السبت 4 مايو 2024

صلاح عبدالصبور.. "النبيل" الذى عاش حياته شعرأ

فن22-10-2020 | 12:15

عندما نتحدث عن أحد أهم رواد الشعر الحر وصاحب المدرسة الخاصة به فى ذلك الانفراد لا تعرف من أين تبدأ؟ هل تبدأ بالبداية التقليدية وهى المقدمة المتضمنة المعلومات المتوفرة على كل مواقع البحث عنه لمن لا يعرفه أم تتحدث عن أقوى بداية قد يبدأ بها شاعركان صديقاه المقربان فى بداية شبابه وحياته العملية مرسي جميل عزيز وعبدالحليم حافظ الذى قدمه فى أول عمل له من خلال قصيدة لقاء التى تغنى بها"حليم" للإذاعة وكانت السبب فى اعتماد العندليب الأسمر مطرباً فى الإذاعة المصرية.

ولأنه شاعر وأديب من أهم رموز الحداثة العربية وأفضل من قدم المسرح الشعرى بامتزاج بالغ بين الحس السياسي والفلسفى باللغة العربية قدمت عنه دراسات ومؤلفات عديدة كان من أهم تلك الدراسات عن مسرح صلاح عبدالصبور, على يد الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب السابق الذى كان لـ"الهلال" هذا الحوار معه لنترك المساحة له ليقدم هو صلاح عبدالصبور كما رآه فى دراساته وأبحاثه ...

بداية لماذا قمت باختيار صلاح عبدالصبور بالذات فى رسائلك العلمية؟

كل الرسائل العلمية التى ناقشت حياة صلاح عبدالصبور كانت متعلقة بشعره فقط لم يتعرض أحد لمسرح صلاح عبدالصبور فى دراسات ورسائل علمية ونقدية سوى الدكتور وليد منير حيث طرح فكرة أسماها "القصائد الجنينية" بمعنى أنه أوجد أصولا لمسرحيات عبدالصبور فى قصائده حيث يرى أن تلك القصائد هى التى تم إنتاج مسرح صلاح عبدالصبور منها ؛ثم عملت أنا فى رسالتى الماجستير والدكتوراة الخاصتين بي ,على فكرة توظيف الشخصيات فى الشعر الحديث من خلال تطبيقها على مسرح صلاح عبدالصبور،هذا موضوع دراستى, فلم أجد أفضل منه أتقن تقديم وإجادة هذا الدور فى المسرح الشعرى الحديث  لذلك كان يجب اختياره لتفوقه فى تلك المجالات والأطر الخاصة بنهج شعره ومسرحه فقط.

كيف قدمت صلاح عبدالصبور فى رسائلك العلمية ؟

فى رسالة الماجستير كنت أعمل  على أمل دنقل وأحمدعبد المعطى حجازى مع صلاح عبدالصبور,أما رسالة الدكتوراة كانت كلها تدورعن مسرح صلاح عبدالصبور مسرحياته الشعرية الخمس.

فنرى"مأساة الحلاج," تتحدث عن التيمة الرئيسية لدى صلاح عبدالصبور, صراع المثقف مع السلطة تحديداً فهذا كان أكثر ما يشغل "عبدالصبور" فى أعماله حيث كان الحلاج قناعاً للتعبير عن القضية .

وبالنسبة للمسرحية الأخرى "مسافر ليل" وهى تتبع مسرح العبث حيث إنها من أكثر المسرحيات التى ترجمت للغات عديدة جداً لأنها تمثل الظلم والقهر العالمى بشكل عام , ليست مرتبطة بزمان ليست مرتبطة بمكان ونكاد نقول عنها إنها ليست مرتبطة حتى بأحداث.

فهى تمثل الصراع العبثى  ذلك الفكر الذى كان فى أوج انتشاره وبداياته فى تلك الفترة الزمنية , فهى تدور أحداثها من خلال صراع عبثى بين راكب وبائع التذاكر  ومن يحتفظ بالتذكرة بالفعل ,ليتم الاكتشاف فى نهاية الأحداث أن سارق التذكرة  هو نفسه بائع التذاكر الذى يدعى ويتقمص  شخصيات عديدة .

فيريد صلاح عبدالصبور هنا التركيز علي فكرة القهر موضحاً أنه عندما لا يتم إيقاف ذلك القهر يتطور إلى أشكال مختلفة ويتمادى فى طغيانه, فهو أراد تقديم التصوير الرمزى العبثى  .

أما عن مسرحية الأميرة تنتظر فهى رمز صريح وواضح عن الوطن، فالأميرات لا ينتظرن ولكنها الرمزية فى مسرح صلاح عبدالصبور حيث يتحدث عن رأيه فى فترة الحكم الملكى و طرح ما أسماه بـ"الخمسة عشر ظلاماً" قصد بها السنوات  من عام1952 وحتى عام 1967 .

من وجهة نظره أنه بعد ثورة يوليو عام 1952 لم يكن الوضع أفضل بكثير عن قبل 1952والمستقبل ليس مع السلطة الموجودة  آنذاك.

وبالنسبة لمسرحية ليلي والمجنون هى مسرحية معاصرة تحدث فيها عن صحيفة كانت تصدر قبل ثورة  1952 ,فيطرح معوقات السلطة لصحفييّ تلك الجريدة خلال محاولاتهم صنع صحافة من وجهة نظرهم حرة ولكن تقابل تلك الآراء بغلق الصحيفة , فهى أيضاً تمثل فكر صلاح عبدالصبور وقضيته التى طرحها فى معظم أعماله وهى صراع المثقف مع السلطة.

فنرى من خلال مفتتح المسرحية كلمة موجهة من رئيس التحرير إلى صحفييّ الجريدة قائلاً فيها :يا أصحابى الشجعان اشتد علينا سيف السلطان وذهب السلطان أريدكم أن تقفوا جنبي لا أخشى عليكم من سيف السلطان لكنى أخشى أن يصرعكم ذهبه.

  ومسرحيته الأخيرة  ذات الطابع الفنتازى"بعد أن يموت الملك" يتحدث فيها عن موت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإلى أين ستصل مصر فقدم فيها لعبة من ألعاب المسرح حيث يخرج بنات رواة يقولن: سوف نعرض عليكم اليوم ثلاث نهايات للمسرحية والنهاية التى ستنال إعجابكم هى التى ستختم بها المسرحية, فهو يتصور السيناريوهات" المحتملة الحدوث لمستقبل مصر بعد موت جمال عبدالناصر , هل مصر ستسير فى طريق الديمقراطية؟ أم ستسير فى طريق الدكتاتورية؟ فمسرح صلاح عبدالصبور كله يتحدث ويناقش صراع المثقف مع السلطة والتحديات التى يواجهها ووجهة نظره السياسية ,فكل مسرحياته كانت تناقش الأحوال السياسية فى مصر الوطن .

 

وكيف كانت السياسة فى شعر صلاح عبدالصبور؟

لم نر شعرا سياسياً على الإطلاق عند صلاح عبدالصبور  ولكنه ابتعد بشعره عن السياسة تماماً عكس ما حدث فى مسرحه .

لم يدخل شعره فى السياسة على الإطلاق بل خلا تماماً من القصائد السياسية اللهم إلا قصيدة "عودة ذو الوجه الكئيب" التى تضمنها ديوانه الأول, الناس فى بلادى بعد ذلك لم توجد قصيدة  واحدة فى دواوين صلاح عبدالصبور نستطيع ربطها بأى قضية أو حدث سياسي، فالمقارنة بين شعر صلاح عبدالصبور ومسرحه طريفة جداً حيث المسرح مسرح سياسي والقصائد الشعرية تخلو تماماً من القضايا السياسية .

 

وهل يوجد فى مدرسته الشعرية قصائد رثاء أو هجاء أو مدح؟

 ويخلو أيضاً شعر صلاح عبدالصبور من قصائد المدح أو الرثاء أو الهجاء  إلا من قصيدة واحدة "الحلم والأغنية" كتبها فى رثاء جمال عبدالناصر , بالرغم من اختلافه معه طول حياته فقد كان عبدالصبور ضد سياسة جمال عبدالناصر ولكن عند وفاته رثاه قائلاً:  ,هل مات وا حزناه..هل مات من وهب الحياة حياته

ثم يقول فى مطلع بيت آخر..أحد وبدر شارتان على رداء محمد عاش الجهاد ..يقصد أن حتى الأنبياء تعرضوا للنصر والهزيمة.

وذلك من نبل أخلاقه بالطبع ,فمشكلة صلاح عبدالصبور دائما مع الحرية والديمقراطية وليست مع عبدالناصر لشخصه .

كيف ذلك؟

هو يرى أن الدولة التى لا تستعين بمثقفيها ووجهات نظرهم فى إدارة شؤن البلاد مآلها الهزيمة، فتلك كانت وجهة نظر المثقفين اليساريين فى تلك الفترة الذين يروا أن عدم وجود الديمقراطية أدى إلى الهزيمة.

هل كان له مواقف سياسية واضحة بحكم كتاباته الصارخة النقد والاعتراض؟

 لا يمكن القول إن صلاح عبدالصبور كان فى وقت من الأوقات صاحب دور سياسي بل اكتفى بإظهار اعتراضاته السياسية بصورة فنية مغلفة بتوظيف التراث ولم يكن له مواقف سياسية حادة واضحة خارج مسرحه فهو لم ينتمِ لأى حزب أو تنظيم فى أى وقت من الأوقات على الإطلاق .

صلاح عبدالصبور أهم رواد الشعر الحر.. كيف استطاع أن ينتقل من الشعر العمودى إلى الشعر الحر بتلك السلاسة والإتقان؟

من المفارقات الطريفة أنه فى كل قصائده تعمد الاتجاه نحو الدرامية ,وهناك من لم يفهم النقلة من الشعر العمودى إلى الشعر الحر الذى كان صلاح عبدالصبور أهم رواده فهو ليس بتلك البساطة التى تعامل معه بها العديد من الشعراء بكتابة بيت من الشعر العمودى ويكتب كلمة فى سطر وكلمتين فى سطر آخر فيقزم القصيدة على الأسطر معتقدا أنه يقدم شعرا حرا, ولن أذكر أسماء فى الحقيقة ولكنهم موجودون على الساحة الأدبية مع الأسف .

ما الفرق بين الشعر العمودى والشعر الحر؟

 الفرق بين الشعر العمودى والشعر الحر فرق فى الرؤية وليس فى التفعيل , شاعر يقدم القصيدة بشعر غنائى مطلق مع جعل السطر يطول ويقصر أحياناً فى الإطار الغنائى فهو بذلك ذهب إلى الشعر العمودى والتفعيلة, وآخر يتجه بها نحو الدرامية لذلك يجعل السطر يطول ويقصر حسب رؤيته الدرامية فهو بذلك يذهب إلى الشعر الحر الذى يحاول الاقتراب من الدراما,وذلك ما يميز شعر صلاح عبدالصبور.

فأى قارئ أو ناقد حصيف للشعر كان يرى أن نهاية هذا الاتجاه الشعرى كان لابد أن يكون  نحو المسرح الذى يعد هو الدراما , وهذا يؤكد من جديد انشغال صلاح عبدالصبور بالدراما ولذلك حاول أن يبدأ بها فى شعره قبل أن ينتقل بها إلى مسرحه

ما الذى مثلته فكرة الموت فى مسرح وشعر صلاح عبدالصبور؟

  فكرة الموت عنده نجدها فى شعره أكثر حيث لديه بيت شعر أخذه من مسرحيات ويليام باتلر بوضوح وهو "الإنسان هو الموت " حيث قدم قصيدة كاملة عن ملامح الموت فى حياة الإنسان من العجز والشعر الأبيض والأسنان المتساقطة .

يرى أن الموت حقيقة ولكنه يرى أن هذا يجب أن لا يجعله يائساً بل يجعله يقاوم ولا يقاوم من أجل ذاته ولكن يقاوم من أجل المجتمع ومن أجل محاولة تحقيق الحرية والعدل حتى آخر لحظة فى حياته، لذلك الموت عنده هو حقيقة ,ولكن بما أنه لا يملكها فهى لا تؤثر عليه هو يتحدث عن ما يملكه وهى مساحته فى الحياة وما يمكن أن يفعله فيها من إبداع شعرى ومسرحى ومن موقف إنسانى دائم البحث عن الحرية والعدل لفقراء العالم تلك هى وجهة نظر صلاح عبدالصبور الإنسانية جدا التى حاول أن يعبر عنها فى مسرحه وشعره.

من هم أبرز الكتاب والشعراء الذين تأثر بهم صلاح عبدالصبور؟

لقد تأثر بكتاب كثيرين فميزة صلاح عبدالصبور الحقيقية أنه كان مثقفا جداً  بمعنى أن هناك شعراء مصادرهم الثقافية عربية فقط لكن صلاح مصادره عربية وأجنبية لذلك كانت مصادر أكثر ثراءً وأعطته نافذةً أوسع.

فالقراءات الأجنبية ساعدته فى ما يخص المسرح بالتحديد لأننا يجب أن نعترف أن المسرح ليس فناً عربياً وكما يرى الكثيرون أن "تى إس إليوت "هو أكثر من تأثر به صلاح عبدالصبور  فى مسرحية " مأساة الحلاج" التى ربطها الكثير بمسرحية تى إس إليوت "جريمة قتل فى الكاتدرائية".

وما مدى صحة تلك التحليلات والربط النقدى؟

أنا أرى أن عبدالصبور فى مأساة الحلاج قدم مسرحية سياسية خاضعة للفكر الصوفى العرفانى العربي  الذى عندنا وهى تتحدث عن الظروف السياسية بشكل مباشر والمواقف المتعلقة بالحريات كعادة صلاح عبدالصبور, ولكن فكرة التأثر بين الكتاب واردة جداً فهو قرأ وتأثر بالعديد من مثقفى وأدباء الغرب أمثال باتلر وطاغور وتأثره بالشعر الرمزى عند"بودليروريلكه" والشعر الفلسفى الإنجليزى عند"جون دون وييتس "ولوركا الإسبانى وغيرهم.

وماذا عن الأدب  والشعرالعربي القديم؟

فى نفس الوقت قرأ الشعر العربي القديم وتأثر به جداً فهو كان قارئا للشعر العربي القديم كله ولشعراء تملكوا منه ,من أمثال عمرو بن كلثوم وأبو العلاء المعرى.

أما الأدب المعاصر كله ساعده على أن ينتج أشكالا جديدة فى الشعر وساعده على تقديم مسرح شعري متفوق يظنه الكثيرون أنه أفضل مسرح شعرى كتب باللغة العربية حتى الآن وهو ترجم ومثل بلغات عالمية عديدة جداً وقدم كتاباته فى إطار متطور جدا مثل المسرح العبثى.

كيف هى علاقة صلاح عبدالصبور بالمدارس الصوفية فى أعماله؟

 بالطبع تأثر صلاح عبدالصبور بهم ومن المتعارف عليه ظهور ذلك بوضوح فى مسرحيته "مأساة الحلاج"التى أرى أنها قدمت شخصية صوفية ولكنها لا تعد مسرحية صوفية إلا إذا قرأت  من وجهة نظر صوفية ؛فهو يقدم من خلالها رؤية معرفية تفرق بين مراتب النبى والولى وتلك مسألة هامة جداً, حيث يناقش العرفانية الصوفية وفيض المعارف وكيف أن المعارف الإلهية تأتى للمريد والمتصوف من فوق من العلم اللدني "العلم الإلهى" ولا تأتى إليه من أسفل كما نحن نتعلم.

ولكن هو كتب مسرحية سياسية وليست صوفية , من له دراية فى فقه الصوفية ومدارسهم وأحوالهم سيجد أن صلاح عبدالصبور كان ملماً تمام الإلمام بهذا ففى قوله إن الحلاج كان مصلوباً على صليب ولكنه ليس كصليب المسيح يريد أن يقول إن المسيح كان نبياً ولكن الحلاج كان ولياً وهو كان يحيي الأرواح ففى حوارات تضمنتها أحداث المسرحية في تساؤل للحلاج عن كونه  مثل ابن العذراء ؟ كان رده :حاشا لله كان نبيا أعطاه الله ومنحه معجزة إحياء الروح أما أنا أحييها بالكلمات .

هل وضحت رؤيته التنويرية بشدة فى مسرحه وخاصة مسرحية"الحلاج"؟

إنه  مثقف ويقدم دوره التنويرى فقط ولكنه يفرق بين النبى والولى فقد كان يرى أن الحلاج تأتيه نور المعارف الإلهية من فوق, التى هى الفلسفة الإشراقية الصوفية فعبدالصبور كان ملماً بكل هذا حتى له بعض القصائد التى تنتمى لعالم الصوفية تتحدث عن شيخه بسام الدين والصوفى بشر الحافى.

كلمتك الأخيرة فى هذا الحوار عن صلاح عبدالصبور..

هو قارئ قوى وشاعر أثرى الأدب باطلاعاته، استطاع أن يضع نفسه فى مرتبة من أهم مراتب التاريخ الثقافى العربي ,إن عبدالصبور كان يعيش حياته شعراً كان يريد أن يعيش حياته نبيلاً كما هو الشعر وهذا ليس منطق الحياة، فأصبح منطقه هذا فى النهاية أحد أسباب وفاته حيث تمت معايرته من أحد بكلمة ولم يتحمل الموقف  فمات.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa