عمرو زغلول البلشي، مواليد الأول من نوفمبر عام 1980، بمحافظة المنوفية، انتقل والده للعيش بمحافظة الإسكندرية واستقر بها، عمل المؤلف وكيلا للنائب العام مع مطلع العام 2005، وانتقل للعمل بالقضاء بعد 25 يناير 2011، وهذه الرواية هى العمل الأول الذي يرى النور بعد محاولات عدة لم يكتب لها الظهور.
تدور أحداث الرواية ف إطار واقعي ساخر على مدار أربعة أيام متصلة، بداية من مدينة الإسكندرية، حيث يقوم أبطال الرواية الثلاثة بمحاولة توصيل جثمان صديق لهم إلى مثواه الأخير بمدينة أسيوط، مرورا بالعديد من المواقف الصعبة، فترى هل ينجح الثلاثة بالوصول بالجثة إلى مستقرها أم أن القدر يخبئ لهم ما لا يستطيعون القام به؟
بلغة سلسلة وإيقاع سريع وإن كان غير لاهث، يقدم عمرو البلشى روايته الأولى. رواية مخادعة فى مستواها الأول، حيث تضعنا حيال مغامرة بسيطة يخوضها أبطالها الثلاثة: الراوى علي وصديقاه كمال وخالد؛ على غير توقع تلقى على كاهلهم مسؤولية نقل جثمان صديقهم القديم من الإسكندرية حيث كان يقيم، إلى مسقط رأسه فى واحدة من قرى أسيوط. يركبون سيارة نقل الموتى وتبدأ رحلتهم داخل ذواتهم انطلاقا من اللحظة التى يعيشونها، وبآلية الفلاش باك نعرف تفاصيل حياة كل منهم التى تساهم فى إضاءة سلوكه وردود أفعاله حيال الموت الجاثم؛ الراوى من خلال استعادته طبيعة علاقاته بزوجته التى تبدو سلسلة يغلب عليها التفهم، وكمال الذى غيرت مسار حياته تجربة جنسية مخفقة ومغامرات متتالية للهروب منها، ونفس الشىء بالنسبة لخالد الذى تزوج فى شبابه امرأة تكبره فى السن طلبا للاستقرار المادى والارتواء الجنسى، لكنه كان موضعا لمغامرة الطرف الثانى وليس فاعلا فى مغامرته، حيث اقتنصته المرأة حرفيا من الكورنيش لأداء مهمة بعينها ثم لفظته بعدها كما تلفظ النواة.
واستحضار الجنس لم يأت تزجية للوقت الثقيل لرحلة أشد وطأة، بل تم استدعائه كنقيض للموت ومقابل له فى الوقت نفسه. وبين هذين القطبين تكتسب الرحلة أبعادا أعمق كما تتحول لمنازلة شرسة بين النقيضين الأزليين.
موت راسخ يتمدد فى جوف العربة ويحاول إخضاع ثلاثة شبان لا زالت الدماء تضخ فى عروقهم بحضوره القوى، والشبان الثلاثة وهم يحاولون التعامل معه كتجربة عارضة يكفى للاحتيال عليها بعض السخرية والكثير من التجاهل بالانشغال بالتافه من الأمور، لكن هناك دائما من يذكرهم بحضور الموت وذلك بمساومتهم عليه، مثل سائق العربة الذى يهددهم بالنكول عن استكمال الرحلة إثر مشاجرة بينه وبين خالد ثم ما يلبث أن يعدل عن ذلك مقابل مبلغ إضافى من المال يقدمه كمال، وصاحب الورشة الذى طلب مبلغا كبيرا لتغيير إطار السيارة بعد أن علم بمحتواها فى ابتزاز واضح منه للأصدقاء الثلاثة الذين يرغبون فى إنهاء رحلتهم بأسرع وقت كما يخشون فى الوقت نفسه على الجثة من التعفن.
وتفاوتت ردود فعل الأصدقاء الثلاثة فى التعامل مع اللحظة حسب قدرات كل منهم، حيث نرى الراوى متوازنا فى ردة فعله، يتراوح فى ذلك بين الاستخفاف بها بتبادل الابتسامات وأحيانا الضحك الذى يقترب من اللهو مع صديقيه والامتثال لجلالها كلما وقع نظره على جثة صديقه الميت، وأحيانا يكون أقرب إلى الوقوع بكامله تحت أسر اللحظة حتى تعتريه الكوابيس فى أقصى لحظات ضعفه وهى الموت، وذلك عندما ناموا فى مسجد قرية على الطريق ورأى نفسه بصحبة أطفال أربعة تجمعهم مغامرة ليلية انتهت بمشاركته الأطفال إشعال النار فى بيوت القرية كأنهم رسل الموت إليها، حتى يصحو من كابوسه على صوت طيفى يوقظه؛ فقد بلغت الساعة الخامسة فجرا.
وكمال يبدو منفصلا عن اللحظة إلى حد بعيد وصل به انفصاله إلى حد التحرش بصاحبة مقهى محطة الوقود وتقبيلها على مرأى منهم مقابل بعض المال.
أما خالد فتهزمه التجربة إلى الدرجة التى يتماهى فيها مع الموت. يتبادل الحوار مع جثة صديقه، بل ويؤكد أنها تشكو له وتطلب منه أن يقلبها كل فترة ذات اليمين وذات الشمال.
ورغم كل هذا التفاوت فى ردة فعل الأصدقاء الثلاثة، تظل الحقيقة المؤكدة، التى لا يكف السعى من الأصدقاء على الاحتيال عليها، وهى استحالة الاحتيال على الموت، حيث سيظل مصاحبا لنا فى رحلتنا طالت أو قصرت، بل أكثر من ذلك فإنه يخامر حياتنا ويجرى منه مجرى الدم، وطوبى لمن أدرك ذلك، ولم يحل إدراكه هذا دون الاستجابة لنداء ليس أقل قوة يقترح عليه دائما من الحلول ما يجعل هذا الموت أبعد ويجعل الطريق إليه أكثر جمالا وتحققا.