السبت 29 يونيو 2024

الإسكندرية مدينة السفاحين

فن22-10-2020 | 10:48

ريا وسكينة 1921

ظهرت ريا وسكينة في حي اللبان عام1921، وحكايتهما معروفة، ومشهورة أكثر من حكاية أي سفاح آخر ظهر في مصر، لدرجة أن الكاتب المعروف مصطفى لطفي المنفلوطي استشهد بهما في  الرد على عدلي يكن عندما أعلن بأنه يعمل لصالح مصر- في الأزمة المقامة وقتها من ينيب عن الشعب المصري في التفاوض مع الإنجليز في مسألة الجلاء، سعد زغلول أم عدلي يكن؟ فقال: إن ريا وسكينة ادعيا -أيضا- بأنهما يعملان لصالح مصر، "على أساس أنهما كانا يختاران للقتل؛ السيدات السيئات لينظفوا البلد منهن ".

ومنزل ريا وسكينة -5 شارع محمد يوسف فخر الذي كان اسمه في الماضي ماكوريس- ظل مهجورا حتى منتصف الخمسينيات ولم يجرؤ أحد على السكن فيه بعــد أن انتشرت الشائعات بأنه مسكون بالأشباح؛ حتى سكنه أحد الفتوات الذي أطلق الناس عليه اسم   "محمود ابن ريا"  لشهرته الواسعة في الإجرام وعدم قدرة الناس على مواجهته، فكان يدخل البيت ليلا ويبيت فيه ويخرج بقطع الرخام التي كانت تشكل أرضية المنزل ليبيعه، فانهار المنزل عليه وقام أهل الحي بإخراجه ونقله إلي المستشفى الأميري التي توفي فيها بعد الحادث بأيام قليلة.

وظل المنزل كومة من التراب، كان الناس يطلقون عليها اسم "الخرابة" حتي الستينيات، لكن أزمة المساكن دفعت الناس إلى رفع الجدار القصير، ورفعوا التراب والطوب وبيعت أرض البيت بمبلغ 60 جنيها وبني مكانه منزل من خمسة أدوار، وسكنه الناس غير خائفين. الغريب أن هذا البيت أصبح الآن مزارا سياحيا.

حسن القناوي 1947

كانت قضية حسن قناوي مشهورة في عام 1947، جعلت الناس في الإسكندرية ينامون بعد المغرب، والشرطة تبحث والصحف تكتب عن هؤلاء الرجال الذين يختفون في ظروف غامضة، إلى أن تم إنقاذ آخر ضحية لحسن قناوى من الموت، واتضحت الحقيقة، وتم القبض عليه  بعد اكتشاف أربع جثث لأشخاص آخرين مدفونين في حدائق الشلالات. لكن القاضي أحمد بك الخازندار لم يقتنع بالأدلة التي تدين قناوى في قتل الأربعة، وحاكمه في قضية الشروع في قتل من تم إنقاذه، فدخل قناوى السجن لمدة سبع سنوات قضاها في سجن الأجانب ثم سجن الحدراء، وخرج من السجن وعاش طويلا، لكن القاضي أحمد بك الخازندار قُتل من قبل أحمد عبد الحافظ ومحمود زينهم عضوي جماعة الإخوان المسلمين، فكيف يحكم على سفاح معروف بفظائعه بالسجن، بينما حكم على أعضاء من جماعة الإخوان بأحكام أكثر قسوة ؟! .وادعى حسن قناوى أن كل جرائمه كان وراءها الأمير سليمان داود أحد أفراد أسرة الملك فاروق، فقد كان يستخدمه في التخلص من معارضيه، ومن الذين يسببون له قلقا أو مشاكل. ويتردد في الإسكندرية إلى الآن أن هذه الجرائم تمت بسبب الشذوذ الجنسي، فقد كان حسن قناوي يعتدي على ضحاياه جنسيا ثم يقتلهم ويدفنهم في حديقة الشلالات.

سعد إسكندر سفاح كرموز  1948

شاب وسيم شخصيته جذابة، كان على علاقة غير شرعية بامرأة تسكن حي  "الباب الجديد" فيزورها في بيتها - هكذا شهد الجيران بعد القبض عليه، وانكشفت القضية - هو أصلا من محافظة أسيوط نزح إلى الإسكندرية  كمعظم الريفيين الذين يأتون إلى القاهرة أو الإسكندرية بحثا عن لقمة العيش، وساعده أقاربه في استئجار شونة لتخزين الغلال ومنتجات القطن على ترعة المحمودية، ومارس التجارة فيها لسنوات عديدة، لكن لحاجته الشديدة إلى المال، ربما لكي يرضى عشيقته التي تسكن الباب الجديد؛ استخدم الشونة في اصطياد ضحاياه من السيدات والتجار الأثرياء، ويقوم بذبحهم وسرقة ما معهم من أموال ومجوهرات، ويدفن ضحاياه في شونة الغلال..

استطاع آخر ضحاياه الإفلات منه وهو مصاب بجرح نافذ وجرى إلى الصالة غير المغطاه خارج الشونة ، فأسرع سعد إسكندر خلفه وأجهز عليه. لكن تبَّاعا رأى ما حدث وهو راقد فوق الأجولة العالية في سيارة نقل مرت أمام الشونة في ذلك الوقت، فأبلغ عما رأي وانكشف أمر سعد إسكندر. واستطاع الهرب والاختباء في إسطبل للخيل إلى أن تم القبض عليه.

 وبلغ عدد ضحاياه حوالي سبعة أفراد من الجنسين.

بدا سعد إسكندر رقيقا ومهذبا بعد القبض عليه، قدم للمحاكمة أربع مرات وترافع عنه محامى الإسكندرية المشهور ألبرت برسوم سلامة واستطاع أن يعطل تنفيذ الإعدام لوقت طويل مدعيا أن المتهم مختل عقليا وهذا ما دفعه إلى الجريمة. 

وأصدرت المحكمة أول حكم لها بالأشغال المؤبدة مرتين ثم صدر حكمان بالإعدام، وتم إعدامه في الساعة الثامنة من صباح يوم 25 فبراير عام 1953 وكان آخر ما طلبه وهو في غرفة الإعدام، كوب ماء وسيجارة ثم ابتسم ابتسامة غير مفهومة وهو يواجه المشنقة. وأنه عندما نفذ فيه حكم الإعدام كان رابط الجأش، وقد التقى بالمشنقة وكأنه في حفل عرس.

 سفاحا المشتل 1955

محمد عبد العزيز وأحمد على حسن بستانيان يعملان في حدائق محطة قطارات الإسكندرية، في منطقة يطلقون عليها "المشتل"، تقع في منطقة المناورة، حيث تتوقف القطارات للحظات لحين يسمحون لها بالمرور إلى الرصيف الذي سيقل راكبي القطارات.

المنطقة بعيدة عن العمران، ولا يمكن أن يرى أحد ما يحدث فيها إلا من خلال القطارات التي تتوقف قليلا هناك، أو ربما من فوق البيوت العالية في الشارع الموازى لقضيب السكة الحديد؛ والمؤدى إلى ملعب البلدية.

من النادر أن يمر في منطقة المشتل إنسان، وإذا مر فهو يريد أن يستقل قطارا من المخزن ليضمن أن يجد مقعدا خاليا فيه، أو يريد أن يختصر الطريق للوصول إلى بيته. وتخيل من الذي يفعل هذا أو ذاك، لابد أن يكون بسيطا وفقيرا ولا يمتلك في سترته سوى أموال قليلة جدا. لكن محمد عبد العزيز وأحمد على حسن قررا أن يقتلا كل من يمر أمامهما ويأخذان ما معه، ثم يدفنانه في أرض المشتل.

وتم القبض عليهما، وترافع عنهما محامى مشهور في الإسكندرية في ذلك الوقت اسمه وليم إسكاروس، وكاد أن يحصل لهما على البراءة، لولا أن تقدمت امرأة وشهدت ضدهما، ربما رأتهما من مسكنها العالي وهما يجهزان على ضحية من ضحاياهما. المهم أن القاضى حكم بإعدامهما، وقد دخلا حجرة الإعدام محمولين من جنود السجن منهارين وكأنهما ماتا قبل أن يشنقا.  

محمود أمين سليمان  1960

محمود أمين سليمان هذا هو السفاح الوحيد الذي عاصرته، وأتذكر أيامه، فقد كنت تلميذا في مدرسة صلاح الدين الإبتدائية القريبة من العرضي المخصص لعلاج الحيوانات والذي أصبح الآن مساكن شعبية، وقريبة من سكن أهل زوجة السفاح التي يريد قتلها. والذي ظهر فجأة وتتحدث عنه الصحف كل يوم، ويقولون إنه هرب من السجن، حيث كان يقضى عقوبة السرقة، وقد هدد بقتل زوجته نوال عبد الرؤوف ومحاميه بدر الدين أيوب لظنه بأن هناك علاقة آثمة بينهما. ويريد قتل عديله جمال أبو العز لاعتقاده بأنه أبلغ البوليس عنه، وموظف اسمه محمود سليمان لظنه بأنه على علاقة بأخته

تحدثت الصحف عن ذهاب السفاح إلى فيلا أم كلثوم .حيث كانت ستغني أغنية "أروح لمين" كلمات عبد المنعم السباعي وتلحين رياض السنباطي في مسرح سينما الهمبرا بالإسكندرية، وبعد أن اطمأن إلى أنها بدأت الغناء؛ تسلق أسوار الفيلا في الزمالك، لكن الحراس ضبطوه واقتادوه إلى قسم الشرطة، وعندما عادت أم كلثوم من الإسكندرية، أرادت أن تخلصه من تهمة السرقة، لكن الشرطة أصرت.

 وفى رواية أخرى أنه تسلق أسوار الفيلا، وقابل أم كلثوم وطلب منها أن تغني له أغنية "أروح لمين" التي كانت مشهورة في ذلك الوقت.

واستوحى الكاتب المسرحى الكبير الفريد فرج هذه الحادثة وكتب مسرحية من فصل واحد، يحكى فيها عن مطربة مشهورة يزورها السفاح في بيتها. وكتب أبو السعود الإبياري مسرحية لفرقة إسماعيل يس عن سفاح الإسكندرية، قبل القبض عليه، واستوحى نجيب محفوظ رواية "اللص والكلاب" من حادث سفـاح الإسكندرية "محمود أمين سليمان" الذي شغل الأذهان يوما وأقام الدنيا وأقعدها قبيل نشر الرواية. وجعلت منه "تهويلات" الصحافة بطلا، وصورته في صورة الإنسان الخارق القادر على كل شيء. فكانوا يقولون أنه يستطيع القــفز مــن عدة أدوار دون أن يصاب بسوء لأنه خلع عظمتي ركبتيه في عملية جراحية، واقتفت أثره الكلاب البوليسية حتى فر إلى كهف في الجبل كما تفر الضواري أمام كلاب الصيد. 

وكنت قريبا من سكنه، قرأت على جدران "العرضي" في حي محرم بك، عبارة      {السفاح عاش بطلا، ومات بطلا}