السبت 29 يونيو 2024

«اللعب مع أجهزة الدولة» فصل جديد من كتاب «الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية»

فن24-10-2020 | 11:15

تنشر بوابة "الهلال اليوم" فصلاً جديداً من كتاب " الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية"، والذي جاء تحت عنوان "اللعب مع أجهزة الدولة". 

مخططــات الإخــوان الفاشلــــــــــــة للانتقام من الجيش

(كراهية الجماعة لضباط 23 يوليو دفعتها لتشويه ضباط 25 يناير و30 يونيو.. التنظيم فشل في استمالة المشير طنطاوي بمظاهرات التأييد وهتاف"يا مشير انت الأمير") 

كان الجيش وسيظل هو حماية هذا الوطن والضامن لعزته وكرامته.. كان وسيظل هو القابض على الأمن القومى والحافظ للأرض والعرض.. كان وسيظل داعماً للشعب متى احتاجه ومتى دعاه.. لن يسمح لأحد أن ينال من العلاقة بينه وبين المصريين.. العلاقة التى لم يستطع «واشٍ» أن يفسدها طوال تاريخه.. العلاقة التى شهدت عليها الأجيال الحديثة.. فالجيش كان فى «ضهر» المصريين عندما خرجوا على النظام الأسبق، وكان فى «ضهرهم» أيضاً عندما خرجوا على الجماعة الفاشية.. انحاز الجيش للمصريين وليس لأحد آخر.. انحاز وتحمل ما لا يتحمله أحد من تطاول وتشويه.. تحمل عن رضا تام وإيمان شديد بأن أرواح المصريين أغلى من أى شىء، وحماية تراب هذا الوطن واجب مقدس.. قبل 25 يناير كان الجيش المصرى خطاً أحمر.. لم يكن لأحد أن يقترب منه أو يمسه بسوء.. لم يكن لأحد أن يتجرأ عليه.. لم يقترب أحد من المصريين؛ إيماناً منهم بأن الجيش حائط الصد الوحيد الذى يحمى خارجياً وداخلياً متى تطلب الأمر..

أما جماعة الإخوان فقد كانت وكعادتها تغازل الجيش علناً بينما فى السر تدفع المتعاطفين معها والمؤمنين بها للنيل منه.. لم يكن ذلك معلناً فالجماعة كانت تدرك جيداً أنها لو تجاوزت فسوف تجلب لنفسها متاعب لا طاقة لها بها.. لكن الحال تبدل تماماً بعد 25 يناير.. فى الأيام الأولى من الثورة كان المتظاهرون يطلبون الحماية منه بمن فيهم أعضاء الجماعة الفاشية، ولما اشتد الأمر لم يكن أمام نظام مبارك سوى نزول الجيش بدلاً من الشرطة فى الشوارع والميادين بطول مصر وعرضها.. نزل الجيش ولم تمتد يده بسوء للمصريين.. حافظ على أرواحهم وقام بحماية مطالبهم.. هتف له الجميع «الجيش والشعب إيد واحدة» الهتاف الذى كان تعبيراً حقيقياً عن العلاقة بين الجيش والشعب، ولمَ لا ولكل بيت فى مصر ممثل عنه فى الجيش ينتمى له ويؤمن به.

تخلى مبارك عن السلطة تاركاً للمجلس العسكرى إدارة شئون البلاد، تركها وترك معها تركة ثقيلة جداً لا تتحملها الجبال.. وجد المجلس العسكرى نفسه فى قلب الأحداث السياسية.. خرج من ثكناته وهو غير مدرب على حيل السياسيين وصفقاتهم.. خرج وهو غير مدرب على ألاعيب الكيانات السياسية والتكتلات التى تشكلت بعد 25 يناير، والتزم المجلس العسكرى ضبط النفس، وكان على مسافة واحدة من الجميع.. يلتقى بكل الكيانات والتيارات لا ينحاز لأحد مهما بالغ فى مغازلته.. كان هدف المجلس أن يعبر بالوطن فى المرحلة الانتقالية لبر الأمان.. كان هدفه عدم إراقة الدماء والاقتتال فى الشوارع للفوز بغنائم سياسية على حساب أرواح المصريين وعلى حساب الأمن القومى للبلاد.. أهداف المجلس العسكرى لم تأت على هوى الجماعة الفاشية.. الجماعة التى كانت تريد المجلس العسكرى لها لوحدها.. تريد أن يضع ثقته الكاملة فيها ولا أحد سواها.. كانت تريد ذلك لتحصل على ما خططت له مسبقاً.. صورت الجماعة الفاشية للمجلس العسكرى أنها القوة الوحيدة المنظمة على الأرض.. القوة الوحيدة القادرة على الحشد.. القوة الوحيدة التى يمكنها أن توجه المتظاهرين لما تريده.. أثبتت الجماعة للمجلس العسكرى ذلك على الأرض، وسعت بكل ما أوتيت من قوة لإرهاقه بدفع أبناء التنظيم والخارجين من رحمه بمحاصرة مقراته والهتاف ضده فى ميدان التحرير، ولعبت «الجزيرة مباشر مصر» دوراً مهماً لتثبيت هذه الصورة الذهنية للجماعة لدى المجلس العسكرى.. كالعادة دفعت الجماعة أبناءها للخروج فى الميادين بينما استمر قياداتها فى مغازلة أعضاء المجلس العسكرى.

وثائق الجماعة السرية تكشف لنا الوجه الحقيقى لها.. فى العلن تقول إن المجلس قوى، وفى الوثائق تقول إنه ضعيف ويجب محاصرته والضغط عليه الآن وليس غداً لحصد مزيد من المكاسب.. لقد جاء فى إحدى الوثائق: «من الناحية السياسية والدستورية يمتلك المجلس العسكرى موارد حركة متعددة إلا أنه ما زال ضعيفاً أمام حملات الإعلام وأى ضغوط سياسية خاصة إذا ما اقترنت بحركة الشارع وإن محاولة احتواء قوته أيسر فى هذه المرحلة التى ما زال فيها الدستور محل صياغة والرئيس محل انتخاب.. حيث إن سيولة المشهد السياسى تجعل الضغوط على المجلس العسكرى أكثر فعالية من مراحل مقبلة.. فقواعد اللعبة السياسية لمصر ما بعد يوليو ما زالت فى مرحلة التشكل ولا بد من العمل بكافة الجهود على الدفع بمنظومة توازن قوة تحاصر الدور السياسى للمؤسسة العسكرية فى المرحلة المقبلة قبل أن تفوت الفرصة، وعلى الرغم من أهمية الجدية فى الشروع بسحب الثقة ووضوح دلالاته إلا أن الملاحظ أداء متضارب من حزب الأغلبية فى هذه المسألة، فبينما يستمر التأكيد من جانب كل من الجماعة والحزب على أهمية الحكومة الائتلافية وسحب الثقة لأكثر من شهر إلا أن الحركة الفعلية فى هذا الاتجاه تظل غائبة فخطاب الشكوى ونقد الحكومة هو المستمر مع الحديث أكثر عن مخاطبة المجلس العسكرى لإقالة الحكومة أكثر من الضغط عليه بسحب الثقة.. الخطورة تنبع من استمرار تصعيد القول دون فعل.. فهذا الخطاب لا يجب الركون إليه إلا إذا توافرت إرادة حقيقية لتطبيقه لأن مكاسب الضغط به بدون فعل أقل بكثير من خسائر فقدان المصداقية أمام الرأى العام وأيضاً أمام المؤسسات الأخرى المناوئة مثل الحكومة والمجلس العسكرى.. فإذا كانت الحسابات السياسية استقرت على إرجاء تشكيل الحكومة الانتقالية إلى مرحلة لاحقة فمن الأجدر أن يتم الاكتفاء بالتلويح بسحب الثقة فى المفاوضات مع الدوائر الرسمية ولا يتم طرحها فى الساحة العامة وبمثل هذه الكثافة وهذا الإلحاح».

ما جاء فى هذه الوثيقة يكشف كيف تفكر هذه الجماعة.. الجماعة التى عملت فيها «ستين عتريس» لسحب الثقة من الحكومة لم تكن جادة فى أمرها.. لم يكن هذا من أجل الله والوطن.. كان من أجل مزيد من المكاسب الخاصة فقط لا غير.. الوثيقة ترى أنه كان من الواجب التلويح بسحب الثقة مع العسكرى فى اللقاءات الخفية بالغرف المغلقة وألا يخرج هذا التهديد للرأى العام، فبخروجه خسرت الجماعة وفقدت مصداقيتها.

الجماعة كانت تدرك أن المواجهة العلنية مع المجلس العسكرى سوف تفقدها رصيدها فى الشارع، والأهم خوفها من أن يدير المجلس العسكرى ظهره لها.. كان إيمان المصريين بالمجلس العسكرى مطلقاً، ولو حاول أى كيان سياسى مهما كان حجم وجوده فى الشارع أن يقحم نفسه فى هذه العلاقة سوف يخسر.. الجماعة نجحت فى استخدام أبنائها والخارجين من رحمها فى الضغط على المجلس بتنظيم المظاهرات، وفشلت فى أن تستخدم وسائل الإعلام المختلفة اللهم إلا بعض وسائلها الخاصة و«الجزيرة مباشر مصر» على رأسها.. كانت تعرف أن كثيراً من الصحفيين والإعلاميين يدركون حقيقتها بعيداً عن التوجيه.. كان إيمانهم بالجيش ثابتاً قبل 25 يناير وبعدها.. فى هذه الفترة كانت الجماعة تريد أن تنفرد بكل شىء بعيداً عن المجلس العسكرى.. كانت تسعى، وكما قلت سابقاً، أن تكتب الدستور بعيداً عنه لأنها كانت كتبت الدستور وحرصت على ألا يكون لأى من مؤسسات الدولة ولا المؤسسة العسكرية أى وضعيات خاصة فى الدستور، وأنه فى حال إقرار وجود مجلس أمن وطنى فى الدستور فسيكون ذا أغلبية مدنية ويكون دوره فى الإطار الاستشارى.

ولأن المجلس العسكرى كان واضحاً منذ البداية، وحدد أهدافه الهامة، وهى الحفاظ على هذا الوطن والبقاء على مسافة واحدة من الجميع.. لم تعجب هذه الأهداف الجماعة الفاشية، لذلك لم تكتف بالضغط عليه ولا على المؤمنين به والمتحالفين معه.. تركت الجماعة الفاشية مساحات كبيرة لفضح المتحالفين والمؤمنين دون أن تتبنى ذلك بشكل رسمى.. كما نظمت حملات لطرق الأبواب وقوافل الأحياء والشوارع لفضح الحكومة وقتها وما يسمى بممارسات المجلس العسكرى بالإضافة إلى تبنى بعض الوقفات المجمعة المنتشرة فى المناطق المختلفة كمسيرات ضغط وتحفيز، وتدشين حملة لاستكمال وتحقيق مطالب الثورة، ولتكن البداية من الجامعات ثم يتم تبنيها.. هذا ما جاء فى وثائق الجماعة والتى تؤكد أنها تراوغ وتضلل لكى تقتنص كرسى الحكم.. تراوغ وتضلل وتضغط ربما يمل المجلس العسكرى فينسحب من المشهد وتنفرد هى بنا جميعاً.. تنفرد بنا فى ظل عدم اجتماع التيارات السياسية على مختلف توجهاتها على هدف بعينه، هى من هتفت ليس للجيش فقط وإنما هتفت للمشير محمد حسين طنطاوى: «يا مشير أنت الأمير» عندما كانت تستهدف أن يكون المجلس لها لوحدها، ولما فشلت دفعت أبناءها للهجوم على المشير طنطاوى وعلى أعضاء المجلس العسكرى.. كانت الجماعة الفاشية تبقى على الشعرة المعلقة بينها وبين المجلس حتى استفتاء 19 مارس المعروف بـ««غزوة الصناديق».. كانت الأمور على ما يرام حتى خرج علينا على السلمى بوثيقة رأت بعض القوى السياسية أنها تمنح الجيش حصانة دستورية، وتمنحه حق التدخل متى شاء.. هنا تبدل الحال تماماً، وكشّرت الجماعة الفاشية عن أنيابها وأطلقت أبناءها وحرضت كثيرين - اكتشفنا فيما بعد أنهم يعملون وفق أجنداتهم الخاصة - للهتاف ضد المجلس العسكرى، وهو الهتاف الذى كان يزعج كل من ينتمى إلى هذه المؤسسة.. هتاف ترك فى صدورهم جرحاً غائراً يستحيل أن يطيب بسرعة.. الهتاف كانت وراءه قوى سياسية كانت تريد الحكم لنفسها لا لأحد آخر، وتحمس له نشطاء ومتظاهرون هم أنفسهم من استدعوا الجيش فيما بعد وطلبوا منه الحماية وطلبوا ألا يتركهم فريسة للجماعة الفاشية.

خرج المتظاهرون ضد وثيقة «السلمى» بتحريض من الجماعة الفاشية وجرت أحداث عنف فى أماكن كثيرة أملاً فى أن يترك المجلس الميدان، ولم يفعلها المجلس وظل صامداً خوفاً من إراقة الدماء.. جرى الضغط من قبل الجماعة والخارجين من رحمها لكى تتم الانتخابات البرلمانية، وقد تمت بالفعل، ولو لم يوافق المجلس وقتها على إجرائها لخرجت علينا الجماعة والخارجين من رحمها فى الشوارع كالمغول والتعبير للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى.. كانت الجماعة والخارجون من رحمها يعرفون أنهم سوف يفوزون بالأغلبية فى هذه الانتخابات.. فالفوضى عارمة وهى المناخ المناسب - وكما قلت سابقاً - لهذه الجماعة.. تستثمرها جيداً لتحصد المكاسب.. هم كانوا أكثر تنظيماً واستعداداً.. البرلمان الذى لم يهنأوا به بعد حكم المحكمة الدستورية ببطلانه، وهو الحكم الذى كان صفعة للتيارات الإسلامية وخلق فجوة كبيرة بين المجلس العسكرى والجماعة على وجه التحديد.. الحكم الذى جعلها متحفزة ضده طوال الوقت.. جعلها تسعى للتخلص منه بأى شكل.

فرح المصريون بحل البرلمان لكن فرحتهم لم تدم طويلاً بعد الانتخابات الرئاسية.. قبل أن تعلن النتيجة بفوز مرسى أصدر المجلس العسكرى إعلاناً دستورياً مكملاً للحفاظ على مدنية الدولة، وهو الإعلان الذى فرح به كثيرون ممن يؤمنون بخطر هذه الجماعة.. خاصة أننا كنا مقبلين على الانتخابات الرئاسية ولا نعرف من سيكون الفائز فيها.. فرحنا لأننا نؤمن بأن الجيش هو الضمانة الحقيقية لأمن هذا البلد وأمانه والحافظ لأرضه وعرضه.. كان هناك من لم يرتض بهذه الخطوة، ولم يُرضه الإعلان الدستورى.. كان فى مقدمتهم الجماعة الفاشية التى كانت تمنّى نفسها بكرسى الرئاسة ورأت أن الإعلان الدستورى يكبلها، وكانت هناك شخصيات سياسية باركت هذا الإعلان على المقاهى، وقالت إنها ضربة معلم لكنها على الفضائيات وخاصة قناة الجزيرة أعلنت أنهم ضد هذا الإعلان.. فعلوها من باب التجارة مثلهم مثل كثيرين استثمروا هذا المناخ للظهور وفرض الهيمنة وتحقيق المصالح الشخصية وليذهب الوطن للجحيم.

لم تنس الجماعة عندما اقتنصت كرسى الحكم فى غفلة ما فعله المجلس العسكرى طوال المرحلة الانتقالية.. لم تنس مقاومته لألاعيبها بعد أن تكشّف وجهها الحقيقى.. اقتنصت كرسى الحكم وألغت هذا الإعلان الدستورى ليصدر مرسى إعلاناً دستورياً جديداً لحماية جماعته وعشيرته.. إعلان دستورى ديكتاتورى يقتل الحياة السياسية فى مصر بل ويقتل الحياة نفسها، وهو الإعلان الذى دفع المواطنين للخروج على الجماعة بشكل مكثف، وهو الذى أشعل النار من تحتها وبدأت بوادر التخلص منها وإزاحتها من كرسى الحكم.. كانت الجماعة واضحة مع نفسها.. ألغت الإعلان الدستورى بإعلانها الجديد وأطاحت باللواء مراد موافى رئيس جهاز المخابرات العامة وتخلصت من اللواء حمدى بدين رئيس الشرطة العسكرية.. كانت الظروف كلها مهيأة أمامها للتخلص من المشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع ومعه رئيس الأركان.. كانت النية مبيتة للإطاحة بالاثنين، فبعد فوزه بالرئاسة مباشرة ألقى محمد مرسى خطاباً فى جامعة القاهرة قال فيه إنه على الجيش أن يعود إلى ثكناته، ولم ينس أن يقدم له الشكر على حمايته للثورة.. أما فى خطابه بالهايكستب فقد طلب محمد مرسى من الجيش أن يبقى لحماية الجبهة الداخلية.. ما قاله فى الهايكستب لا يعنى أن جماعته سوف ترضى عن القوات المسلحة.. لا يعنى أنه سيكف عن إيذاء الجيش بأى شكل من الأشكال.. الإطاحة بالمشير طنطاوى ربما كانت لا تمر مرور الكرام لكن الجميع آثر المصلحة العليا للوطن فوق كل شىء.. مضى المشير إلى حال سبيله وتولى الفريق عبدالفتاح السيسى وزارة الدفاع.. كان ما يعنيه - وبدا واضحاً لنا - تحديث الجيش ورفع كفاءة من ينتمون إليه.. كان يفعل ذلك بعيداً عن إقحام الجيش فى الأحداث السياسية.. من الأمور الهامة التى نجح فيها أن يعيد الانسجام بين الجيش والداخلية من جديد.. كان هناك احتقان بدأ يوم جمعة الغضب 28 يناير.. اليوم الذى طلب فيه مبارك من الجيش أن ينزل إلى الشوارع للسيطرة على المظاهرات وتأمين المؤسسات، وهو القرار الذى أزعج حبيب العادلى وزير داخليته ورأى أنه تأكيد على فشل الداخلية.. رأى أنه يعلى من شأن ضباط الجيش على حساب رجاله، فقد كان مؤمناً أن الداخلية هى الجيش الذى يحمى النظام.. وقتها قال العادلى جملته الشهيرة «خليهم يحموك».. فى هذا اليوم نزلت للشوارع قوات الحرس الجمهورى وليس ضباط الجيش الذين لم ينزلوا إلا بعد أن عاد الفريق سامى عنان من أمريكا.. لحظة التسليم والتسلم كانت قاسية جداً على ضباط الداخلية.. تركت جرحاً غائراً فى صدورهم.. لكن عندما جاء عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع قادماً من المخابرات الحربية كان يعلم جيداً ما فى نفوس ضباط الداخلية لذلك كان حريصاً على أن يلتقى بوزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين بانتظام منها لقاؤه به بنادى ضباط الشرطة، وهو اللقاء الذى حضره قيادات القوات المسلحة والداخلية.. كان السيسى حريصاً على أن يقول إن مصر تحتاج إلى الشرطة والجيش ليكونا يداً واحدة ليضربا المثل والقدوة للجميع فى خدمة الوطن وأمنه واستقراره، وإن القوات المسلحة بكل قدراتها تدعم الشرطة لمواصلة دورها الوطنى ومسيرتها الناجحة.. كان السيسى واعياً بكل كلمة يقولها؛ ربما يزيل ما فى الصدور.. ربما يداوى به جرح 28 يناير.

بدت هذه الخطوة مزعجة للجماعة الفاشية.. الجماعة التى كانت حريصة على أن يظل هذا الاحتقان حتى وهى فى الحكم لكى تتلاعب بالمؤسستين بما يخدم أهداف التنظيم.. نجح الفريق السيسى فى إعادة الانسجام بين الجيش والشرطة.. كان من بين الأمور التى رأيناها أيضاً أن الفريق السيسى رأى خطر الإرهاب مبكراً مقبلاً إلينا من سيناء وعبر حدودنا الشرقية.. فبدأ الجيش حملاته هناك بتدمير الأنفاق وضبط صواريخ ومتفجرات فى طريقها إلى غزة وهو ما أزعج قادة حماس وبالتالى أزعج الجماعة الفاشية وقادتها.. إزعاج الجماعة دفعها لإطلاق شائعة إقالة الفريق عبدالفتاح السيسى.. الشائعة التى ما إن وصلت إلى الجيش - ضباطاً وقادة - حتى انفجروا غضباً.. رأوا أنها نيل من المؤسسة العسكرية التى لن يسمحوا لأحد أن يقترب منها أو يتعامل مع قادتها باستهانة.. الشائعة اعتبرها كثيرون لعباً بكرة لهب سرعان ما ستتضخم حتى تصل إلى انفجار لن يستطيع أحد أن يحتوى آثاره.. فهم لن يقبلوا أن يتم التعامل مع الفريق عبدالفتاح السيسى بنفس الطريقة التى تعاملوا بها مع المشير طنطاوى.. فقد أقالوه فى غمضة عين ولولا أن خليفته كان عبدالفتاح السيسى ما مر خبر إقالة طنطاوى على خير.. ما جرى وقتها يؤكد أن هناك من يتربص بالقوات المسلحة وجرها إلى ما لا تحب.. فالقادة أعلنوا أكثر من مرة أنهم انسحبوا من الحياة السياسية ولا يريدون المشاركة فيها لأنهم عانوا كثيراً منذ 25 يناير.. سمعوا خلالها ما لم يسمعوه طوال تاريخهم.. هتافات لم يكن أحد يمتلك الجرأة أن يهمس بها لا أن يرددها علناً.. لذلك آثروا الانسحاب من الحياة السياسية بعد انتخابات الرئاسة.. تجنبوا الصراعات بين الأحزاب وجماعة الإخوان الحاكمة.. حتى بعد أن انفجرت الأحداث فى وجه محمد مرسى وجماعته لم تقترب القوات المسلحة ولم تورط نفسها من جديد رغم دعوة الكثيرين لها ومنهم نشطاء وثوريون بالتدخل، وفى كل مرة ترفض القوات المسلحة التدخل.. مع كل مظاهرة غاضبة يقع فيها شهداء تتجدد الدعوة، والقوات المسلحة ترفض وتراهن على الحوار بين من يحكمون والمعارضة.. كانت تريد أن ينتهى هذا الصراع بالحوار لا بالقوة.. التزمت القوات المسلحة بضبط النفس، فهى لا تستجيب لمن يريد أن يورطها مع الشعب وهو ما أكد عليه القيادات أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة.. أعلنوا أن ولاء القوات المسلحة للشعب وأنها لن تنحاز إلى فصيل على حساب آخر.. أكدوا أيضاً أن الجيش لن يكون لعبة فى يد أى نظام.

شائعة إقالة الفريق السيسى أكدت لنا أن الجماعة الفاشية والحاكمة منزعجة مما تفعله القوات المسلحة فى سيناء وهو انزعاج لا محل له خاصة أن قواتنا لن تسمح لأحد مهما كان شأنه أن يتدخل فيما تراه حماية لهذه الأرض وسيادتها.

لقد خرجت شائعة إقالة وزير الدفاع بعد قيام القوات المسلحة بضبط كمية ضخمة من المتفجرات كانت ستخرج من سيناء إلى غزة، وهذا لم يكن ليرضى قادة حماس.. أيضاً قامت القوات المسلحة بإغراق مجموعة من الأنفاق عبر الحدود مع غزة بمياه الصرف الصحى وهو ما يعنى تدميرها.. هذه الخطوة أغضبت قادة حماس وبالتالى فإن غضبهم سيزعج الجماعة.. فهم أبناء تنظيم واحد؛ هو التنظيم الدولى.. الحمساويون غاضبون من هذه الخطوة بل وأعلنوا هذا الغضب حتى إن واحداً منهم قال إن مبارك كان يحاصرنا لكننا كنا نلعنه لكن محمد مرسى يحاصرنا ونضطر إلى شكره.. الحمساويون تعمدوا إظهار الغضب لكى يتحرك مرسى ويتخذ قرارات فى صالحهم كما حدث فور توليه السلطة.. الحمساويون غاضبون لأن هذه الأنفاق هى الحياة بالنسبة لهم.. يجرى استخدامها ليس فى تهريب الوقود ومواد البناء والمواد الغذائية وإنما فى تهريب الأسلحة والمتفجرات، وهو ما تريده حماس.. والقوات المسلحة - منذ استشهاد 16 جندياً من أبنائها فى رمضان أثناء حكم الجماعة - أغلقت عدداً كبيراً من الأنفاق رأت أنها تهدد الأمن القومى.. فعلت ذلك لتحكم سيطرتها على الأمن فى سيناء.

ما كانت تقوم به القوات المسلحة من مهام كان مزعجاً للجماعة.. لكنها تفعل ما تؤمن به وتراه يخدم هذا الوطن.. فعلوا ذلك فى كل محافظات مصر، وكانت محافظة بورسعيد خير مثال على ذلك.. خاصة أن غضبها كان فى ذروته.. لكن القوات المسلحة قامت بتأمين المنشآت الحيوية، وتوفير السلع الغذائية وعقد جلسات صلح بين ألتراس المصرى والجامعة.. وكلها أفعال قربت بين القوات المسلحة والمواطنين فى بورسعيد.. فقد رأوا أن الجيش يؤدى دور الدولة ويعوض غيابها.. رأوا أن الجيش لم يمس أحداً بسوء منذ أن قرروا رفض قرار محمد مرسى بإعلان حالة الطوارئ وحظر التجول.. لم يقترب الجيش منهم عندما صعّدوا من خطواتهم وأعلنوا العصيان ونجحوا فيه.. لذلك لم يكن غريباً أن تخرج الشائعة فى هذا التوقيت بالتحديد.. الشائعة التى لم تقم الجماعة الحاكمة بنفيها، وهى التى تعودت أن تنفى كل شىء مهما كان تافها.. صمت الجماعة الحاكمة أغضب ضباطاً فى الجيش كما أغضب المتقاعدين منهم.. المتقاعدون الذين أعلنوا أنهم فى طريقهم لتأسيس حزب للدفاع عن الثورة مهما كلفهم الأمر من تضحيات.. حزب ستكون مهمته حماية الأسر المصرية من الخطف والتعذيب والتهديد بالاغتيال.. حزب سيسعى إلى إسقاط الدستور المشوه وإلغاء الإعلان الدستورى. الغضب لم يكن داخل الجيش فقط وإنما امتد إلى لناس فى الشارع.. خرجوا فى مظاهرات يدعمون الجيش ويرفضون التدخل فى شئونه.. عادوا يهتفون «الجيش والشعب إيد واحدة».. الذين خرجوا كانوا يطلبون حماية الجيش لهم من جماعة تسعى لأن تبسط يدها كاملة على البلد فلا ينازعها أحد، ورغم غضب قيادات المؤسسة العسكرية ورغم المظاهرات المؤيدة لها، إلا أن الجيش حرص على ضبط النفس حتى يعود الآخرون إلى رشدهم، وحتى لا يتخيلوا أن بإمكانهم اختراق المؤسسة والتلاعب بها.. هو نفس الغضب الجماهيرى الذى يتكرر مع كل محاولة للنيل من الجيش لإيمان المصريين بأنه حائط الصد الأهم وعمود خيمة هذا البلد.

فشلت الجماعة فى كل محاولاتها ضد الجيش لكنها أبداً لم ولن تكف عن إلحاق الأذى به حتى بعد إزاحتها عن الحكم.

    الاكثر قراءة