الجمعة 5 يوليو 2024

بعد 7 سنوات.. ماذا جرى فى تلك الأيام المجيدة؟!

فن20-10-2020 | 21:07

ما أكثر ما تغيرت مصر. أصبحت بلداً آخر. يعاد بناؤها فى كل مكان شبراً شبراً. من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. لأن الثورات كانت بطولتها الأولى التخلص من الأنظمة الفاسدة التى صارت ضدها. يبقى بناء الواقع الجديد هو التحدى الأكبر، وهو ما نجحت فيه هذه الثورة العظيمة عبر هذه السنوات السبع بصورة منقطعة النظير.


كان التحرير مكان مظاهرات 25 يناير 2011، لكن فى 30/6  لم يحتكر التحرير التظاهر. ما من ميدان فى أى مدينة من مدن مصر إلا وكان فيه مظاهرات. وكل ميادين القاهرة الأخرى كان فيها مظاهرات. لدرجة أن شوارع بعض الأحياء الواسعة شهدت مظاهرات.


عن نفسى ذهبت لمظاهرات شارع الخليفة المأمون أمام وزارة الدفاع. ثم ترددت على الاتحادية أكثر من مرة. كان آخرها فى الوقت الذى ألقى فيه الفريق أول عبدالفتاح السيسى بيانه يوم الأربعاء 3/7.


شارع الخليفة المأمون يوجد فيه ضريح جمال عبدالناصر. وأنا مندهش أن يدفن عبدالناصر فى هذا الشارع ولا يطلق عليه اسمه. سألت من يتتبعون أسماء الشوارع. فقالوا لى إن اسم الخليفة المأمون أطلق على الشارع فى زمن جمال عبدالناصر. لأن عبدالناصر كانت لديه قناعات محددة بعدم إطلاق اسمه على أى شوارع أو ميادين أو أمكنة فى بر مصر.


احترت كيف أدخل شارع الخليفة المأمون؟ من ميدان العباسية صعب. ومن ناحية كوبرى القبة حيث ضريح عبدالناصر مستحيل. لأن الموانع والسواتر تقلل من مرور المارة وتترك جزءاً بسيطاً للسيارات. ولذلك دخلت من الشارع الجانبى الذى يوجد في آخره مستشفى عين شمس التخصصى وقبلها مباشرة دار ضيافة جامعة عين شمس. وقبلها وبالقرب من طريق صلاح سالم توجد قيادة المنطقة العسكرية المركزية التى ترددت عليها بعد 25 يناير لزيارة بلدياتى اللواء حسن الروينى قائد المنطقة فى ذلك الوقت. والذى أصبح صديقاً بعد اللقاء الأول. فالرجل يدخل قلبك منذ الكلمة الأولى والمصافحة الأولى.


وجدت أن من ينظمون الناس لديهم درجة عالية من التحضر. لم يغلقوا الشارع تماماً. سمحوا للسيارات بالمرور خلال جزء من الشارع. وكان المتظاهرون لديهم مطالب عبرت عنها شعارات معروفة ومحددة أنهم يطلبون من القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى النزول للشارع وأخذ زمام المبادرة التى تغتصبها جماعة الإخوان الإرهابية.


اللافتات التى كانت بأيدى المتظاهرين الذين تحولوا إلى معتصمين كانت نفس الشعار الذى يتردد بين الناس: انزل يا سيسى، انت رئيسى. وقفت فى وسطهم، بشر مصريون جاءوا من كل مكان فى بر مصر. أغلبهم من القاهرة. ليست لديهم دوافع كثيرة ولا متداخلة ولا حتى نقاشات من أجل الاتفاق على هذا الشعار أو ذاك. فالهدف واحد. من المؤكد سمعنا هتافات ضد الجماعة الإرهابية ومندوبهم فى قصر الاتحادية. لكن طلب النزول من السيسى كان هو اللحن الأساسى الذى دارت حوله كثير من الهتافات.


ولأنه شارع فقد وصل آخرهم من ناحية وسط القاهرة إلى أوائل ميدان العباسية. فى حين أن أولهم من نواحى مصر الجديدة أصبح على مشارف كوبرى القبة. من السهل أن تذهب على قدميك من مظاهرة أو مسيرة من وزارة الدفاع إلى قصر الاتحادية.


القصر مهيب. فيه الكثير من العمارة الحديثة. وأيضاً من أشكال البناء التى عرفتها القاهرة فى عصورها المختلفة.


 أمامه مباشرة نادى هليوبوليس ومن الناحية الأخرى بدايات مصر الجديدة التى بناها وأسسها البارون إمبان بالبواكى الشهيرة ونمط البناء الجميل. وبالقرب من القصر مقهى كنا نجلس عليه فى الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة. وجروبى مصر الجديدة. وأحد الفنادق التى تحمل اسم مصر الجديدة. وشكله الخارجى من عمارة القاهرة العريقة والقديمة.


أفضل طريقة للوصول إلى مظاهرات واعتصام الاتحادية أن تأتى من خلال طريق صلاح سالم. وفوق الكوبرى الذى يمر من تحته نفق صلاح سالم. يمكن أن تبدأ رحلتك التى تقودك إلى آخر الشارع عند نهاية روكسى وبدايات حى منشية البكرى.


لكل مكان طابعه فى التظاهر. ففى الاتحادية وجدت من يبيعون مجلات ومنشورات الاشتراكيين الثوريين. ووجدت فرقة "الفن ميدان" تقدم عرضاً ما بين الغناء والتمثيل، يتفرج عليه المارة لبعض الوقت ثم يتركونه ويمضون. أيضاً كانت هناك سيارات نصف نقل تأتى وفوقها جهاز تسجيل ضخم. تسميها العامة: دى جى. وبعد وقوفه يتم تشغيل أغانى وطنية من أغنيات ستينيات الزمن الجميل. فتتجمع الناس لكى تستمع لهذا الغناء وتردده. وتعلو معه لعنان السماء.


لم يكن التظاهر على الأرض فقط. فقد مرت تشكيلات من طائرات القوات المسلحة، 6 طائرات اختلفنا ونحن وقوف على نوعها كعادة المصريين. بعض الناس قال أنها هليوكوبتر، والبعض الآخر قال أنها أباتشى. وبدوا يتصرفون ويتحدثون كما لو كانوا خبراء طيران من الطراز الأول.


فى أسفل كل طائرة علمان. علم مصر وعلم السلاح الذى تنتمى إليه. لكن فى كل الطائرات كان ثمة ضوء أخضر فى أسفله رأيناه جيداً عندما استتب الليل ونزلت على الدنيا سكينته وظلامه. ويبدو أن الضوء الأخضر كان فيه إشارة الترحيب بالمتظاهرين ومشاركتهم والقول لهم من خلال الإشارة الخضراء إننا جئنا هنا لحمايتكم والدفاع عنكم.


من الهتافات التى توقفت أمامها: لو كنت عاوز السكر وعاوز الزيت، روح لسنية لحد البيت. فالجماهير الغفيرة من حقها أن تفعل أى شيء وأن تهتف بأية هتافات وما تفعله صواب. لأن هدفها الأول والأخير هو سلامة الوطن.

هذه إطلالة من أوراق 30 يونيو 2013، وما تلاه. التى كنت أدونها يوماً بيوم. وهى عادة أحاول الحفاظ عليها بقدر الإمكان. ما إن أعود إلى بيتى حتى أجلس لأدون والأمور فى ذهنى والأصوات فى أذنىَّ والمشاهد أمام عينىَّ.


كان المصريون يهدمون ما كان قائماً. وربما لم يكن هناك ما تم تشييده لأن سنة فى عمر مصر لا تعنى أى شيء. لكن الأهم والأخطر أنهم كانوا يستعدون لبدء زمن جديد وعصر جديد، وربما من المرات النادرة التى اختار فيها ملايين المصريين القائد والزعيم عندما كانت تخطو خطواتها الأولى فى ثورتها.


صحيح أنها نزلت بعد بيانه الشهير. لكنها كانت تعرف ما تريد. والرجل الذى طالبته بالنزول كان ابن الوطنية المصرية الصميم الذى استجاب لما طُلِب منه. ووضع روحه على يده معانقاً كل الاحتمالات التى يمكن أن تحدث.


كنت مطمئناً لأننى لم أنس أبداً بيت الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى:


- إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلى

ولا بد للقيد أن ينكسر

الصور المقترحة:


صور من مظاهرات 30/6 – والصورة التاريخية الشهيرة للفريق أول السيسى مع رموز المجتمع المدنى فى أول إطلاله له على المصريين.

    الاكثر قراءة