الجمعة 31 مايو 2024

«المجهول هو امرأة».. الرموز التاريخية المنسية وحق النساء في المساواة

فن18-10-2020 | 16:13

ترجمة وإعداد: أحمد السعدني


فكرة عدم المساواة بين الجنسين ليست مشكلة جديدة، بل كانت مشكلة لآلاف السنين. عام 1929، طرحت الروائية البريطانية الكبيرة "فرجينيا وولف" سؤالًا، وأصدرت تصريحًا ستظل النسويات يتذكرنه إلى الأبد. حيث تساءلت وهي تتحسّس ظهر الكتاب الموجود في مكتبتها: «لِمَ لَمْ تكتب أي امرأة في عهد شكسبير كلمةً من هذا الأدب الاستثنائي، عندما كان كل رجل آخر - على ما يبدو - قادرًا على كتابة أغنية أو سونيتة». وختمت كلامها قائلة: «في الواقع، سأجرؤ وأخمن بأن هذا المجهول، ممن كتب العديد من القصائد دون توقيعها، كان في الغالب امرأة». 

مَرَّ قرنٌ تقريبًا منذ أن خَطَّتْ "وولف" تلك الكلمات الثاقبة، والتي كثيرًا ما تم تعديلها إلى: «معظم التاريخ، كان الشخص المجهول امرأة»، ورغم ذلك ما تزال هناك العديد من الأسئلة:

لِمَ ما يزال لعبارة "فريجينا وولف" صدًى في القرن الحادي والعشرين؟

لِمَ تُحرم النساء باستمرار من فرص تذهب بشكل تلقائي إلى الرجال؟

ولماذا فشل التاريخ في الاعتراف بالنساء البارزات وتقديرهنّ على نحو ملائم؟

في كتابها "الشخص المجهول هو امرأة: تأريخ عالمي لعدم المساواة على أساس الجنس"، تأخذنا "نينا أنصاري" في رحلة تاريخية عمرها 4000 عام، لكشف جذور ومظاهر التمييز المُمنهج والمُتأصِّل على أساس الجنس، وتعرية قرون من التحيُّز التاريخي، من خلال استعراض السِّيَر الخاصة بخمسين امرأة استثنائية ومبدعة، ولكن مَنْسِيَّة. وتتحدي الافتراضات النمطية الراسخة، لتقديم حُجة غير تقليدية تدفع باتجاه المساواة وشمول الجميع. 

تهدف "أنصاري" من وراء هذا الكتاب إلى مساعدة النساء للحصول على التقدير الذي يَسْتَحْقِقْنَه، مستعينةً بإحصائيات لإثبات وجهات نظرها، والاعتراف بنساء من التاريخ أنجزن أعمالًا مدهشة في زمنهن، ولم يتلقَّيْن تقديرًا كبيرًا، أو لم يتلقَّيْن أي تقدير على الإطلاق. الإحصائيات التي تعرضها "أنصاري" مدهشة، حتى مع الأخذ في الاعتبار أن الإحصائيات من عقد مضى، حيث ما تزال الكثير من الدول حول العالم تمارس التمييز على أساس الجنس، ومن ثَمَّ، يحطّون من قيمة النساء. حتى في مجال الموت، فإن النساء غير مُمَثَّلات بشكل كافٍ في صفحات النعي مقارنة بالرجال!. 

تستخدم "أنصاري" مفاهيم الين واليانج كإطار، لتوضيح كيف أن الرجال والنساء يجب أن يكونوا قادرين على العمل معًا، من أجل خلق "كُلٍّ" واحدٍ ناجحٍ، بدلًا من "نصفين" متوسطي النجاح. إنّ كسر حاجز عدم المساواة بين الجنسين سيسمح لمجتمعنا بالعمل عند قمة أدائه، وإذا حدث ذلك فسوف يتم ضَخُّ مزيد من الأموال في الاقتصاد، وزيادة الثقة بالنفس بين كل مواطني العالم.

الحقائق التي تعرضها "أنصاري" لا يمكن تجاهلها، ولكنها - لسوء الحظ - لن تلقى آذانًا صاغية بين معظم الرجال. الشكل الذي عُرضت به تلك الحقائق رائع؛ فالحقائق التي تدعم القضية معروضة في النصف الأول من الكتاب، وبعدها يجري استعراض حيوات وإسهامات العديد من النساء في التاريخ بشكل موجز. النساء اللاتي يجري التحدث عنهن في الكتاب قُمْنَ بأشياء مدهشة، ليس فقط لصالح نساء أخريات، ولكن لصالح كل البشر. تتمثل إنجازات كل امرأة من هؤلاء النساء في كونها أول امرأة معروفة في مجالها، أو الأكثر نجاحًا في زمنها. ومنهن من كانت رائدة فضاء، وكيميائية، وطبيبة، وعالمة رياضيات، ومصممة اسطربلات، وشاعرة، وطبيبة تشريح، وزعيمة مقاومة، وفيلسوفة، ومُلَحِّنَة، ومخترعة لأحواض السمك، وباحثة في الاحتباس الحراري، ورسّامة، وجرّاحة، وغير ذلك. الانكباب على هذا الكتاب سيُعمق معرفتك التاريخية، كما سيزيد تقديرك للنساء. "الشخص المجهول هو امرأة" ليس كتابًا للنساء فقط، بل يمكن أن يكون وسيلة لتثقيف الرجال والنساء على السواء، وتزويدهم بالكثير من المعلومات الثاقبة.

هذا الكتاب لا يقتصر على طلبة التاريخ، بل يستهدف بوضوح الجمهور العام، وينجح في جذب انتباه القراء، ويقدم معلومات كافية. إنّ مُحبي كتاب راشيل إجنوتوفسكي "النساء في العلم"، وماكنزي لي "نساء بارعات منسيات" سيحبون - ولا شك - تلك الإضافة إلى فئة الحكايات عن النساء المنسيات. 

دار النشر: ريفيلا بريس (Revela Press)

تاريخ النشر: 15 إبريل عام 2020


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 45 - يونيو ويوليو 2020