
سؤال 17: هل يجب على الجيش إخماد الاحتجاجات؟ وهل انعدام النظام المدنى يعد مصدر قلق متزايد؟
إجابة 17: سأكرر فقط أننا لا نريد أن نرى العنف، وهذا يعنى أنه على الحكومة منع قوات الأمن من استخدام العنف، والتعامل مع الاحتجاجات بشكل سلمى، وهذا يعنى أن المتظاهرين يجب ألا يمارسوا العنف أو النهب أيضًا.
يمكنك الآن أن تراجع الأسئلة التى كتبها مستشار هيلارى كلينتون، والإجابات التى من المفروض أن تقولها إذا ما وجه لها أى سؤال من هذه الأسئلة، وعلى الفور ستتأكد أننا أمام كلام دبلوماسى يتناسب مع تعويم المواقف، فلا يوجد موقف واضح أو محدد، وهو أمر طبيعى جدًا فى التعاملات الدبلوماسية، فالأمور على الأرض كانت لا تزال غامضة ولا أحد يعرف إلى أين ستذهب، ولذلك حرصت الخارجية الأمريكية على ألا تتورط فى إجابة واحدة محددة أو قاطعة يمكن أن نبنى عليها أمرًا واضحًا.
لقد كانت الإدارة الأمريكية واضحة فى موقفها من مبارك، لكنها أرادت أن تجعل كل الأبواب مفتوحة حتى اللحظة الحاسمة، وهى اللحظة التى يمكن تحديدها بمصادرة الأرض لطرف على حساب طرف آخر، وهو ما حدث بعد ذلك.
الرسالة «15»
يستكمل جاكوب ما يمكن اعتباره الخريطة التى يجب أن تتحرك بها هيلارى كلينتون، فى رسالة أرسل بها إليها فى نفس اليوم 29 يناير 2011، قال لها فيها نصًا: سأرسل لك خطوطًا رئيسية وأسئلة وأجوبة عن برنامجك غدًا، وسنجرى مكالمات فى الصباح مع اللاعبين الأساسيين فى الموقف المصرى.
ويلفت جاكوب الانتباه إلى أن إحدى القضايا الشائكة هى قضية المساعدات، ورغم أن النص محجوب، إلا أن الرسالة مثبت بها الآتى: يجب ألا يكون الكلام واضحًا فيما يتعلق باستمرار مساعدتنا، بسبب احتمال قيام الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين.
المفارقة فى هذه الرسالة أنه كانت هناك تأكيدات علنية من الجيش المصرى أنه لن يقوم بإطلاق النار على المتظاهرين، ولكنه سيقف مع مطالب الشعب المشروعة، ومع ذلك استغرق الحديث عن منع المساعدات العسكرية بسبب تخمينات عن موقف الجيش.
الرسالة «16»
تثبت الرسائل التى تلقتها هيلارى كلينتون أنه كان هناك ضغط متزايد فى اتجاه تنحى مبارك، وهو ما يظهر فى الرسالة التى أرسلت بها هوما عابدين، نائبة رئيس كبير موظفى الخارجية والمقربة من الإخوان.
تقول هوما فى رسالتها إلى هيلارى: تحدث أحد مُلّاك العقارات والذى يزاول أعمالًا تجارية فى مصر، وهو يحثك على التفكير فى عقد اجتماعات مع حمد بن جاسم وزير خارجية قطر، ومحمد بن زايد ولى عهد أبوظبى وآخرين، وأن تطلبى منهم الذهاب إلى مصر لإقناع مبارك بتسليم كل شىء إلى عمر سليمان بشكل كامل، ويجب أن تأخذى الفضل فى تنسيق هذا الأمر بشكل كامل.
وتُعقب هوما عابدين على حديث مُلّاك العقارات الذى تحدث أحدهم بلسانهم لمسئول بالخارجية الأمريكية بقولها: يبدو أنه يعتقد أنهم يبحثون عن طريقة لإظهار قيادة مثل هذه لمصلحة أنفسهم.
الرسالة «17»
كان من الطبيعى جدًا أن ينشغل العالم كله بما يحدث فى مصر، وكان من الطبيعى أكثر أن تنشغل إسرائيل بما يحدث، لأن إسرائيل تعلم علم اليقين أن أمنها مرتبط تمامًا بأمن مصر، وأى خلل فى منظومة أمنها بالضرورة سيسبب خللًا فى أمن تل أبيب.
لذلك لم يكن غريبًا أن يظهر اسم بنيامن نتنياهو فى رسائل هيلارى كلينتون عن أيام الثورة.
هذه المرة الرسالة أرسلتها هيلارى نفسها صباح 29 يناير 2011 إلى سيلفان جاكوب مستشارها، وقد بدأتها برجاء، تقول: الرجاء الاتصال بى من خلال جهاز مشغل الهاتف بمجرد أن تنتهى المكالمة.
نص الرسالة كان كالآتى: يريد نتنياهو أيضًا التحدث معى بأمان عن مصر قريبًا، ولكنى أرغب فى الحصول على وضع حماية، وبدلًا من ذلك ربما يتصل به نائب الرئيس فى المقابل.
رد عليها جاكوب مباشرة بقوله: أعتقد أنه من الأفضل أن تهاتفيه، وسنوفر لكِ وضع الحماية.
الرسالة تكشف عن حالة من القلق والتوتر، فنتنياهو يلح على الاتصال ربما ليعرف مباشرة موقف الولايات المتحدة الأمريكية مما يحدث على الأرض، وهيلارى كلينتون تفكر فى جدوى الاتصال، تريد تأمينًا لمكالمتها معه، ثم تتردد عندما ترى أنه من الأفضل أن يتحدث نائب الرئيس مع رئيس الوزراء الإسرائيلى.
من البداية، ومما هو واضح من الرسائل التى تلقتها هيلارى من مستشارها، كان أمن إسرائيل مطروحًا على مائدة النقاش، لكن الصورة لم تكن مكتملة، وربما لهذا ترددت هيلارى فى الحديث مع نتنياهو، وقد يكون ذلك لأنها لم تكن تملك ما تقوله ويكون مطمئنًا لنتنياهو فى هذه الفترة المبكرة من عمر أحداث يناير.
كان موقف إسرائيل من أحداث يناير واضحًا ومحددًا فى البداية.
فخلال الأيام الأولى من الثورة، وكما هو معلن، أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات سرية إلى سفرائها فى أكثر من عشر دول مهمة، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وكندا، وعدد من الدول الأوروبية، وطلبت منها الاتصال بالسلطات العليا فى هذه الدول والطلب من قادتها وقف انتقاد الرئيس مبارك، والتأكيد على قادة هذه الدول بضرورة حماية الاستقرار فى مصر، لأن عدم استقرار مصر سيؤثر فى جميع أرجاء الشرق الأوسط.
وقتها نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أنه يسود امتعاض فى إسرائيل من موقف كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من الأحداث فى مصر، وذكر مسئول إسرائيلى رفيع المستوى أن الأمريكيين والأوروبيين ينجرّون وراء الرأى العام ولا يفكرون فى مصالحهم الحقيقية.
المسئول الإسرائيلى أكد أنه إذا كانت هناك انتقادات لمبارك فينبغى الوقوف معه، وذلك من باب منح الأصدقاء شعورًا بأنهم ليسوا وحدهم، ففى السعودية والأردن يرون رد فعل الغرب، وكيف يترك الجميع مبارك، وستكون لذلك نتائج وخيمة.
نتنياهو نفسه أطل برأسه على الأحداث، فعندما كان يعقد اجتماعًا فى القدس لأصدقاء إسرائيل من البرلمانيين الأوروبيين حذر من إمكانية أن تستولى قوى إسلامية متطرفة على الحكم فى مصر إذا ما سقط مبارك، وأن تسير مصر عندئذ خلف النموذج الإيرانى.
ربما يكون موقف نتنياهو هذا، وربما تكون مخاوفه من وصول قوى إسلامية متطرفة إلى الحكم فى مصر، هما اللذان دفعاه ليتحدث مع هيلارى كلينتون، لكن الرسائل التى بين أيدينا لم تقل لنا كيف تمت هذه المكالمة، ولا ما الذى دار فيها، لكن يبدو أنه، مهما ما قيل فيها، لم يكن لها أى تأثير يذكر فى مجريات الأحداث بعد ذلك.