السبت 29 يونيو 2024

الأوبرا المصرية رمز الحرية والإبداع

فن25-10-2020 | 10:40

شاشة صغيرة كانت بالأبيض والأسود وتطورت حتى أصبحت بالألوان ، تلك الشاشة كنا في الصعيد نطل منها على كل فعاليات ما كان يحدث بالقاهرة وبالطبع كانت الأوبرا كفن إبداعي تطل علينا من تلك الشاشة .

يعتبر المركز الثقافي القومى المتعارف عليه باسم (دار الأوبرا المصرية) أحد أهم المنارات الثقافية في مصر، فمنذ إنشائه عام 1988  ، وهو يقدم الفنون الرفيعة والأنشطة الإبداعية المختلفة بأسعار رمزية (في أغلب الأحيان) وذلك بهدف جذب الجماهير إليه، كما حرصت الإدارات المتعاقبة عليه على تقديم فنون متنوعة غنائية وموسيقية بجانب الأوبرا لتحقيق التواصل مع طبقات عريضة من المجتمع ولذلك لم يعد دخول الأوبرا مقصورا على فئة معينة من الطبقة المثقفة (وبالملابس الرسمية) بل صارت مركزا لفئات كثيرة من المجتمع وخاصة من الشباب وهم يتجولون في ساحاتها الخارجية وسط حضور رموز الفن والموسيقى من مصر والعالم، والتي تتزين الساحات بمجسماتهم، حيث يقام مسرح بجوار كل تمثال يعرض عليه أعماله، منهم كوكب الشرق أم كلثوم، العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والموسيقار العالمي تشايكوفسكي.

كانت فكرتنا في الصعيد عن الأوبرا هي ذلك المكان الذي لابد من دخوله بالبدل "الإسموكن"  والتي لا يسمح بدخولها لمن يرتدون الجلباب أو أي زى آخر ،لكنى أنحدر كمصري للفراعنة وفن الأوبرا ليس فنا بعيدا عن تذوق الشرقيين أو المصريين خاصة، فالتاريخ المصري القديم مملوء بالنماذج الموسيقية المصاحبة بالآداء الدرامي والشعر، وعلى جدران المعابد نقشت تسجيلات رائعة للعديد من الاحتفالات المصرية القديمة والتي يظهر فيها مدى الاهتمام بفن الموسيقى والغناء والرقص، حتى إنهم اخترعوا العديد من الآلات الموسيقية عشقا للموسيقى، فنجد آلة الهارب الشهيرة التي أجريت عليها تطورات مختلفة حتى وصلت حاليا إلى آلة العود الشرقي.

ويعتبر هذا الصرح الثقافي الكبير الذى افتتح يوم 10 أكتوبر عام  1988 ، هو البديل عن دار الأوبرا والتي بناها الخديو إسماعيل 1869 ، واحترقت في 28 أكتوبر عام 1971 ، بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة 102 عاما.

عندما عملت بالصحافة وكنت محررا فنيا بمجلة المصور دخلت لأول مرة دار الأوبرا المصرية وأتعرف على تاريخها والذى يرجع إلى فترة الازدهار التي شهدها عصر الخديو إسماعيل في كافة المجالات وقد أمر الخديو إسماعيل ببناء دار الأوبرا الخديوية بحي الأزبكية بوسط القاهرة بمناسبة افتتاح قناة السويس حيث اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا وتم بناء الأوبرا خلال ستة أشهر فقط بعد أن وضع تصميمها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروس وكانت رغبة الخديو متجهة نحو أوبرا مصرية يفتتح بها دار الأوبرا الخديوية وهى أوبرا عايدة وقد وضع موسيقاها الموسيقار الإيطالي فيردى لكن الظروف حالت دون تقديمها فقدمت أوبرا ريجوليتو في الافتتاح الرسمي الذي حضره الخديو إسماعيل والإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولى عهد بروسيا وكانت دار الأوبرا الخديوية التي احترقت فجر 28 أكتوبر عام 1971 تتسع لـ 850 شخصا وكان هناك مكان مخصص للشخصيات الهامة واتسمت تلك الدار بالعظمة والفخامة.

شعرت بالانبهار من المبني وغمرتني السعادة من رؤية الفنانين وكان على رأسهم الفنان حسن كامى رحمه الله وفناني الفرق وبدأت في حضور الحفلات بالمسرح الكبير وأصبحت من عشاق الأوبرا وأحد روادها.

نرجع إلى قصة  إنشاء الأوبرا القديمة كما أوردتها الهيئة العامة للاستعلامات والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا بافتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل الذي كان شغوفا بالفنون ولذلك سميت بالأوبرا الخديوية.

ونتيجة حب الخديو إسماعيل للفن الرفيع وشغفه به أراد أن تكون دار الأوبرا الخديوية تحفة معمارية لا تقل عن مثيلاتها في العالم، فكلف المهندسين الإيطاليين أفوسكانى وروسى بوضع تصميم لها يراعي فيه الدقة الفنية والروعة المعمارية، واهتم الخديو إسماعيل بالزخارف والأبهة الفنية فاستعان بعدد من الرسامين والمثالين والمصورين لتزيين الأوبرا وتجميلها.

وقبل أن يتم البناء كان الخديو إسماعيل قد شرع يهيئ لداره الجديدة تراثا فنيا خالصا يشير أول ما يشير إلى ماضي مصر المجيد، فقد طلبت مارييت باشا من الخديو اختيار قصة من صفحات التاريخ المصري القديم تصلح نواة مسرحية شعرية، و قد قام بنظم شعرها الشاعر الإيطالي جيالا نزوق وعهد الخديو إسماعيل إلى الموسيقار فيردى بوضع موسيقاها الرفيعة، فكانت الأوبرا الخالدة "عايدة" بموضوعها الوطني المصري وأغانيها الجياشة وموسيقاها الرائعة من نتاج العبقريات الثلاث.

وتم افتتاح الأوبرا الخديوية في الأول من نوفمبر 1869 ، مع احتفالات قناة السويس وعلى الرغم من اهتمام الخديو إسماعيل ورغبته الأكيدة في أن تفتتح دار الأوبرا الخديوية بعرض أوبرا عايدة حالت الظروف دون تقديمها في موعد الافتتاح وتم افتتاح الأوبرا الخديوية بعرض ريجوليتو.

اعتبرت الأوبرا القديمة هي الأولى في قارة إفريقيا واعتبر مسرحها واحدا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادا وفخامة.

وفي فجر الثامن والعشرين من أكتوبر 1971 ، احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بالكامل ولم يتبق منها سوى تمثالي "الرخاء" و"نهضة الفنون" وهما من عمل الفنان محمد حسن.

تم تشييد الأوبرا الجديدة كمنحة من الحكومة اليابانية لنظيرتها المصرية في عام 1988 ، ومازالت الأوبرا تؤدى دورها التنويري على أكمل وجه حتى في فترة عام حكم الإرهابية لمصر كانت الأوبرا رمزا للصمود في وجه من كانوا يريدون غيابها لأنهم يكرهون الفن والإبداع ، وهاهي الأوبرا المصرية تقف شامخة وتاريخها أكبر وأقدم من تاريخ دول في المنطقة لا تزال رمزآ للحرية والإبداع وشاهدة على عصور من تاريخ مصر وتستمر في دورها المؤثر والإيجابي في المجتمع، كما نجحت في صناعة حضارة فنية من خلال احتفاظها بالتراث المصري والعربي وأيضاً تبني مواهب الشباب والمبدعين بجانب تقديم الفنون والفرق العالمية، فأصبحت إحدى النوافذ المهمة التي يتطلع منها الجمهور على ثقافات الآخر، وباتت أحد المقاصد المهمة لحوار الثقافات بين مصر والعالم.

    الاكثر قراءة