الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

طه حسين قال لي

  • 25-10-2020 | 09:01

طباعة

مقدمة قبل حوارى مع طه حسين:

كان ذلك فى يناير 1973، اقترحت أن أجرى حواراً مع عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين. قبل انعقاد دورة مجمع اللغة العربية. وكان رئيسه الذى ربما كان أشهر رئيس له حتى الآن الدكتور طه حسين. تواصلت مع السكرتارية الخاصة بعميد الأدب العربى. ولم أصدق نفسى عندما تحدد لى موعد مساء أحد الأيام فى بيته بالهرم. ذهبت إلى هناك وأنا أوشك ألا أصدق نفسى.

جلست فى انتظاره وأتى جالساً على كرسى بعجل يدفعه سكرتيره. ليس السكرتير الشهير المعروف. لكن كان سكرتيراً آخر. وقد سألت وقد أجاب وقد خرجت من عنده وأنا لا أعرف أن ما كنت أقوم به كان حدثاً تاريخياً. لأن الرجل ما إن أتى أكتوبر 1973 حتى رحل عن عالمنا.

هكذا بدأ حوارى معه المنشور فى مجلة المصور:

- على مدى خمسة عشر يوماً عقد مجمع اللغة العربية بالقاهرة الدورة (29) ليناقش أعضاؤه مصطلحات الفيزيقيات النووية والمصطلحات الاقتصادية والمصطلحات الكيميائية والجيولوجية وتلقى فيه الأبحاث التى تتناول قضايا اللغة العربية وربما كان من المعتاد فى كل دورة أن تقرأ فى الصحف اليومية خبر بدء دورات المجمع وخبر انتهائها، وما تم إنجازه من الأعمال ثم نمر عليها مر الكرام، كأن الأمر لا يعنينا وتظل أعمال المجمع وإنجازاته فى النهاية سراً خاصاً بالمجمعيين وحدهم، رغم أن ما يناقشونه متصل بناء بحياتنا، بوجودنا نفسه، إنه اللغة التى نتفاهم بها. ورغم أهمية لغتنا أو قضاياها فلا يوجد لها فى العالم العربى كله سوى ثلاثة مجامع فقط. مجمع القاهرة وهو أقدمها حيث أنشئ سنة 1932 ثم مجمع فى بغداد وآخر فى سوريا. إذا كانت اللغة هى ما يخص المتكلمين بها جميعاً مهما كانت درجة اختلافهم، فلا بد وأن تكون دورة المجمع مناسبة لحديث قد يطول عن لغتنا.

وكان الحديث مع عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ليس بصفته رئيساً لمجمع اللغة العربية فقط بل باعتباره أباً وأستاذاً ورائداً من رواد أدب الفكر العربى.

سألته:

* لماذا لا يقام مجمع واحد للغة العربية فى العالم العربى كله؟.

فسألنى:

- وهل تمت الوحدة السياسية بين دول العالم العربى حتى الآن؟.

ثم أكمل:

- عندما تتم الوحدة السياسية لا بد وأن يتبعها توحيد مجامع اللغة العربية الموجودة بمعنى أن يكون هناك مجمع واحد للغة العربية فى العالم العربى كله.

* وإلى أن يتم ذلك. بم يهتم هذا المجمع؟.

- باللغة العربية الفصحى فقط، نحن لا نهتم إلا باللغة الفصحى حيث أنها لغة واحدة. أما اللهجات المختلفة والعامية فهى ليست لغة.

* حتى ما يُكتب أدباً؟.

- ما يكتب باللغة العامية ليس أدباً، وليس ذلك بموجب قانون المجمع ولكن لأننا أساساً عرب.

وقبل أن أتكلم قال الدكتور طه حسين بصوته العميق ونطقه المعجز للكلمات:

- كان يجب أن نكون أكثر اعتزازاً بلغتنا أكثر مما يحدث. المجمع اللغوى – يقول الدكتور طه حسين أنه يتعب نفسه كثيراً بتعريب المصطلحات الحضارية وخاصة المصطلحات العلمية ثم لا ينفذ أى شئ مما نقوم به.

* لِمَ؟ من المسئول عن هذا؟.

- المجمع ليس سلطة تنفيذية ولا أرجو له أن يكون كذلك. لا أطلب له أى سلطة أو اتصال بالجماهير فالمجمع جهة معنية بالبحث العلمى فقط. وعلى الحكومة أن تستفيد بالنتائج التى يصل إليها المجمع وهذا ما لا يحدث والأمثلة كثيرة: حتى الآن فى التعليم الثانوى يدرس التلاميذ باللغة العامية لِمَ؟ دار العلوم لها مائة سنة، ماذا عملت باللغة العربية؟ تخرج معلمين ينقلون الكلام الموجود فى الكتب إلى تلاميذهم وكفى. وكل هذا يدل على أن التعليم فى مصر سيئ.

- كان يجب أن يصل الإلزام الآن إلى المدارس الثانوية أو الإعدادية على الأقل لو كان الأمر بيدى لفعلت هذا. التعليم أهم الأسس بالنسبة للغة أى قوم. إن الأمية الآن هى الأغلبية فى مصر وبالتأكيد هناك أميون جدد ما دام نظام الإلزام ليس حاسماً وهذا ما يقلل من جهود المجمع بخصوص اللغة. إن الأمية سبب لكثير من المشاكل فالخطباء فى المساجد يدخلون العامية فى الخطب كى يفهم الناس ما يقولون وفى المدارس فى حصص اللغة العربية وفى دروس تفسير القرآن الكريم فى الأزهر الشريف كل ذلك يتم من خلال العامية فلِمَ كل هذا؟.

* ودور الجامعات؟.

- أولاً المراجع العلمية لم تعرب كلها ولو تمت ترجمة أهم المراجع العلمية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية لكانت لغتنا هى سيدة الموقف الآن فى الجامعة، ولكن الحال غير ذلك وأنا أسأل بالتحديد: هل يحدث هذا الآن فى باريس، بمعنى هل يدرس فى جامعات باريس بأى لغة أخرى غير اللغة الفرنسية؟ والجواب طبعاً لا. أرفض أن يكون تدريس بعض المواد باللغات الأجنبية مهما كانت الأسباب وخاصة كلية الطب والهندسة والصيدلة ويجب أن يكون هناك إلزام بأن يكون التدريس باللغة العربية وحدها ولا يستثنى هذا سوى الكليات التى تدرس اللغات الأجنبية وحدها.

* ألفاظ الحضارة التى تعرب بمعرفة المجمع، لماذا لا تستخدم فى الحياة العامة؟.

- لا تسلنى، سل الحكومة. ما زلنا نقول التليفون والتليفزيون والأوتوبيس، رغم أن بعض الدول العربية مثل الكويت والعراق تقول الهاتف والحافلة والإذاعة المرئية. إن مهمة المجمع تقف عند حدود النشر فقط، والمفروض أن تقوم وزارة التربية والتعليم العالى والثقافة والإعلام بعمل شىء لأنها المسئولة.

* ومجامع اللغات الأخرى فى العالم، هل تتصلون بها؟

- لا يوجد أى اتصال بين مجمع اللغة العربية فى القاهرة ومجامع اللغة الأخرى فى العالم. فى باريس لا يعرفون عنا أى شىء، والمطلوب تنظيم ذلك الاتصال ففيه كل الفائدة.

* وجهود المستشرقين لدراسة اللغة العربية؟.

- المستشرقون لا يهمهم إلا نقل ما فى اللغة العربية، وكل جهودهم تتم لصالح لغاتهم أصلاً وليس لصالح اللغة العربية وكل الفائدة التى تعود على اللغة العربية هى انتشارها خارج الوصل العربى فقط.

واسأل الدكتور طه حسين عن مشاكل وقضايا المجمع، ويقول على الفور:

- يجب أن يكون للمجمع إستقلال خاص من الناحية المالية والإدارية فكل شئ مرهون بموافقة الثقافة ثم الخزانة كما نود الاهتمام بإحياء التراث، تراث اللغة العربية ونشره وتقديمه مع الدراسات اللازمة، ولكن الميزانية حالت دون ذلك.. كان آخر ما قاله لى الدكتور طه حسين:

- اللغة العربية تمر الآن بأزمة وأزمة حادة.

- والمظاهر علاوة على ما سبق – كثيرة – ما يترجم الآن رديء والسبب عدم إجادة المترجم للغة الأم المترجم إليها، أقصد العربية، ما يكتبه الأدباء الشباب. والسبب أيضاً اللغة، لم ينالوا التعليم الكافى من ناحية اللغة.

مرغماً تركته، فكان بودى أن أسمع منه أكثر. ولكن هذا كل ما قاله لى.

* * *

وهكذا ذهبت إلى العميد سائلاً، وبدلاً من أن يكتفى بالإجابة عن تساؤلاتى، وكعملاق كبير يشكل فاصلاً ضخماً فى تاريخ الأدب العربى الحديث - له ما قبله وله ما بعده – حوَّل إجاباته إلى تساؤلات كبرى. والفارق بين سؤالى وتساؤله، أن السؤال له إجابة محددة، فى حين أن التساؤل علامة استفهام كبرى تبحث عن الحقيقة دائماً وأبداً. ربما حتى الآن بعد رحيله بـ 46 عاماً، لا تزال التساؤلات والأسئلة تبحث عن إجابات. ولغتنا العربية لا تزال تبحث عمن ينقذها.

* * *

مشاكل المجمع.

نعود الآن إلى مجمع اللغة العربية حيث تعقد الدورة (29) إلى من يحضرها، علاوة على أعضاء المجمع المصريين 150 عضواً من الوطن العربى يجمع بينهم الاهتمام باللغة العربية وقضاياها.

كان لقائى مع الدكتور إبراهيم مدكور الأمين العام للمجمع والموضوع: مشاكل المجمع. المبنى يقف على رأس قائمة المشاكل. المبنى الحالى مبنى منذ أكثر من أربعين سنة، والمطلوب مبنى آخر، وبالفعل خصصت قطعة أرض لإقامة المجمع الجديد، لكن الطريق لا يزال طويلاً. الإجراءات لا تنتهى عند حد ثم – يكمل الدكتور مدكور – التقصير الكامل من جهة أجهزة الإعلام. من الممكن أن تقوم أجهزة الإعلام بدورين. أن تساعد على تنقية لغة الناس ثم توصل ما يقوم به المجمع من جهود وأبحاث وأكبر عدد ممكن من الجماهير، وهذا ما يجب أن تقوم به أجهزة الإعلام كلها ونهحن ندرك مدى تقصير وسائل الإعلام عندما نعرف أن المجمع ومطبوعات المجمع وكتبه تنشر وتتداول خارج مصر أكثر من داخلها.

وأخيراً نطالب ببعض السعة فى اعتمادات المجمع، فرسالته التى يقوم بها تفرض ذلك وتتطلبه حيث لا تقف الميزانية وبنودها عائقاً أمام أعمال هامة للمجمع مثل الاطلاع على كل ما ينشر فى الخارج عن اللغة العربية وعمل الدراسات والبحوث عن تراث اللغة العربية وإحياء مسابقات المجمع للأعمال الأدبية كل عام بشكلها القديم.

    الاكثر قراءة