سيدى العميد...
لكم أود
أن أقول
والدى العميد، فقد كنت
لى فى
الحقيقة والدا.
ولم تكن
لى وحدى
وإنما كنت
والدا لهذا
الجيل من
الكتاب الذى
أنتمى إليه والذى ولد
أو نشأ
فى رحابك
وتغذى ونما
على مائدتك...
ولئن ساورنى
الإحساس فى
كثير من
الأحيان بأنك
كنت لى
وحدى.فإن
ذلك الإحساس
لا يعتبر
غريبا على
الأبناء الذين
يولدون من
صلب الإنسان.
فإن كلا
منهم يحس
فى قرارة
نفسه أنه
الأثير عند
أبيه وأنه
صاحب الخطوة
من دون
أشقائه وإخوته.
وقد يلتمس
الإنسان لهذا
الإحساس أسبابا.
وقد
يصطلح الناس
على هذه
الأسباب فيقولون
عن أحد
الأبناء أنه
المفضل عند
أبيه وعند
ذويه لأنه
أكبرالأبناء أو
لأنه واسطة
العقد أو
آخر العنقود...
هكذا ساورنى
الإحساس بالنسبة
لأبوتك واستقر
فى قلبى
أننى من
أقرب الأبناء
إلى قلبك
وأنك أقرب
الآباء إلى
أبى.
كانت فى
علاقتك بى
أو فى
علاقتى بك
مشابه من
علاقتى بأبى
الكاتب محمد
السباعى، فقد
كنت ترعانى
كما كان
يرعانى، وقد
كنت تزجرنى
كما كان
يزجرنى. وكنت
أهرع إليك
كما تعودت
أن أهرع
إليه عندما
يحزننى الأمر
أو يشق
على الطريق.
فكنت تهدينى
سواء السبيل،
وكنت تفتح
أمامى الآفاق
وتمد يدك
القوية الحانية.
وليس من
الإنصاف أن
أستأثر بك
أو انفرد
بأبوتك ولكن
الحب الذى
عشت أحمله
لك- وما
أرى إلا
أننى سأظل
أحمله لك
- هو شفيعى..
ولكننى لا
أملك اليوم
وأنا فى
موقف الحديث
عنك أو
الحديث إليك
إلا أن
أعترف بأنك
كنت بالنسبة
لجيلنا كله
رائداً من
رواد الفكر
الذين يندر
أن يجود
بهم الزمان.
وكنا نلتمس
فى ريادتك
أسباب الحياة
لهذه النفثات
التى أطلقتها
أقلامنا سواء
على صعيد
القصة أو
الرواية أو
القصيدة أو
المقال.. وكنا
نغترف من
هذا النهر
العذب الذى
تلقيناه فى
إنتاجك الفياض
وكأننا نغترف
ماء الحياة
من النهر
العظيم الذى
عشنا حوله..
كان أسلوبك
الجديد بالنسبة
لما ألفناه
من أساليب
القول وأساليب
الكتابة شيئاً
يدخل إلى
القلب ويتسلل
إلى الوعى،
فإذا نحن
نستعذبه ونكاد
نتغنى به
وقد يفكر
البعض فيترسمه
وينسج على
منواله، ومع
ذلك فقد
ظل أسلوبا
منفردا ونمطا
مميزا لا
يكاد يختلف اثنان من
متذوقيه على
أنه صادر
عنك.
وكان هذا
الأسلوب السهل
الممتنع كما
تعلمنا أن
تصف الأساليب التى
تعرف طريقها
إلى القلوب
والأسماع فى
يسر، ثورة
على الأساليب التى
سادت كتابتنا
العربية لآماد
طويلة من
قبل... وحين
بهرتنا هذه
الثورة فى
الأسلوب وانعكست
على أساليبنا فى
الكتابة أو
القول فقد
كنت تقف
لنا بالمرصاد لتحذرنا
من مغبة
التقليد، وتحول
بيننا وبين
المتردى، وتهدى
خطابا حتى
لا نسترسل
إلى ما
يتجاوز اليسر
فيصبح تهاونه
بقدر اللغة
أو خروجا
على سلامتها.
ولم تكن
ثورتك مقصورة
على الأسلوب، وإنما
امتدت إلى
المحتوى، فلم
تقبل القيد
فى كل
مراحل حياتك،
ولم تسمح
بالمساس بحريتك
فى أن
تقول ما
تعتاد أنه
الرأى عندك.
وتعلمنا منك
أو تعلمنا
عنك أن
نتمسك بحريتنا
فى أن
نقول وأن
نكتب بملء
حريتنا. وكم
كانت لك
من المواقف
التى لا
ننساها منذ
تلقيت العلم
فى صحن
الأزهر الشريف
ثم وأنت
تنتقل إلى
الجامعة الأهلية
القديمة وبعد
أن سافرت
لتستزيد من
ينابيع المعرفة
فى فرنسا.
وحين عدت
إلى الجامعة
المصرية لتؤدى
رسالة العلم...
فلسنا ننسى
تصديك للسلطان
حين أحسست
باعتدائه على
الحرية، فإذا
بك تنتفض
انتفاضتك المعهودة وتغادر
منصبك فى
الجامعة مكتفيا
بأن تحمل
القلم وأن
تتصدى للظلم
وكل ألوان
الظلم سواء:
الظلم السياسى
أو الظلم
الاجتماعى أو
الظلم الأدبى.
وكنا ياسيدى
العميد نترسم
خطاك ونهتدى
بهديك.
•••
واليوم إذ
نلتقى على
ذكراك سواء
منا الذى
حظى بأبوتك
أو الذى
سعد بصحبتك
والاقتراب منك،
وسواء منا
من تتلمذ
عليك فى
قاعات الدرس
أو تتلمذ
عليك فى
صفحات الكتب
فاننا تحس
بأننا نلتقى
على مائدتك
الحافلة بكل
عطاء الفكر
وبكل ثراء
القلب. ونحس
بأنك لا
تزال بيننا
هناك على
رأس المائدة، ولا يزال
صوتك الحبيب
ينساب من
فمك المضموم
قويا نافذا
عذب الآهاب
مميز الجرس
حتى كأنه
اللحن الجميل
الذى يطربنا
سماعه ويبهرنا
عمقه...
اليوم يحتشد
هذا الحشد
من مريديك
تماما كما
كانوا يحتشدون
أمام كل
منير علوته.
وكأنى بهم
يستمعون لقولك
وينقلون عنك
ويهتفون باسمك.
ولا يمكن
أن يدور
بأخلادنا أنك
لم تعد
هناك فوق
المنبر أو
أنك قد غادرت المنصة
وألقيت بالقلم.
سيدى العميد،
أو كما
أحببت أن
أناديك وأن
أتوجه إليك:
سيدى الوالد...
ليس منا
من يصدق
أن أيامك
بأجزائها قد
انتهت ولن
تصدر فى
القريب أجزاء
أخرى من
أيامك المتصلة...
وليس منا
من يصدق
أن السيرة
العطرة التى
أردت أن
تكتب لنا
على هوامشها
قد استنفدت
ما شئت
لها من
حديث.
وليس منا
من يصدق
أن الكروان
الذى حكيت
لنا عن
دعائه سيكف
عن الدعاء...
أو أن
شهرزاد ستكف
عن الأحلام...
وسيظل حديثك
عن المعذبين فى
الأرض يروى
الكثير مما
كان يحيق
والذى جعلتنا
نتصدى له...
ويوم غادرتنا.
كما تعودت
أن تغادرنا
فى مستهل
كل صيف
انتجاعا للصحة
وإدراكا للعافية.
يوم غادرتنا
فى أكتوبر
من ذلك
العام لم
نكن نحسب
أنك ستطيل
الرحلة أو
تزمع الرحيل...
كان الرئيس
المؤمن بالله
والعروبة قد
أطلق الشرارة...
وكانت بشائر
النصر قد
لاحت... وكرامة
الأمة العربية
قد ثارت...
وسيادة القانون
قد سادت...
وأعلام الحرية
التى عشقتها
قد رفرفت..
فإذا بك
تغادرنا وقد
أدركك الاطمئنان على
الوطن الذى
عشت له...
وعشت فيه...
وعشت به...
والذى ظل
ينبض فى
دمائك ولا
يكف عن
النبض...
سيدى العميد...
اليوم تأتى
هذه الصفوة
من أبناء
العروبة ومن
أبناء الإسلام
ومن أبناء
الإنسانية فى
كل مكان
ليحتفلوا معنا
كما تعودنا
أن نحتفل
بك. لا
أقول بذكراك
وإنما أقول
لنحتفل بك
ولنحتفى بخلودك
بيننا ولنتحدث
إليك. ونتحدث
عنك. وهو
حديث يطربنا
ولا أشك
فى أنه
يطربك. وكما
تعودنا من
حنانك الغامر
فإنا نتوقع
أن نسمع
منك أنك
راض عما
نقوم به
اليوم كل
الرضا وعلى
طريقتك أو
على أسلوبك
المحبب. أن
رضاءك لن
ينقضى وأن
رضاءك سيظل
متصلا متجددا.
وسيكون لهذا
الرضاء المتصل
المتجدد موسم
تلتقى فيه
كل عام
ونلتقى بك
على مدى
الأعوام.