الإثنين 25 نوفمبر 2024

أخرى

من ضابط إلى كاتب.. ماذا جاء بالقلعة بجانب البحر؟

  • 23-10-2020 | 15:03
طباعة

كانت أولى محاولاتي الأدبية، هي نوع من محاولة الحديث مع النفس عن النفس، ولذلك وجدتني أكتب مذكرات شخصية وأنا طالب في المدرسه الثانوية.


وقلبت في هذه المذكرات فلاحظت أني أكتب عن المدرسين والطلبة والبيت وأمي التي كانت دائما تجلس وعينها دائما معلقة على ساعة الحائط في صاله منزلنا، بعد أن فرغت من أعمالها المنزلية لحساب الفاصل الزمني بين موعد انتهاء المدرسة ووصولي للمنزل، أو الفاصل الزمني بين موعد درس خصوصي وآخر، شأنها شأن كل أم، ولكن ما زاد كيل مسئوليتها عشره أكيال أن والدي رحمه الله عليه كان في هذا التوقيت يعمل بإحدى الدول العربية وكانت هي من تقوم في دور الأب قبل الأم، بالإضافة أن الوالد ـ طيب الله ثراه ـ كان بعد انتهاء إجازته الصيفية، وكان قبيل سفره بساعات، يوصيها علي أولاده الثلاث، وخصوصا آخر العنقود (نزار)، وهي كانت تعاهده بكل أمانة وصدق وكأنني تراب الوطن، ولكم أن تتخيلوا يا سادة أن العهد هذا يتجدد سنويا.
 

وتمر سنوات قلائل لن تتعدى عددها أصابع اليد الواحدة ويموت الأب في غربته ليصيب الجميع بفاجعة كبرى بعيدا وقريبا، فما بالكم بابنه الأصغر، فتحولت كتاباتي إلى رثاء كانت دموعي تبل أوراقي مع انتهاء كل سطر أسطره، وخصوصا لأن من عظمة الله ورحمته بأسرتنا أنه عندما اختبرنا بمحنة وفاة والدنا منحنا منحة قبولي بكلية الشرطة ليصل خبر القبول في ليله العزاء وفِي لحظه وقوفي لأخذ عزاء الوالد، وأقسم لقرائي على ذلك والقريب مني يعلم هذا جيدا، ولأن إيماني كان ضعيفا وقتها أو لربما كان لصغر سني، كان بكاء قلمي قبل عيني كنت أخاطب رب العزة لماذا لم يعش والدي لأسبوع فقط حتي يفرح بفخر انتسابي والتحاقي بهذا الصرح العريق الذي يتمني كل أب أن يري ابنه فيه، وخصوصا أنا لأن والدي كان يعلم مدي تعلقي وحبي بهذه الكلية وبهذه الوظيفة، ولكني أدركت أن اللي كان يخفف على قلبي بل قلوبنا جميعا،لأني أحببتها منذ صغري وما زاد حبي وتعلقي بأن أخي الأكبر وأحب الناس إلي قلبي كان خريجا حديثا من هذه الكلية فأحببتها حب الأب لابنه بل أكثر.

ولكن بعد سنوات تتحول كتاباتي لمديح وتعبير لحب جارف لهذا الأخ الأكبر الذي تحول من أخ أكبر إلي المعنى الحرفي والشعوري والوضعي لأبي، حتي أنني بفضل الله من درجة حبي له، لو جاء إليّ يوما وقال لي مثلما قال سيدنا إبراهيم لابنه سيدنا إسماعيل (إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى)، سأقول له مثلما قال سيدنا إسماعيل (افعل ما تؤمر).

فلكم أن تتخيلوا أن هذه المشاعر تعلم الإنسان القراءة والكتابة، ليس فقط حب الكتابة، وجاءت فتره سنوات الدراسة الأربعة بالكلية، لأجد أن ضمن تعليمات فصول المذاكرة أنه ممنوع الكلام في تلك الفصول ليرزقني الله بصديقي وزميلي (هادي)، والذي كان بجواري في السرير وبالتبعية في "الدسك" في الفصل، وبأننا متفقين على بعض المذاكرة فكنا نتحدث سويا كتابهً وكان ملهما في الشعر، فأقداري جمعتني بحب الكتابة، ولكني كنت حريصا جدا على أن أجعل هذه المذكرات في مكان بعيد عن الأيدي والعيون، ولكن لماذا؟ وما الذي قلته؟، فما كانت ما تحويه كلماتي هي محاوله إبداء رأيي في كل الناس، دون الحديث معهم أو وصف حالهم في هذه الدنيا.

ولكن بعد التخرج والعمل في محراب البحث الجنائي، فحبي للكتابة جعلني بارعا في تسطير محاضر التحريات الجنائية، ولكن كانت البراعة في انتقاء الألفاظ والكلمات التي تجعل مدير النيابة والقاضي يعيش الجريم، وقد كان موجودا ساعة حدوث الجريمة، ولكن يعلم الله أنها كانت بعيدا عن الخيال القصصي أو التلفيق والعياذ بالله
.


ولكني توجهت إلي العمل بإحدى الدول العربية، ونظرا لوجود العديد من أوقات الفراغ فعدت لهوايتي مطعما إياها بقراءات لكبار الكتاب والمؤرخين، ونظرا لكون آخر عهدي في ساحة العمل الشرطي كانت هي عام الحكم الإخواني البغيض، وما بعدها من ثوره ٣٠ يونيو، وتحديدا أحداث فض رابعه العدوية، وبسبب ما لقيناه منهم جميعا كشعب مصري وأنا وزملائي الشرطيين، قررت أن أكون محاربا بقلمي ضد ما يحاك ضد وطني من هؤلاء الأبالسة، وما زادني تشجيعا ما أراه من الرحب والسعة من الزملاء والأصدقاء أباطرة الصحافة المصرية بالمشاركة معهم ومع الأساتذة العظام لدعم الدولة بأقلامنا ومن قبلها أجسادنا إن لزم الأمر.

وبهذا جاءت القلعة في وسط البحر، ليس بجوارها فقط، وهذه هي قصتي مع الرسالة السامية ومن ضابط إلى كاتب وقلبي يفرح وفداء وطني وأهل وطني.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة