الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

الرئيس عبد الفتاح السيسي وتحديات المستقبل

  • 20-10-2020 | 20:14

طباعة

الشعوب الناضجة تستعيد تاريخها وتجارب حياتها لكي تعينها على اقتحام المستقبل.

ولقد كتبنا منذ عامين عن دروس التاريخ في نهضة مصر على يد "محمد على باشا"، وعلى يد الزعيم خالد الذكر "جمال عبد الناصر" لنستدل بتجربتهما على ما يمكن أن يكون من هدف لوطننا مصر في المستقبل المقبل.

ولعل الدرس الأول الذي استوعبه جيدا الرئيس عبدالفتاح السيسي من دروس الماضي القريب.. هو ضرورة إعادة بناء وتسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة من غواصات ومدمرات وحاملات للطائرات وصواريخ طائرات حديثة من كل الأنواع.

وما يلفت النظر هنا.. أن هذا التنوع في "كمية السلاح" ترافق مع "تنوع مصادر السلاح" ذاته.. ما بين روسيا وألمانيا وفرنسا والصين.. بحانب ما تقدمه أمريكا من أسلحة "مشروطة" سياسيا وماديا.. حسب اتفاقيات كامب ديفيد.

وهنا لنا كلمة:

لا نخشى من القول إن إرادة مصر في التسليح خلال.. حقبة مبارك الكارثية.. كانت تمثل ارتهاناً كاملاً للإرادة الأمريكية.. تشبه تلك التي فرضها التحالف الدولي على مصر "محمد على" في معاهدة 1840.. وما فرضته بريطانيا على مصر بعد احتلالها عام ١٨٨٢.. وحتى قيام ثورة يوليو.. من تحديد لعدد جنود الجيش.. وتحديد نوعية معينة متخلفة من السلاح.. وفرض المفتشين الإنجليز على رأس الجيش المصري وإهانة قياداته.

وهذا يقتضي.. ضمن ما يقتضي.. وجود شركاء دوليين وإقليميين جدد خارج نطاق الرؤية التي ساعدت عبر ثلاث عقود من تبعية مصر للقطب الأمريكي.

إن الخروج من التبعية الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية هو أحد الأهداف والوسائل لإقامة علاقات متوازنة مع الجميع.

وهو ما بدأ عمليا في السنوات الأخيرة ويتطور ويتعزز باستمرار. 

وهنا نسارع للتذكير بمبدأ مهم في الاستراتيجيات العسكرية والسياسة: أن تحديد طبيعة العدو.. أو الأعداء المحتملين.. هو الذي يحدد نوعية واستراتيجية التسليح.

وفي الفترة الأخيرة ظهر بوضوح أن مجال الأمن المصري اتسع بقدر كبير.. رغم إنكار الكثيرين.. ليمتد من باب المندب والبحر الأحمر وينفتح على حدودنا الاقتصادية في البحر المتوسط لتأمين حقول الغاز.. وتمتد للشواطئ الليبية لمنع دخول وتسرب الإرهابيين. فضلا عن المعركة المحتدمة في سيناء مع الإرهاب.

وهكذا نرى أن حجم التحديات العسكرية والأمنية قد اتسع بدرجة غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر.. فهناك تهديدات واقعية على مدخل البحر الأحمر متمثل في القرصنة البحرية والقوى الإقليمية الطامحة لانتزاع أدوار لها في البحر الأحمر من خلال الصراع الناشب في اليمن.

وفي الشمال.. في البحر المتوسط.. لم يعد هناك شك في مخاطر مقبلة من دولة تركيا.. لقد تجاوزنا مرحلة "الشك" إلى مرحلة الوقائع على الأرض وفرض سياسة الأمر الواقع سواء بتهريب المرتزقة المتأسلمين داخل ليبيا.. أو بفرض جنود وخبراء أتراك في المعارك الدائرة في الغرب الليبي. وفي ضوء العلاقات المميزة بين تركيا وإسرائيل والتعاون العسكري بين البلدين.. لا يمكن تجاهل دور إسرائيل فيما يفعله أردوغان وتركيا على حدودنا الشمالية والغربية.. حتى لو لم يجري الإشارة له بوضوح.. وبدون دلائل أو وقائع ثابتة على الأرض..

هنا قد يكون "الشك" مفيدا.. للتعامل مع أي احتمالات غير ظاهرة للعيان الآن.

احتمالات المستقبل

 من هنا يأتي إدراكي أن مصر تواجه ظروفا وتحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة في تاريخها المعاصر.. حيث تواجه أخطارا وأعداء من كل الاتجاهات.

وأزعم أيضا أن مستقبل مصر وزعامتها سيتحدد على ضوء إجاباتها وردود أفعالها تجاه التحديات التالية:

أولا: هل ينجح الإرهاب المسلح.. المدعوم من قوى خارجية !!.. في السيطرة على سيناء.. أم سيتم طرده نهائيا وإعادة سيناء لسيطرة الدولة الوطنية.. وقدرة الجيش المصري على بسط سلطاته على كل شبر من أراضي سيناء وتطهيرها بالكامل من كل أنواع الارهاب.. وتأمين حدودنا الشرقية برا وبحرا؟

وينبغي الاعتراف أن هناك اختفاء كاملا للإرهاب داخل الوادي.. أي داخل الكتلة السكانية في الريف والمدن.. وانحساره في عمليات محدودة الخسائر المدنية والعسكرية في بعض مناطق سيناء.

 ثانيا: إن مصر قد عانت من الانكماش السياسي القسري خلال ما يقرب من نصف قرن..

وهنا يأتي السؤال: هل ستنجح مصر والرئيس السيسي في صياغة رؤية واضحة لدور مصر ودورها في وضع نظام إقليمي عربي جديد.. مخالف لما استقر بعد حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ وبعد اتفاقية كامب ديفيد تحديدا؟

هل يمكن لمصر أن تقود تصوراً جديداً وعملياً لمنظومة الدفاع العربي المشترك في مواجهة الخطر الخارجي عسكريا .. بعد أن أصبح تسرب المرتزقة والميليشيات المتأسلمة أخطر أشكال هدم الدول والمؤسسات العسكرية وإشغالها بمعارك في الداخل وتدمير مدنه وقراه..وتهجير سكانه.. واستنزافه اقتصاديا؟

باختصار: إن قدرة مصر على خلق مركز سياسي واقتصادي قوي في محيطها العربي لمواجهة الأخطار المتزايدة على مصر والأمة العربية من دول الجوار العربي: إسرائيل.. تركيا..إيران.

وهي الأقطاب المستفيدة من انهيار المنظومة العربية لخلق مناطق نفوذ لها على حساب الدول العربية.. ثالثا: أما العامل الثاني في رؤية مصر المستقبلية فيكمن في رأيي في قدرة مصر على انتهاج سياسة مستقلة عن سياسة التكتلات والمحاور الدولية والإقليمية لا تراعي سوى مصلحة مصر أولا.. والمنظومة الإقليمية العربية ثانيا.

ولقد أصبحت مصر مدركة أن مآلات الحرب.. ومصائر البشر في المشرق والمغرب العربيين أصبحت أكثر ارتباطا بمصيرها في محيطها العربي والمتوسطي والإفريقي.

من هنا تبدو أهمية حسم الصراع الدائر على الأرض الليبية..

وننبه هنا لوقائع جديدة لا يجب إهمالها.. وهي:

1- ربما للمرة الأولى يرتبط مستقبل البلدين والشعبين.. في مصر وليبيا.. ببعضهما البعض أمنياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.. خارج نطاق نظرة الصراع والشك التي سادت منذ حقبة السادات – مبارك – القذافي.

فلأول مرة يصبح على جدول أعمال المواطن المصري وقائع ما يدور في ليبيا باعتبارها امتداداً لأمنه القومي وتحقيقا لاستقراره.. أو عدم استقراره.. الاقتصادي.

2- إنه قد ظهر بوضوح.. بعد اتفاق السراج- أردوغان.. والتي تضمنت نيّة ترسيم الحدود بين البلدين.. أن اتجاه الصراع في المتوسط سيكون في المستقبل حول قضية الغاز والأطماع المختلفة حوله.

وهنا سيظهر بقوة أن تأمين مصالح الشعب الليبي في مقدراته من الغاز والبترول لا يمكن تأمينها بدون قوة عسكرية تحميها من الأطماع والقرصنة السياسية.

3- ويبدو لي.. الآن.. أنه لا يمكن تحقيق ذلك بدون اتفاقية دفاع مشترك ثنائية بين مصر وليبيا.

رابعاً: قدرة مصر على خلق مركز سياسي واقتصادي قوي في محيطها الإقليمي وبشكل خاص في ليبيا والسودان.

لماذا؟

لأن مستقبل مصر.. باختصار: سيتحدد بشكل العلاقة التي تجمعها بدول الجوار في ليبيا والسودان.. كإقليم اقتصادي وسياسي واحد.

وهو ما يعني.. ضمن ما يعني.. ضرورة التفكير في منظومة اقتصادية سياسية وأمنية تجمع البلدان الثلاثة.. على غرار مجلس التعاون الخليجي.

وأظن أن الظروف السياسية والأمنية والتاريخية التي مرت بها البلدان الثلاثة قد تجاوزت كثير من عُقد ومشاكل الماضي.. وأن التوقيت الحالي هو أفضل توقيت تاريخي لخلق مشروع للتكامل الاقتصادي بين البلدان الثلاثة.. ولا نضيف!

نجاحه نجاحنا.. وإخفاقه إخفاق لنا جميعا !!

لا شك عندي أن القيادة السياسية المصرية.. والرئيس عبد الفتاح السيسي.. يدركان بشكل حاسم وواضح حجم الأخطار التي تواجه مصر داخليا وخارجيا.

ولا شك عندي أن الرئيس"عبد الفتاح السيسي" يدرك بشكل واضح حاجة مصر للاستقرار السياسي الداخلي في السنوات المقبلة.. كأهم عنصر في تحقيق نمو اقتصادي سريع ليجعل من مصر أحد "النمور الاقتصادية" في منطقتها.

ولعل أهم عقبة تواجه الإدارة المصرية الحالية هو مدى تماسك وصلابة الجبهة الداخلية واقتناعها للرؤية التي يطرحها الرئيس السيسي وحماسها لتنفيذ وتحقيق هذه الرؤية.

لقد نجحت مصر في تحقيق إجماع شعبي كبير في مواجهة حكم الإخوان المسلمين.. وكان ذلك سهلا.. فالخطر واضح ووحيد ولا خلاف كبير عليه.

بينما مهمة إعادة بناء المجتمع والدولة هما من الأمور التي تحتمل الاختلاف في وجهات النظر مما يؤدي للفرقة والصراع.

ورغم جهود الرئيس السيسي في تحديث الدولة المصرية والإصلاح الاقتصادي وتحقيق نجاحات ملموسة.. إلا أننا وبصراحة شديدة.. نستطيع أن نلمح بوادر خلاف حول بعض السياسات التي تمنع من تحقيق إجماع شعبي وسياسي.. ونوجزها في الأتي:

أنه لم تحدث قطيعة كاملة.. حتى هذه اللحظة مع بعض سياسات ورموز "حقبة مبارك" سواء في بعض السياسات الاقتصادية أو المناصب العليا في الحكومة وجهاز الدولة أو في الجهاز الإعلامي الرسمي التابع للدولة.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن غالبية الشعب المصري كان ضد سياسات مبارك ورموزه وخرج فعليا في يناير ضد هذا النظام بكل ما فيه من فيه.. فإننا قد نتفهم لماذا يشكل عودة هؤلاء وظهورهم على واجهة المسرح السياسي سببا في تشكك قطاعات ليست قليلة من المواطنين في جدية الإصلاحات التي يقوم بها الرئيس عبدالفتاح.. ويبدد قدرا لا يستهان به من الإجماع الشعبي حول مشروعه التحديثي.

وليس لديّ أدنى شك في وجود مئات وآلاف من المصريين الوطنيين الأكفاء الذين يمكن أن يشكلوا نهضة إدارية واقتصادية وعلمية في مصر مهما كانت الظروف والتضحيات.

والذي يمكن أن نقوله في هذا الصدد وننهي به الفقرة: أنه لا يمكن تحقيق أفكار جديدة في رؤوس قديمة!

دولة المساواة والإنتاج

لاشك ان أعباء الإصلاح الاقتصادي التضخمية قد أصابت فئات لا يستهان بها من الشعب والطبقة الوسطى بأضرار معيشية لا يستهان بها ولا يجوز إنكارها.. فالإنكار لا يعالج مشكلة تبديد الإجماع الشعبي حول مشروع الرئيس.. وهو أمر ينبغي الانتباه له ومعالجته بحسم، وهو ما يعني تحمل كل الطبقات الاجتماعية نتائج الإصلاح الاقتصادي .. خصوصا الطبقات القادرة. وهو ما اعترفت به "كريستين لا جارد" المديرة السابقة للبنك الدولي.

ولعلي هنا أنبه أن هناك رؤية في أروقة الحكومة ترى في فرض ضرائب تصاعدية على الطبقات الغنيّة قد يهدد بيئة الاستثمار المستهدفة في مصر.

قد يبدو لهذا الرأي وجاهته.. لكنه ليس صحيحا في المطلق ولا في الواقع العملي.. فلقد عبر قادة البنك الدولي وصندوق الدولي في الشهور الأخيرة عن قلقهم من أن السياسات المعتمدة في كثير من الدول تنحاز للأثرياء على حساب الفقراء.

ولنأخذ على سبيل المثال ما قالته "كريستالينا جورجيفا" مديرة صندوق النقد الدولي.. والتي تولت منصبها في أكتوبر 2019، والتي قالت بالنص: "إن عدم المساواة أصبح أحد أكثر التحديات تعقيدا وإزعاجا في الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي"

وأضافت "جورجيفا": إن الحكومات بحاجة إلى إعادة تفكير في سياساتها والنظر في فرض ضرائب تصاعدية.. وأن الضرائب التصاعدية مكون رئيسي في السياسة المالية الفعالة.. وتظهر أبحاثنا أنه في أعلى هرم توزيع الدخل يمكن رفع معدلات الضرائب دون التضحية بالنمو الاقتصادي (جريدة المال 9 يناير 2020).

ويبدو لي أن الرؤية التي حذرت منها مديرة صندوق النقد الدولي تمثل تحولا في نظرة هذه المؤسسات التي تبنت لسنوات طويلة لرؤى ليبرالية ونيو ليبرالية خطرة على استقرار كل المجتمعات.. وأظن أن هذه النظرة "النيو ليبرالية" المشؤومة لاتزال تسيطر على أقطاب المجموعة الاقتصادية والمالية في الحكومات المصرية المتعاقبة منذ 30 يونيو ومفادها: التضحية بالإجماع الشعبي مقابل كسب الاستثمار!

والرؤية التي سادت في أروقة "المجموعة الاقتصادية" الحكومية خطرة ومغامرة.. فلقد تم التضحية.. فعليا.. بجزء كبير من رضا الكتلة الشعبية ولم نحصل.. في الوقت ذاته.. على الاستثمارات المباشرة التي توقعتها وراهنت عليها.. مما جعل الرئيس السيسي نفسه يعترف بخيبة أمله في قدوم الاستثمار المتوقع.. رغم كل الإغراءات.. ورغم كل التضحيات المؤلمة التي يتحملها الشعب عن رضا وإقتناع وأمل في المستقبل.

وشيوع الإحساس بعدم المساواة في الأعباء الاجتماعية.. سيؤدي إلى شيوع حالة من الفتور واللا مبالاة الأكيدة.. وما تحمله من نتائج اجتماعية على حجم الإنتاج القومي وإيمان المواطنين بدورهم في مستقبل بلدهم والمشاركة في صنعه بحماسة وإيمان.

سيادة القانون وهيبة الدولة

لا شك أن "دولة مبارك" وضعت مفهوم القانون وسيادته في وضع كارثي بكل المقاييس. فمن ناحية: سادت أنماط كثيرة من الاستهانة بالقانون والضرب به عرض الحائط.. وأخذت أشكال معينة من البلطجة والعنف وتحدي القانون ورجال الشرطة والممثلين للسلطة العليا في الدولة.

وبلا مبرر فعلي، سادت نظرة لدى أجهزة الأمن خلال "حقبة مبارك" أن الأولوية هي للأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي.. مما أدى إلى سيادة شعور لدى المواطنين بالتخلي عنهم في الشارع والرصيف والمنزل ومكان العمل.. حتى المستشفيات لم تسلم من الاعتداء والعنف والتخريب.. وهكذا.

وتصاعد الأمر بشكل كارثي مع أحداث "ثورة يناير" حيث سادت الفوضى والعنف والاعتداء على المال العام والبناء العشوائي في الحضر والريف.. إلخ.. إلخ.

ولم يشعر المواطنون حتى هذه اللحظة بتطور محسوس فيما يخص الأمن "الجنائي" وسيطرة أجهزة الأمن على الشارع.. رغم تطور أجهزة الضبط من كاميرات في كل الشوارع والطرق السريعة.

إن غالبية الشعب.. وطبقات معينة منه .. ترى أن في تطبيق القانون بحزم واستعادة السيطرة على الشارع هو أحد مظاهر الرضا عن نظام الحكم والإيمان بفاعليته والاقتناع بمشروعه.

ومنطقها بسيط: لا نستطيع أن نبني جسورا وطرقاً حديثة ومدناً جديدة دون أن يتحقق الأمن والسلامة وهيبة الدولة فيها.

وأظن أن مهمة إرساء القانون وسيادته على جميع المواطنين دون تمييز.. هو أحد المهام والتحديات الصعبة التي تواجه الرئيس عبدالفتاح السيسي.

الخاتمة

ومن قراءتي للمشهد العام في مصر.. ورغم بعض الظواهر الشاردة.. فإنني متفائل بمسار مصر الحالي..

مازلت متفائلا بقدرة مصر على المبادرة بتطوير النظام الإقليمي العربي وإخراجه من حالة السيولة والصراعات التي ميزته على مدار عقود طويلة.. وتطوير مؤسسة الجامعة العربية التي لابد لها من قائد للأوركسترا.. حتى لا تتحول لنادٍ للثرثرة والبيانات الجوفاء وتعود مصر لدورها العربي.. إن شاء الله.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة