تساءل طه حسين : أتوجد ثقافة مصرية، وماعسي أن تكون؟ وأجاب بيقين قاطع "إنها موجودة ومتميزة بخصالها وأوصافها، وأولها أنها تقوم على وحدتنا الوطنية وتتصل اتصالاً قوياً وعميقاً بنفوسنا المصرية الحديثة وأيضاً بنفوسنا المصرية القديمة، كما تتصل بوجودنا المصري حاضره وماضيه، فهي مطبوعة بالطابع المصري القوي الذي لم يستطع الزمان أن يمحوه أو يعفي آثاره" .. جاءت هذه الكلمات خاتمة كتابه مستقبل الثقافة في مصر، وقد تداعت هذه الكلمات إلى ذهني وأنا أكتب عن بعض نماذج من الكتاب المسيحيين بحكم العقيدة حين طلبت مجلة الهلال مني المشاركة في عددها الخاص عن المسيحية في مصر فتساءلت بدوري هل يوجد في مصر أديب مسيحي وآخر مسلم ؟ وأجبت بيقين طه حسين ليس سوى أديب مصري نشأ وتطور وعيه على هذه الأرض بكل مكوناتها عبر العصور، بخصالها وأوصافها .
وإذا تأملنا نماذج من الكتاب المسيحيين بحكم العقيدة سنجد أنهم لن يختلفوا عن الكتاب الذين يدينون بالإسلام فكلاهما يعيش على نفس الأرض، ويتكلم نفس اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح. فالمشروع الثقافي لهؤلاء لم يرتبط بالعقيدة بقدر ارتباطه بالبيئة المصرية بكل مفرداتها وبنظرة عابرة على المشروع الثقافي لهذه النماذج يتأكد أن العقيدة كانت مسألة شخصية وأنهم جميعاً أبناء لهذه البيئة.
سلامة موسى
هو من الجيل الذي آمن بمصر ، بحضارتها وشعبها وتاريخها، الجيل الذي رفع شعاراً مغزاه أن مصر تستحق أن يضحي الإنسان بكل ما يملك من أجلها ، وكانت هذه المحبة عصب أدب سلامة موسى وجيله في مطلع القرن العشرين، مثل توفيق الحكيم وطه حسين ثم نجيب محفوظ وأخرين، فقد كانت المسألة المصرية محور أعمالهم ، حيث قام المشروع الثقافي لهذا الجيل حول الهوية المصرية. وسلامة موسى الذي ولد في الزقازيق عاش فترة انتقال مصر من التخلف إلى التقدم، وعاين مخاضها وهي تلد هذا المجتمع الجديد ، اتجه سلامة موسى " 1887 - 1958 " وجهة اجتماعية في نظرته للأدب والفكر ووصف بأنه كاتب اجتماعي ، وآمن بالتفكير والتعبير العلمي، حيث درس القانون والاقتصاد والمصرلوجية وكان مولعاً بالعلوم والفلسفة وقرأ لداروين وتأثر بأفكاره، وتعددت الدراسات التى حصل عليها منذ أن تعلم في كتّاب الأقباط بالزقازيق مروراً بالمدرسة التوفيقية ثم الخديوية في القاهرة وصولاً إلى باريس ثم لندن، نهل هذا المفكر من علوم وآداب العصر، والتحق وهو في لندن بالجمعية الفابية التى تنشر الاشتراكية والتقى هناك برنارد شو وتعلم على يد هذا الحكيم وورث عنه الاشتراكية الإنسانية،وحاول أن يسير على خطاه فكان سلامة موسى الكاتب المقاتل المجاهد الذي تبحث أعماله في الهموم والاهتمامات العصرية بالذهن العلمي في ضوء المستقبل، كان مولعاً بالتفاؤل والاستطلاع والتوسع الثقافي في العلم والأدب والفن، وجاءت أولى كتبه "مقدمة السبرمان"رؤية نحو المستقبل وتلاه كتابه الشهير عن الاشتراكية وتنوعت أعمال هذا المفكر الكبير حول فن الحياة، الشخصية الناجحة، النهضة الأوروبية، البلاغة العصرية واللغة العربية، ومصر أصل الحضارة، وأسس مجلة المستقبل ثم المجلة الجديدة، عاش هذا المفكر الرائد من أجل مصر والإنسان وسخر عقله في سبيل التقدم.
لويس عوض
لويس عوض أدركته شهوة إصلاح العالم منذ الصبا وظلت تلازمه حتى الرمق الأخيرمن حياته التى بذلها في سبيل أن تسقط الحواجز بين المعرفة والحياة في كل أعماله، فكل أديب خاض معركة شهيرة في عمره الأدبي، أما لويس عوض فحياته معركة كبرى من عدة جولات، ولهذا نال مجموعة من الألقاب والصفات من المستحيل أن تجتمع في إنسان أو كاتب، فقد حمل على عاتقه تجديد تراث الآباء والأجداد بإعادة فتح باب الاجتهاد فيه على ضوء المنهج العقلي والعلمي، فقد سارعلى نهج أستاذه عميد الأدب العربي ورائد التفكير العقلي والعلمي في القرن العشرين دكتور طه حسين، كان لويس عوض يرى أنه لا سبيل إلى بعث تراثنا وتجديده إلا بإعادة دراسته على ضوء العلم والعقل لنغربله ونفصل هشيمه عن بذوره. وتلك كانت مهمتة الكبرى وخاصة في التراث المصري فقد خصص الجزء الأكبر من حياته لدراسة تاريخ الفكر المصري الحديث، ورفض أن يستسلم للموروث الثقافي أو عبادة الأصنام الفكرية كما فعل غيره، وكانت رسالته واضحة وهي إعمال العقل، والدفع بروح العصر لمناقشة تاريخنا القومي والغريب أن البعض اعتبر هذه الأفعال جريمة ؟ فهل وقف لويس عوض في وجه التاريخ؟ أحيانا أسأل نفسي هذا السؤال، ليس فقط بعد قراءة تاريخ الفكر المصري الحديث والذي ناقش فيه عدداً من الشخصيات التاريخية في محاولة للكشف عن حقيقتها مخالفاً ماهو راسخ ومتعارف عليه، مثل جمال الدين الأفغاني، يعقوب صنوع، المعلم يعقوب، عبدالله النديم، الجبرتي، وأيضاً الشخصيات التى تناولها في مذكراته " أوراق العمر" حيث أعاد قراءة تاريخ تلك المرحلة التى تفتح وعيه فيها، مرحلة الطفولة من خلال قراءة ثلاث حوادث مهمة، وشهيرة، وهي مأساة ريا وسكينة والأسطورة الشعبية لأدهم الشرقاوى، ومحاكمة مرجريت فهمي، والأمر لا يتعلق فقط بالشخصيات التاريخية ولكن كان لهذا المفكر رؤية خاصة جداً، فكان لا يقبل ماهو راسخ، وتوقفت كثيراً أمام تناوله للتاريخ، فكان من الطبيعي أن يثير الجدل حول أبحاثه في الأدب والتى بدأت بالشعر في معركة "بلوتولاند" الشهيرة، ومعركة " الغفران " مع الشيخ محمود شاكر وصولاً إلى موقعة كتاب " فقه اللغة" الذي صودر ونادى البعض بسحب جائزة الدولة التقديرية من صاحب هذا الكتاب! كل هذه المعارك الأدبية كانت بالنسبة لي طبيعية ولكنى توقفت كثيراً أمام أبحاثه في التاريخ ورؤيته التى حطمت ثوابت عديدة، حين دخل حقول الألغام في التاريخ المصري، دخلها بأسلحة المفكر صاحب المنهج العقلاني وليس المؤرخ الباحث، حين تناول بشجاعة نادرة شخصيتين أثير حولهما الجدل " المعلم يعقوب الذي انتصر له لويس عوض، وجمال الدين الأفغاني الذي نزع من حوله هالة القداسة ووصفه بالإيراني الغامض، ولم يعبأ بكونه قبطياً وسوف يستغل أعدائه هذه الصفة في النيل منه، ويشعر قارئ لويس عوض في كتابته التاريخية أنه يعالج الشخصية درامياً، دون انحراف عن الحقيقة كما يفعل كتاب الدراما، ليرسم صورة درامية للشخصية متسلحاً بالمنهج العلمي وخيال مؤلف الدراما، فجاءت كتابته التى تناولت أحداثاً وشخصيات كبرى، رؤية أدبية ثائرة تفتش في أعماق هذه الشخصيات عن شيء ما يبحث عنه لويس عوض.
ألفريد فرج
قدم ألفريد فرج كل الأشكال المسرحية العربية والغربية في مغامرة كبيرة لكاتب جاد لقراءة الواقع وطرح أسئلته. ولن نبالغ إذا قلنا إن استلهام التراث في المسرح يبدأ وينتهي بألفريد فرج وسوف يقف "حلاق بغداد" و"على جناح التبريزي" و"بق بق الكسلان" و"الزير سالم" و"سليمان الحلبي".. ليشهدوا على ذلك، حيث جاءت مسرحيته الأولى "سقوط فرعون" بمثابة الصدمة العنيفة التى هزت أركان الواقع المسرحي المصري، وأثارت جدلاً كبيراً بين المثقفين بين مؤيد ومعارض حين قدمتها دار الأوبرا عام 1957، والتاريخ ذو دلالة قوية فهو ذروة ازدهار المسرح المصري حيث كانت الأسماء الكبرى تملأ مسارح القاهرة، توفيق الحكيم، يوسف إدريس ونعمان عاشور ومحمود دياب وغيرهم بالإضافة إلى جيل المخرجين الكبار، وحين أخرج حمدي غيث "سقوط فرعون" كان معه فريق من الممثلين نجوم المرحلة ومنهم حسين رياض، فؤاد شفيق، حسن البارودي، شفيق نور الدين، فاخر فاخر، محمد الطوخي، محمد الدفراوي، صلاح سرحان، عبدالله غيث، سميحة أيوب، سناء جميل، سهير البابلي، رجاء حسين، فقد كان كل هؤلاء في العمل الأول للكاتب المسرحي الشاب وقتذاك ألفريد فرج، فهو من مواليد النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي، ولم يحدد عام مولده بالضبط وهذا أمرغريب، فقد قيل عام 1925أو 26 أو 29 وفي كل الأحوال كان في مقتبل العمر، وكانت مسرحية "سقوط فرعون" تدور حول أخناتون رائد دعوة التوحيد والمثالية الأخلاقية الذي يدعو في مسرحية ألفريد فرج إلى السلام المطلق ويرفض أن يلجأ إلى الحرب، وانقسم المثقفون بين مؤيد ومعارض حيث رأى فيها لويس عوض عملاً تراجيدياً ناقصاً حسب مواصفات أرسطو، لكنه لمس جانباً في هذه التجربة من مقومات الفن يجعلها ذات مغزى في تاريخ المسرح الحديث، ورأى فيها فاروق عبد القادر أنها أسست ملامح مسرح ألفريد فرج ويلخصه في فكرة الابتعاد من أجل الاقتراب ومفارقة الواقع وتجريده مما هو عابر ومباشر من أجل العودة إليه على نحو أصفى وأكثر تركيزاً أو طرح قضاياه الأساسية من وراء قناع عصر آخر.
وعلى الرغم من تباين الأراء حول رؤيتة التى طرحها في هذا النص إلا أن من يقرأ "سقوط فرعون" والأعمال التالية فيما بعد لن يختلف حول اللغة الخاصة التى تميز بها هذا العمل واستمرت حتى آخر مسرحياته، فقارئ النصوص أو مشاهد العروض لهذا الكاتب الاستثنائي في تاريخ المسرح المصري سيتوقف كثيراً أمام لغته المسرحية التى جمعت بين البساطة والعفوية إلى جانب الحس الشعري الذى تميزت به هذه الأعمال، لم لا وقد بدأ حياته شاعراً فهناك مقاطع كامله على سبيل المثال في مسرحيات "الزير سالم، سليمان الحلبي"، بمثابة قصائد شعرية رائعة ذات بنية درامية محكمة ، وكان التحدي أن يكتب هذه اللغة الشعرية ذات البعد الفلسفي العميق في أسلوب يفهمه ويستوعبه مشاهد المسرح ويكون طيعاً في فم الممثلين.
كان ألفريد فرج يلجأ إلى التراث العربي أو يستلهم الأشكال الغربية ولكن كان هناك مبدأ لا يتغير لديه وهو طرح قضايا اللحظة الراهنة وقراءة الواقع في كل أعماله ثم يعود إلى ألف ليلة وليلة ويكتب رسائل قاضي أشبيلية عام 1975 ، وذلك بعد خروجه من مصر وتنقله بين الجزائر وبغداد ولندن، وكان خروجه عام 1974، حين وقع مع الكتاب الذين وقعوا على بيان توفيق الحكيم في نهاية 1973، والذين طالبوا فيه الرئيس الراحل أنور السادات بالخروج من حالة اللاسلم واللاحرب، فتم فصل جميع الموقعين من الاتحاد الاشتراكي وبالتالي فصلهم من وظائفهم ، وكان ألفريد فرج يعمل في ذلك الوقت في هيئة المسرح ، وكانت تعرض له في نفس الوقت مسرحية جواز على ورقة طلاق، وبالطبع تم إيقافها، لتأتي مسرحية رسائل قاضي أشبيلية في تلك الفترة لتناقش قضية العدل، قضية ألفريد فرج الأثيرة من خلال طرح أفكاره حول الحرية والقانون والعدل والقوة، ثلاث رسائل كتبها القاضي الذي قرر اعتزال كرسي القضاء فطلب منه الأمير أن يكتب حول أغرب القضايا التى حكم فيها، فكتب السوق والأرض والعقاب، والرسائل الثلاثة تدل على براعة المؤلف في استلهام ألف ليلة وليلة بالإضافة إلى دلالة هذه الفترة وخروجه من مصر . وحين عاد عام 203 لسحر الليالي في مسرحية " الأميرة والصعلوك " وهي أخر ماكتب وكانت تعرض على خشبة المسرح القومي يوم رحيله ، وطرح من خلالها رؤية مختلفة ابتعدت عن الأيدلوجيا والقضايا السياسية ، فقط كان الانتصار لقيمة المحبة ولكنه حافظ على لغته الشاعرة التى لاتخلو من البساطة وتشي بفلسفة عميقة استمرت معه في أكثر من أربعين مسرحية كتبها ألفريد فرج وتنوعت بين المسرح التسجيلي في النار والزيتون والمسرح الشعبي في زواج على ورقة طلاق وعسكر وحرامية واستلهام الف ليلة وليلة في ست مسرحيات بالإضافة إلي التراجيديا الإغريقية في الزير سالم التى كتبها عام 1967 وكل تواريخ كتابة أعماله تحمل دلالات عميقة ليؤسس بالفعل مسرح الفكر والفرجة ، الفكر العميق لشخصياته البسيطة التى جسدت أعمق القضايا الإنسانية في أسلوب استفاد من الفرجة المسرحية الشعبية .
غالي شكري
أسس غالي شكري مشروعه الثقافي علي مدي أربعين عاماً انحاز فيه للقيمة الجمالية الحية وارتباطها بالحياة والإنسان وكناقد سسيولجي وضع الخلفية الإجتماعية والواقع العربي في مخيلته مستعيناً بمناهج النقد المعاصر دون تقليدها أو تطبيقها تطبيقاً تعسفياً كما يحدث في أغلب الأحيان ، وأستطاع أن يرصد ويقرأ واقع الأدب العربي علي مدي أربعين عاماً قدم خلالها مايقرب من خمس وأربعين كتاباً ، لم تكن فقط بمثابة النقد والتحليل للأدب والفكر ولكن ليؤسس بها مشروعاً فكريا ليبرالياً ساهم في الفكر العربي من الستينات وحتى رحيله عام 1998 ، لقد كان غالي شكري الذي اتخذ من علم إجتماع الأدب أداة لقراءة الواقع ، ليس فقط ناقداً أدبياً متميزاً بل ناقداً للفكر السياسي في المجتمع ، ليقرأ ثنائية النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث ، حيث رصد النهضة العربية التى بدأت في القرن التاسع عشر وحتى مرحلة السقوط، وهي الأطروحة التى تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه من السوربون حين اتخذ من التحليل الإجتماعي للثقافة منهجاً ليستخلص القوانين الاجتماعية الثقافية المضمرة في ظاهرة النهضة والسقوط ، ثم دراسته الجريئة حول الثورة المضادة في مصر ، والتى تقرأ بدقة وشجاعة أسباب انهيار المجتمع المصري في سبعينات القرن الماضي ، فلم يكن غالي شكري محايداً ، بل أعلن الحرب علي أسباب التدهور والفساد في المجتمع المصري وفضح خفايا وأسرار هذا التدهور في كتابه " من الأرشيف السري للثقافة المصرية والكتاب في ظاهره نظره على مطبخ الحقبة الناصرية وبداية عصر السادات من الداخل ، نظرة ليس فقط على أطباق الطعام الشهية ولكن على الطباخين الأشرار ،نظرة على حوض الغسيل وسلة المهملات ، فالأمر يتجاوز المعركة بين اليمين واليسار ، انه هو تأريخ لبداية السقوط، والشاهد من أبناء هذا الجيل الذي كان شريكا فاعلاً في المعركة السرية والعلنية بين مثقفي اليمين وبقية صفوف الثقافة الوطنية.
إدوار الخراط
التقيت إدوار الخراط في نهايات التسعينات من القرن الماضي ، ومن قبل اكتفيت بقراءة أعماله ، وربما منعنى من الاقتراب منه نجوميته الكبيرة في تلك الفترة ، روائياً راسخاً وناقداً أدبياً وشاعراً ومترجماً وكاتباً للإذاعة ، وحوله العديد من التلاميذ ، ومصطلحات تصدرعنه وأخري تُنسب إليه، كان يملأ الدنيا صخباً بالحساسية الجديدة ، والكتابة عبر النوعية ، والحداثة وأصواتها ، كنت أشعر أنه مؤسسة أدبية مستقلة قائمة بذاتها، كانت أعماله بالنسبة لي عالماً خاصاً يغرد وحيداً خارج سرب جيل الستينات ليس فقط من خلال رواياته وأيضاً من خلال رؤيته للأدب في كتاباته النقدية ، فلم يشأ كغيره من أبناء جيله أن يكون روائياً متميزاً ، كان إدوار الخراط المثقف المتميز الفاعل والمؤثر في الحياة الثقافية معلماً مغامراً يسعي دائماً إلي التجديد والبحث عن أفاق غير مألوفة في دروب الأدب ، فآثار حوله جدلاً كبيراً لم ولن ينتهي، فهو الروائي والشاعر والرسام والناقد الأدبي وصاحب الآراء المثيرة للجدل ، إنحاز إدوار الخراط للتجديد ، فلم يكن جماهيرياً كغيره من الكتاب ، اختار الطريق الأصعب لقراءة الواقع ، وكنت سعيداً بالمناقشة معه ، واللقاءات المتعددة بيننا ، وفي أحيان كثيرة كنت أسأل نفسي ولا أسأله لماذا لم يتفرغ للرواية ، ويقلع عن النقد الأدبي وكتابة الشعر والترجمة ، ويخلص فقط للرواية التى قدم من خلالها مجموعة من الأعمال الخالدة ،" ترابها زعفران ، الزمن الآخر ، رامة والتنين " وغيرها من الأعمال المهمة ، وظنى أنه كان يشعر بأن للمثقف دور في الحياة ، لابد أن يمارسه ، وبالفعل قدم للحياة الثقافية ما لم يكن أن تنساه ، وكان مؤثراً ، وقدم للحياة الأدبية العديد من الكتاب ، واعتبرت نفسي محظوظاً أنني التقيته في سن مبكرة ، وذات مساء كنا نتحدث عن الشعر ، فقلت له أنه روائي عظيم وسوف يذكر تاريخ الرواية العربية أعمالة بفخر ، لكنني على المستوى الشخصي لا أحب شعره ، أشعر أنه شعر ذهني يخلو من الشعور ، فهاج وماج كطفل سلبوه لعبة ، وراح ساعة يحدثني عن الشعر ، وعن شعره ، حاضرني لمد ساعة تقريباً دفاعاً عن شعره ، ولم يهدأ غضبه ، حاولت تهدئته فلم أستطع ، ولعدة أيام حاولت أخبره أنني لا أقصد ، فهو كاتب عظيم ، فلم يهدأ ولم يغفر لي حتى موته أنني لم أحب شعره ، رغم أنه يعرف أنني أقدره حق تقدير ، فلم يكن إدوار الخراط يقبل أقل من الكمال في كل شيء ، وسوف تذكر له الثقافة العربية دوره الفعال والمؤثر.