الجمعة 27 سبتمبر 2024

نظرة سريعة على المسرح الكنسي في مصر

فن26-10-2020 | 20:48

على مر السنين ظلت الكنيسة المصرية راعية للفنون بمختلف أنواعها، فبالنظر إليها لا نجد أى كنيسة تخلو من وجود مسرح ولو صغير، بجانب فرق الترانيم والموسيقى، ومع ظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبحت الكنائس المصرية الآن ترعى مهرجانات فنية كبرى للسينما والمسرح والموسيقى، بالإضافة إلى إقامتها مجموعة من ورش العمل على يد متخصصين لتمنح رعاياها تدريبا خاصا ومكثفا في صناعة السينما والأداء المسرحى والموسيقى والغناء.


ولكن يظل فن المسرح طيفا ساحرا داعب الكنائس على مر العصور في العالم أجمع، وبالنظر لمراحل تطوره في أوروبا مثلا نجده قد بدأ في القرن الرابع الميلادى بالمسرح الدينى الطقسى ومسرح الأسرار، ومعجزات القديسين، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار موقف الكنيسة المتناقض حينها من فن المسرح، حيث طردته أول الأمر وناصبته العداء، ثم ما لبثت أن احتضنته لخدمة الديانة المسيحية التى كانت جديدة حينها.


بينما في مصر مرت مراحل المسرح الكنسي بعدة منحنيات، كان أبرزها تحوله من مسرح دينى يقدم لرعايا الكنيسة فقط، ثم تطوره لمسرح اجتماعي بعض الشىء لم يقوى على الخروج من الكنيسة، إلى المرحلة المهمة التى جاءت بعد ثورة 25 يناير 2011 ، فجعلته يعبر سور الكنيسة ويخرج  إلى النور ويناقش قضايا المجتمع الحالي، فأصبح له متابعين يشاهدون أعماله ويناقشونها، بل وينضمون لمشاركة تلك الفرق في أعمالها.


ولكن عند البحث عن مراحل تطور المسرح الكنسي في مصر نجد صعوبة بالغة في العثور على الببلوجرافيا المرجوة والوثائق المطلوبة، ذلك أن بعض هذه الوثائق قد نفد، وبعضها الآخر مبعثر، أو لم يتم تدوينه وأرشفته وتوثيقه من الأساس، ونتيجة لذلك لا نجد ما يشير إلى كل المدارس الموجودة فى المسرح الكنسى المصرى وفقًا للأزمنة وخصوصيات كل إقليم، بل وكل مذهب، فى مختلف الميادين التى يُمارس فيها الفن المسرحى الكنسى.


أيضا رصدنا مشكلة أخرى تتعلق بعدم وجود كتّاب متخصصين لفن الكتابة المسرحية، نثرًا أو شعرًا، ما دعا بعض مجتهدى التأليف للاستناد إلى قصائد شعرية بحتة، ليست مسرحية، والاكتفاء بأدائها، إضافة إلى الكتابة على نصوص قديمة، أو صنع نماذج تبدو مجرد حلىً خارجية لوعظ مباشر لا يكتسب صفة المسرح، بالإضافة إلى أن صناع المسرح الكنسي قاموا بالاعتماد على نصوص دينية مستلهمة من الإنجيل ومن قصص القديسين، مما جعل المسرح حبيسًا إلى حد بعيد فى قاعات وجدران الكنيسة ومهرجاناتها الخاصة، رغم أن كثيرا من هذه الموضوعات يمكن أن يكون إنسانيًا يصلح لكل إنسان مهما اختلفت عقيدته.


المسرحية الكنسية فى مصر قبل الثورة


عرفت الكنيسة المصرية مبكرًا المسرح والموسيقى والسينما، وكل أشكال الفنون المرئية والمسموعة، واستخدمتها وسيلة لخدمة الدين، ولربط رعاياها بها.. ومن ثم تعددت العروض المسرحية داخل صحن الكنيسة خاصة فى المناسبات الدينية، وأنشأت مراكز ثقافية على شاكلة قاعة النيل للآباء الفرنسيسكان (المركز الكاثوليكى)، ومركز الجيزويت، وغيرهما، وتقيم بشكل منتظم ودورى مهرجانات ومسابقات فنية تتبارى فيها الفرق المنتمية للكنيسة ومنها: مهرجان الكرازة المرقسية، وهو أكبر مهرجان سنوى يشارك فيه قرابة ثمانمائة فرقة، فضلا عن مهرجان مطرانية شبرا الخيمة ويعد أقدم مهرجان مسرحى كنسى فى مصر، بالإضافة إلى مهرجان كنيسة العذراء مريم بالزيتون، ويتميز الأخير عن سابقيه بأنه مهرجان للأفلام السينمائية القصيرة أيضًا، وزد على هذا مهرجان كنيسة الله بشبرا، ويتميز بأنه يضم ترانيم يشترك فى أدائها مسيحيون ومسلمون مثال المرنم ماهر فايز والمنشد على الهلباوى، وهو ما يشهد إقبالا متزايدا كل عام ويتابعه المعجبون والمشغولون بالحركة الفنية فى مصر والعالم.


ولكن هناك بعض المسرحيات التى تتكرر سنويا داخل جدران الكنيسة ومهرجاناتها، منها: مسرحية (الشاب الغنى) وهى مسرحية لمؤلف مجهول صيغت بالعربية الفصحى، لكنها تعد أيقونة أساسية فى مهرجانات الكنيسة كل عام.. وهى نموذج يتضمن نفس روح المسرح الدينى المعتمد على حكايات من الإنجيل والكتاب المقدس.


نجد أيضا مسرحية (دعوة الشيطان) من تأليف مرقص جبران التى قدمت فى قالب مصاغ باللهجة العامية المصرية، فقد قدمت معالجةً للمسرح الكنسى فى شكله الوعظى، متخذةً حكايةً تبدو عصريةً حتى توصل من خلالها المواعظ والحكم التى تريد توصيلها للمشاهد، وكأنها بذلك مسرحية تعليمية أكثر منها فنية.


ولكن بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير التى اندلعت مستندة إلى أسباب عدة، كان أهمها "قانون الطوارئ، سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، تدهور الصحة والتعليم، انعدام العدالة الاجتماعية وزيادة معدلات الفقر" فهب الناس في الشوراع يعبرون عن غضبهم وسخطهم من تلك الأوضاع، كما قام العديد من الفنانين بطرح ومناقشة مسببات الثورة في أعمالهم الفنية التى سبقت اندلاع الثورة بسنوات، خاصة فن المسرح.


وتسبب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتنحى الرئيس الأسبق محمد حسنىى مبارك عن الحكم، وتعاقب العديد من الأحداث المضطربة على البلاد، في أن يخرج المسرح المصرى بصفة عامة من حالة الركود التى عانى منها على مر العقود السابقة.


ومن خلال رؤيتنا للأبحاث العالمية التى أجريت حول تطور المسرح المصرى بعد الثورة، نجد أن البحث الذى أعده مركز "فى مكان الحرب" برئاسة "جيمس ثومبسون" يؤكد أن الفنانين لعبوا دوراً أساسياً فى إحداث التغيير، فقبل الثورة كان الفن والثقافة خاضعين لإشراف ورقابة الدولة، وأصبح المثقفون والكتاب والفنانون حينها شخصيات ثانوية معزولة، وعندما بدأت أحداث الثورة انطلقت أعمال المسرح والجرافيتى والموسيقى بخطوات كبرى نحو الأمام، وتأثرت أعمال المسرح بالاندفاع نحو التوثيق لأحداث الثورة وشهادات متظاهرى ميدان التحرير.


وبالنظر إلى المسرح الكنسى نجده قد شهد إبداعا مختلفا عما هو متعارف عليه سابقا من طقوس دينية وشعارات للوحدة الوطنية، ولكنه شهد إبداعا يناقش قضايا الإنسان المصيرية، ويحاول جاهدا أن يجد حلولا عملية لها، وذلك الإبداع استلهم روحه الجديدة من روح ثورة الخامس والعشرين من يناير، بل وأصبح أكثر التحاما بالواقع الاجتماعى المعاش، وإن لم يغفل اتكائه على النصوص الدينية حتى يومنا هذا.


ومع مرورالوقت أصبحت فرق المسرح الكنسي تزداد وتعبر جدران المهرجانات الفنية في الكنائس، وأصبحت تشارك في مهرجانات مسرحية كبرى داخل مصر وخارجها، بل وأصبحت تلك الفرق تناقش قضايا متجددة تتعلق بالشباب وما يمرون به حديثا، ولكن يظل كل هذا مشوبا بالمواعظ والتعاليم الدينية وتظل الكنيسة المصرية داعمة لفن المسرح ورعايته.