الأحد 19 مايو 2024

السلطة والخطاب الديني

فن2-11-2020 | 17:28

تتعدد الخطابات الدينية في الإسلام بتعدد المذاهب والفرق والجماعات ومع تعددها تختلف الرؤى والأفكار والأحكام في المسائل العقدية والفقهية والإيمان والقدر والخير والشر والأخلاق والمعاملات، ظهر التشدد والتعصب والفتن المذهبية والطائفية، وليست السلطة ببعيدة عن الانتشار والسيطرة التي يكتسبها هذا الخطاب الديني أو ذاك، ومع هذه الرعاية السياسية للون معين من هذه الخطابات تتأثر وتتشكل عقول الناس عامة والشباب خاصة .

                               -الخوارج -

عقب الفتنة التي نشبت بين الإمام علي بن أبي طالب والصحابي معاوية بن أبي سفيان شهدت الأمة الإسلامية ظهور فرقة الخوارج سنة 37هـ التي أحدثت الكثير من الخلاف والصراع بسبب أفكارها، وعرف الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في الدين وبالتكفير والتطرف، وأهم عقائدهم: تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بخلودهم في النار، وكفروا الصحابة وقتلوا الامام علي بن طالب ، ويقولون ويحرضون بالخروج على الحكام ،وقالوا لا حكم إلا لله، وانشغلوا بالمقاومة والحروب والثورة على السلطة القائمة، والمعارك التي قامت بينهم وبين مخالفيهم وقامت الحرب ضدهم وهزيمتهم فهربوا إلى سجستان واليمن، وكانت لها صولات وجولات من حين لآخر على الحكام والأئمة المسلمين.

                                 -المعتزلة -

في أواخر العصر الأموي بداية القرن الثاني الهجري نشأت في البصرة فرقة المعتزلة ، وازدهرت في العصر العباسي ولعبت دوراً رئيسياً سواء على المستوى الديني أو السياسي، ولقد غلبت على المعتزلة النزعة العقلية فاعتمدوا على العقل في تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل، وانتشرت أفكارهم في مختلف مناطق الدولة الإسلامية وبقي تأثير المعتزلة لسنوات طويلة وقد وصلت الحركة إلى ذروتها السياسية خلال الخلافة العباسية، فكان خطابهم الرائد والمسيطر ويتم تعذيب من يخالفهم في الرأي وكان أبرزها قضية خلق القرآن، وهي فترة الاضطهاد الديني التي أسسها الخليفة العباسي المأمون، حيث عاقب علماء الدين، أو سجنهم وعذبهم حتى الموت ما لم يمتثلوا لعقيدة المعتزلة واستمرت هذه السياسة في عهد المعتصم والواثق.

                                         -الشيعة -

رغم أن ظهور فكرة التشيع كانت في عهد خلافة الإمام علي بن ابي طالب، إلا أن انتشار فرقة الشيعة وخطابها الديني لم يكن له السيطرة المجتمعية سوى مع قيام دولة الأدارسة في المغرب عام 172 هـ ثم انتشر بقوة فكر واعتقاد هذه الفرقة وسيطر على كثير من البلدان قبل وبعد قيام الخلافة الفاطمية في مصر عام 296 هـ واستمر حكمها ثلاثة قرون حتى جاء صلاح الدين الأيوبي وقضى على الخلافة الفاطمية والفكر الشيعي وأغلق مدارسه وعلى رأسها الأزهر وقام بنشر المذهب السني وانحسر المذهب الشيعي في بعض البلدان أبرزها إيران.

                                        -التصوف-

غير معروف بالتحديد متى ظهرت المتصوفة لكن الأقرب تاريخيا أنها ظهرت في القرن الهجري الأول وظهر تأثيرهم الاجتماعي بقوة في منتصف الخلافة العباسية ثم في عهد المماليك، حيث ازدهر الفكر الصوفي، وانتشرت الطرق ومدارس وتكايا المتصوفة وأغدق عليهم الحكام العطايا والنفقات وأوقفوا لهذا النشاط الديني الكثير من الأراضي والمحال، وكان المماليك لا يفعلون أمرا إلا بعد مشاورتهم والاستماع لرأيهم، لدرجة أن طومان باي ظل طوال خمسين يوما يرفض طلب المماليك بأن يتولى سلطنة مصر بعد مقتل عمه قنصوه الغوري على يد العثمانيين، ورضخ طومان باي للأمر بعد تدخل شيخ الصوفية في ذلك الوقت الشيخ أبو السعود الجارحي .

- تجاهل الاصلاح -   

في عهد أسرة محمد علي ظهرت مشاريع إصلاحية لم يكتب لها التطبيق ولم تجد تأييدا من السلطة آنذاك بسبب ثورة مشايخ الأزهر حينها على هذه المشاريع والأفكار الجديدة التي تدعو إلى التعايش مع الحاضر وفتح باب الاجتهاد من جديد والاندماج مع الحضارة وليس الانغلاق، مثل مشروع رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والشيخ المراغي والشيخ علي عبد الرازق والشيخ عبد المتعال الصعيدي، ومع انتشار الفكر الصوفي المدعوم من السلطة الحاكمة وانتشاره في كل البلدان الإسلامية ظهر فكر مناهض له مدعوم بالسلطة أيضا، وهو فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي حظي بدعم كبير من الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية حتى استطاع الملك الراحل عبد الله بن العزيز وشقيقه الملك سلمان  أن يحررا المملكة من عبء هذا الفكر المتشدد .

                                 - الجماعة -

وفي مصر تأثر حسن البنا بفكر محمد بن عبد الوهاب وأسس جماعة الإخوان وتحقق لها الانتشار المجتمعي بعد أن نال دعما من حكومة الاحتلال حينها والملك فاروق الذي طمح إلى الخلافة بعد إلغائها في تركيا، وحينما قامت ثورة يوليو عام ١٩٥٢ حاول الإخوان القفز عليها ورفضوا التعاون مع مجلس قيادة الثورة والرئيس جمال عبد الناصر، فلجأوا إلى العنف، وكانت نهايتهم السجن والإقصاء، وتبنى الرئيس عبد الناصر الخطاب الاشتراكي والصوفي، وكان الظهور الأقوى للخطاب الثقافي، وحينما تولى الرئيس السادات أراد أن يقضي على الفكر المتحرر الذي ظهر وساد خلال فترة رئاسة جمال عبد الناصر، ورغم أن وزير الأوقاف الشيخ محمد متولي الشعراوي وشيخ الأزهر الإمام الدكتور عبد الحليم محمود كلاهما من رموز التصوف الإسلامي بالإضافة إلى تواجد عدد كبير من رموز التصوف كالشيخ صالح الجعفري خطيب الجامع الأزهر ومؤسس الطريقة الجعفرية والشيخ محمد زكي إبراهيم مؤسس العشيرة المحمدية وكثير غيرهم إلا أن الرئيس السادات استعان بجماعة الإخوان للقضاء على الفكر المتحرر أو ما وصف بالفكر الشيوعي، فقويت شوكة جماعة الاخوان، لكن بدلا من الاهتمام بتنمية المجتمع ونشر التعاليم الدينية بين الناس انقلبوا على من ساعدهم وساندهم وقاموا باغتياله .

-        الجماعات السلفية -

طوال ٣٠ عاما، فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، كانت علاقة السلطة بالإخوان والجماعات الإسلامية بشكل عام علاقة ترقب وحذر شديد خاصة مع الجرائم الإرهابية التي ارتكبها الإخوان والجماعات التابعة لها والمتقرعة عنها، مثل تفجير الأماكن السياحية والكنائس، لكن كان للجماعات السلفية حضورها على المشهد الدعوي والخطاب الديني، وهو ما عرف بظاهرة الدعاة الجدد، حيث ابتعدوا عن الكلام عن السياسة واقتصر حديثهم عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والسلف الصالح، وظهر التشدد في الزي وإطلاق اللحية والتنفير من كل العادات الحديثة لأنها لم تكن في عهد السلف .

-        الفساد الثاني -

بعد ثورة يناير ٢٠١١ صعد نجم الإخوان للمرة الثالثة وكأنهم من قال الله سبحانه وتعالى فيهم ( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ) {4 سورة الإسراء} فسعوا إلى السيطرة على الحكم وتقويض مؤسسات الدولة وإخضاعها للجماعة فقط، وانتشر الإخوان في أغلب المؤسسات والوزارات كالجراد بغرض أخونة الدولة ونشر أفكارهم المنحرفة دينيا، حتى فطن الشعب خاصة الشباب منهم إلى خطة هذه الجماعة التي اتخذت الدين ستارا لتحقيق غايتها وهو الاستيلاء على الحكم مدعومة من بعض الدول التي تبحث عن دور داخل المنطقة حتى ولو على حساب الشعب والدين، وقام الشعب بثورته يوم 30 يونيو 2013 للإطاحة بالإخوان وحكمهم والتخلص من هذه الفئة الباغية، وجرت انتخابات رئاسية عام 2014  فاز بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

                                       خطاب جديد

في أول خطاب له بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو عام ٢٠١٤ طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تجديد الخطاب الديني لتصحيح المفاهيم المغلوطة والصورة المعكوسة عن الإسلام وتصويب الفكر المنحرف والمتشدد يحمي الشباب من أفكار العنف والإرهاب، وحينما استمعت إلى كلام الرئيس عن تجديد الخطاب الديني تذكرت مقولة قرأتها للكاتب الراحل أنيس منصور في كتابه ( طلع البدر علينا ) الصادر عام ١٩٧٥ ( إنني لا أدعو إلى دين جديد ... إنما إلى إحساس جديد بالدين).

 

وأكد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا المعنى في خطابه لرموز الأمة والجيش والشرطة في شهر فبراير عام ٢٠١٥، حيث رحب بالشيخ الحبيب علي زين العابدين الجفري، وهو أبرز رمز صوفي راهنًا، فقال الرئيس ( شيخ علي أهلا بيك... والله محتاجين السماحة والوسطية ... الدنيا كلها تعبت مننا )، كما أشار الرئيس إلى د. يونس مخيون رئيس حزب النور بأنه رجل فاضل ومحترم وطالبه بوضع دراسة كبيرة للتصدي للأفكار الشاذة. إنها دعوة غير مباشرة من السيد الرئيس لبروز الخطاب الصوفي من جديد بما عرف عنه من وسطية عقائدية وأخلاقية على الساحة والقيام بدوره في نشر السماحة وروح الدين الإسلامي الذي يتمثل في حسن التربية ومكارم الأخلاق في المجمتع.

 إن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي هو أول رئيس يدرك قوة تأثير الخطاب الديني وعلاقته بالأمن المجتمعي والحياة بشكل عام، حيث أكد الرئيس أن هناك مجموعة أخذت الدين وانحرفت به ولم يتصدَ لهم أحد، وهذا هو الفكر المتطرف، لذلك يجب على رجال الدين تصحيح المفاهيم الخطأ التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية، موضحا أن هناك بعض الأفكار تم تقديسها لمئات السنين وأصبح الخروج عنها صعبا للغاية، وتلك الأفكار تتسبب في معاداة العالم بأسره من المسلمين، لذلك لابد أن تسود وسطية الدين الإسلامي وسماحته، ويختفي التشدد والتطرف وفكر الجماعات المتطرفة التي أفسدت على الناس الدنيا والدين.