السبت 23 نوفمبر 2024

فن

جرائم العثمانيون .. التدين غطاءً للجريمة

  • 31-10-2020 | 20:52

طباعة

منذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة بتركيا ويحاول الحزب بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة بسط نفوذه على منطقة الشرق الأوسط، مستغلاً حالة الانهيار التي أصابت المنطقة مع ظهور مع عرف آنذاك بـ "الربيع العربي" مع بداية عام 2011، ولا تفوت السلطات التركية أي فرصة للتغني بأمجاد السلطنة العثمانية واستعادة دورها، تلك السلطة التى تعلم تماما أن العالم يدرك أن تاريخها مليء بالجرائم الإنسانية التي تقشعرّ لها الأبدان. 


وثمة ما يمكن ملاحظته أن الأطماع التوسعية للدولة العثمانية، كانت دائما ًمرتبطة بنشر ثقافة الموت، ابتداء من فكرة الجيش الانكشاري الذي كان يقوم على فكرة أن الطفل الضعيف يستحق الموت، وصولاً إلى المذابح المرتكبة بحق الشعوب الأخرى، والأقليات الطائفية والدينية. جرائم الاحتلال التركي فضحها كُتاب وباحثون، حول ممارسات السلاطين من استبداد وقمع ومذابح بحق سكان المناطق التي احتلوها خلال أربعة قرون وكشفت الوجه القبيح لحكم الأتراك واستحواذهم على السلطة والثروة، دون وازع من دين أو دم.


ولا شك أن الثورات العربية التى شهدتها المنطقة مطلع عام 2011 ساهم في صعود التركي الجديد ودفع إلى العودة لتاريخ الدولة العثمانية في المنطقة، لكن من دون أن يخطر على بال أحد عن أي دولة هم يتحدثون، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يشهد فيها الشارع التركي أيضاً نقاشاً مثيراً عن ماهية هذه الدولة، والتى يحاول حزب العدالة والتنمية بشتى الطرق مستغلاً أن له أبواقاً إعلامية في مختلف الدول العربية بدعوة إعادة النفوذ التركي للدول العربية التي كانت تابعة بدرجات مختلفة لسلاطين الدولة العثمانية. 


ومن الحقائق التى لا يمكن إنكارها في الوقت الذي تتنكر فيه تركيا لجرائمها أن أكثر الكلمات التى استخدمت إبان الاحتلال العثماني للدول العربية، هي كلمات “غزو، قتل، مذابح، فساد، رشوة”، وذاك هو الميراث الذي تركه لصوص الدولة العثمانية في ذاكرة العرب، طوال ثلاثة قرون من الاحتلال، حيث عانت المنطقة العربية من القتل والقمع والتشريد والتسخير والنفي الجماعي لأهلها، في ظل ظروف إنسانية كانت الأسوأ على الإطلاق، حيث تفشت الأمراض والأوبئة التي كان الفقر عاملاً مهما في انتشارها، والتجنيد الإجباري للرجال والشبان وزجهم بالحروب في سبيل أطماع العثمانيين التوسعية، ناهيك عن انتشار الشعوذة والدجل والخرافة وتراجع دور العلم، بل واضطهاد الطبقة المثقفة ما أدى إلى هجرة الأدمغة، فضلاً عن الفقر والضرائب الباهظة، التي كان ينهبها جنود الانكشارية ورعاع الترك. 


*تدين العثمانين .. الدين غطاء للجريمة 


خلال ما يزيد على أربعة قرون عانت خلالها شعوب المنطقة العربية والدول المجاورة لما يسميه الأتراك “الإمبراطورية العثمانية” من الاستغلال والتخلف، تحت سياسة التجهيل والإفقار واستنزاف الموارد البشرية بدعوى الجهاد المقدّس، ورفع راية الإسلام. وللمفارقات العجيبة أن هذه الإمبراطورية التي كانت تتخذ من الإسلام ستاراً هي ذاتها من تنازلت عن “المسجد الأقصى” وسمحت بإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وسمحت بتنفيذ المخطط الاستيطاني، متنازلة عن حقوق مئات الآلاف من الفلسطينيين يومها، وتهجيرهم من أراضيهم.


تحت وطأة الاحتلال العثماني عانت الدول العربية وارتكبت المذابح باسم الدين وتحت راية الدين يقتل أهل الدين الواحد بعضهم بعض، ففي مرج دابق جعل سليم الأول من دماء المماليك المسلمين أنهاراً تجري تحت راية الإسلام، ولم يكتف بذلك ليتوجه إلى العلويين ويصنع من جثامينهم تلالاً في مدينة حلب عرفت باسم مذبحة التل بحلب، وفي قلب القاهرة نهبت البيوت وأٌحرقت المساجد وعلقت الرؤوس على الأبواب باسم الدين. ومنها إلى مدينة كربلاء، والمدينة المنورة، لتتكرر المشاهد وبنفس الأسلوب في معظم المدن العربية بدعوى الحرب المقدسة، وهكذا اشتهرت سيرة سليم الأول بالسوء في كافة المناطق التي دخلها، حتى عجز مؤرخو بني عثمان عن إخفاء دمويته.

إن جرائم الاحتلال العثماني فضحها كثير من الكتاب والباحثين ونشرتها وثائق التاريخ وكشفت للعالم الوجه القبيح للممارسات العثمانية ضد شعوب الدول التي غزتها، وتحاول الآلة الإعلامية التركية بشتى الطرق وعبر مختلف القنوات الإعلامية تجميل وجه تركيا القبيح، وتزييف حقائق التاريخ، ومحاولة طمس جرائم العثمانيين التى امتدت إلى كل المدن التى دخلوها وكل البلاد التى عاينوها، وهو ما وثقه المؤرخون والباحثون من مختلف دول العالم، وبالتأكيد كان أبرزها مذابح الأرمن، إلا أن هناك عشرات المجازر الأخرى التى ارتكبها الأتراك بحق الإنسانية.


*الإبادة الجماعية لليونانيين  "مذابح اليونانيين البونتيك" 


كانت إبادة جماعية ممنهجة ارتكبها الأتراك بحق السكان المسيحيين اليونانيين العثمانيين، والتي نفذت في وطنهم التاريخي في الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها بين عامي 1914 ، 1922.


وصفت تلك الإبادة بالممنهجة، لانها بدأت بتحريض من قبل الحكومة العثمانية والحركة الوطنية التركية ضد السكان الأصليين من اليونانيين للإمبراطورية اليونانية في البنطس وغيرها من المناطق التي تقطنها الأقليات الإغريقية. 


تضمنت الحملة مذابح، وعمليات نفي وتهجير من المناطق والتي تضمنت حملات قتل واسعة ضد هذه الأقليات؛ متمثلة في مجازر وعمليات الترحيل القسري من خلال مسيرات الموت أو الإعدام التعسفي، فضلًا عن تدمير المعالم المسيحية الأرثوذكسية الثقافية والتاريخية والدينية. 


وفقاً لمصادر مختلفة، قتل عدة مئات الآلاف من العثمانيين اليونانيين خلال هذه الفترة، وهرب معظم اللاجئين والناجين إلى اليونان (بإضافة أكثر من الربع إلى السكان السابقين في اليونان)، ولجأ البعض وخاصةً في المقاطعات الشرقية، إلى الإمبراطورية الروسية المجاورة. وكان عدد الضحايا اليونانيين وفقاً للمصادر يتراوح بين 450,000 إلى 750,000.


أدانت قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى المجازر التي كانت ترعاها الحكومة العثمانية وصنفتها على أنها جرائم ضد الإنسانية. ونفت الحكومة الوارثة للدولة العثمانية المذابح، والتي تعتبر أن الحملات على النطاق الواسع كانت تقوم بها الحكومة العثمانية هي ردًا على أعمال الأقليات اليونانية ضد الدولة العثمانية، وأن الأقليات اليونانية كانت طابور خامس. أما قوات الحلفاء فقد رأتها بمنظور مختلف، مؤكدةً على أن الدولة العثمانية لها سوابقها في المذابح، والجرائم الإنسانية. 


في عام 2007، قامت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية بتوضيح الهدف من المذبحة مفسرة إياه بأنّ الحملة العثمانية ضد الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية كانت مذبحة، بما فيها الحملة على اليونانيين. وهناك منظمات أيضاً وضحت بأن ما قامت به الحكومة العثمانية كانت عبارة عن مذبحة، بما في ذلك برلمانات قبرص، واليونان، والسويد، وأرمينيا، وهولندا، وألمانيا، والنمسا، وجمهورية التشيك.


*مجزرة القسطنطينية 1821 


إحدى الجرائم العثمانية التى قام بها الأتراك ضد المجتمع اليوناني في مدينة القسطنطينية (إسطنبول) انتقامًا لاندلاع حرب الاستقلال اليونانية (1821-1830). بمجرد وصول خبر الانتفاضة اليونانية إلى العاصمة العثمانية، وقعت في المدينة عمليات إعدام جماعية، ومجازر من نوع الهجمات، وتدمير الكنائس، ونهب ممتلكات السكان اليونانيين في المدينة. كما وذبح أيضًا عدة مئات من التجار اليونانيين في المدينة. 


اشتدت المجازر عندما أمر السلطان العثماني محمود الثاني بشنق بطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي غريغوريوس الخامس المقيم في إسطنبول بعد أن اتهمه بالفشل بضبط المسيحيين اليونانيين في طاعة السلطات العثمانية، وذلك بحسب المهمة التي كان من المفترض أن ينفذها، وتم ذلك مباشرة بعد احتفال البطريرك بقداس عيد الفصح عام 1821 وأعدم وهو مرتدٍ كمال زيه الديني، وإكراماً لذكراه تم إغلاق بوابة المجمع البطريركي منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وفي حين ادعت السلطات على أن المجاز مجرد رد فعل سياسي لاندلاع الثورة اليونانية، والتي تركزت في جنوب اليونان. لم تكن هناك علاقة بين ضحايا هذه الأعمال وبين الثورة، كما ولم تجر أية تحقيقات جدية من الجانب العثماني من أجل إثبات أن هناك أي نوع من التدخل من قبل الشعب أو تنفيذ فيهم حكم الإعدام.

*العثمانيون والأكراد.. تاريخ من الاستغلال


هناك الكثير من الإشكالات التاريخية في تشريح هذه المرحلة، إلا أن نتائجها ظاهرة للعيان. فقد أنهت الدولة العثمانية إمارة صوران، الواقعة اليوم في إقليم كردستان العراق سنة 1834، وإمارة بوطان سنة 1847. كما انهارت إمارة بابان بقرار عثماني أيضاً مع منتصف القرن التاسع عشر، وحين تسلم السلطان عبدالحميد الثاني الحكم سنة 1876، كانت الإمارات الكردية التاريخية الممتدة منذ بواكير الحكم الإسلامي لكردستان، قد اختفت تماماً، وخلفت وراءها فوضى ومجازر وحملات تهجير.


وفيما بين عامي 1937 ، 1938 كانت منطقة درسيم التركية مسرحاً لواحدة من أسوأ الإبادات في حق الأكراد. فمن أجل فرض جملة من قوانينها ضد هذا الشعب، اتجهت حكومة الرئيس التركي، مصطفى كمال أتاتورك، لشن حملة عسكرية على المنطقة انتهت بمقتل وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين العلاهيين الأكراد الزازاكيين لتُصنّف بذلك مذبحة درسيم وكل من مأساة ثورة الشيخ سعيد بيران ومجزرة وادي زيلان ضمن قائمة الجرائم التركية بحق الأكراد.


أكدت تقارير بريطانية سقوط عدد أكبر من الضحايا مؤكدة على مقتل ما لا يقل عن 40 ألفا من أكراد درسيم خلال الأشهر التي استغلها الجيش التركي لشن حملته العسكرية على المنطقة. وفي أواخر العام 2011، اعتذر رئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب أردوغان عن ارتكاب بلاده لمذبحة بحق الأكراد وقتلها لما يقارب 13 ألف كردي بدرسيم، إلا أن الأخير مع وصوله إلى سُدة الرئاسة واصل ما بدأته بلاده من حرب ضد الأكراد فواصل حملاته ضدّهم، وآخرها عمليته العسكرية التي أطلقها ضد الأكراد بشمال سوريا، والتي أعادت للأذهان السيناريوهات السابقة وجعلت كثيرين يتخوفون من حصول إبادات مشابهة كتلك التي جرت بدرسيم.

*جرائم لا تسقط بالتقادم 


امتلك الأتراك رصيداً هائلاً من المجازر التى ارتكبت بحق الشعوب، وهي حقائق تاريخية لم تستطع الآلة الإعلامية والسياسية التركية إنكارها، رغم المحاولات الخبيثة من أردوغان المتلاعب بالألفاظ كما هو معهود دأب على التنصل وعدم الاعتراف بما اقترفته يد العثمانيين من جرائم بشعة يندى لها الجبين.


واليوم يسعى أردوغان المدعى أنه وريث الخلافة الإسلامية تجميل وجه الأتراك القبيح، وتزييف تاريخ الدولة العثمانية البشع التى وثقته كل شهادات المؤرخين من مختلف الجنسيات، محاولاً وضعه في قالب ناصع البياض بالرغم من أنه يتمسك بنهجهم ويسير على خطاهم. ويمارس ذات السياسة العثمانية المتوحشة بحق الدول العربية، فبعد نجاحه في تخريب سوريا، يوجه أسلحته وجيشه إلى ليبيا، في وقت تقف الدولة المصرية تحمل فيه درعًا وسيفًا لتذود بهما عن كرامة الأمة العربية. 


    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة