الخميس 23 مايو 2024

ندوة الأزهر حول تقريب المذاهب الإسلامية

فن2-11-2020 | 19:58

الإسلام لا يطلب توحيد المذاهب ولكنه يمقت العداوة بين أصحابها

مثقفو المذاهب يشجعون التباعد بينها ليكسبوا ماديًا وأدبيًا

الدور الذى يلعبه الاستعمار لزيادة حدة المذاهب الإسلامية

حقائق غريبة كشفتها المناقشات العميقة فى الندوة، التى طرحت فيها الخلافات بين المذاهب الإسلامية.. أن بعض المثقفين من أبناء هذه، المذاهب يحرصون على بقاء خلافاتها ليكسبوا من ورائها ماديًا وأدبيًا أما المثقفون الذين لم يستسلموا لهذه الخلافات فقد حاربهم الاستعمار كما فعل مع المثقف الدرزى الكبير شكيب أرسلان الذى عاش منفيًا عن وطنه "لبنان".

 

وكان رأى الحاضرين فى الندوة أن التقريب بين المذاهب الإسلامية ممكن، أما توحيدها فى الظروف التاريخية الراهنة، فلا يمكن أن يطرح للبحث المجدى.

 

فى الدوائر الدينية والثقافية تناولت الأحاديث والتعليقات ما كتبه أحمد بهاءالدين فى العدد الماضى من "المصور"، حول توحيد المذاهب الإسلامية المختلفة.. كانت الدوائر الأزهرية هى أكثر الدوائر جدلًا ونقاشًا وتعليقًا، ولكن الاتفاق كان بالإجماع حول الدور الذى يلعبه الاستعمار فى إضرام الخلافات المذهبية لكى يجد أسبابًا بعيدة الجذور للتفريق حتى يتسن له أن يضرب الأمة بعضها ببعض، ويؤلب فريقًا من قادة هذه المذاهب ضد الفريق الآخر، وهؤلاء القادة يسيرون خلفه سواء عن جهل أو عن علم والمستعمر وراء كل هذا ينتظر فى زهو مجىء كل رجال المذاهب راكعين يشكون إليه جور بعضهم على بعض، فينتصر مرة لهذا وأخرى لذاك.

والأصول فى الإسلام لا تكاد تختلف عليها المذاهب الإسلامية وهى: السنة والشيعة الأمامية والشيعة الزيدية والاثنا عشرية وأحمدية لاهور، فكلهم يؤمنون بالله ربًا وبمحمد نبيًا، وبالقرآن كتابًا وبالكعبة قبلة، وتبقى بعد ذلك بقية الفرق الأخرى.. والمذاهب التى ذكرناها قد قامت بينها عدة محاولات للتقريب على فترات متباعدة كان آخرها ما قامت به جماعة من علماء الدين أطلقت على نفسها اسم جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، واتخذت لها مقرًا فى القاهرة منذ عشرين عامًا، والجماعة تؤمن بالتقريب بين المذاهب ولكنها تعتبر التوحيد شيئًا محال التحقيق، وكان ولايزال هدفها الأول هو العمل على جمع كلمة أصحاب المذاهب الإسلامية، الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التى يجب الإيمان بها، والسعى إلى إزالة ما يكون من نزاع بين طائفتين من المسلمين والتوفيق بينهما، وقد كان من بين المسهمين فى هذه الجماعة أكثر من شيخ من شيوخ الأزهر السابقين وعلى رأسهم المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم.

 

ومن أجل هذا الهدف النبيل جلس السيد نائب رئيس الوزراء ووزير الأوقاف المهندس أحمد عبده الشرباصى، ومدير جامعة الأزهر الشيخ أحمد حسن الباقورى.. يناقشان ما جاء فى مقال "المصور"، وكان فى نفس الجلسة.

 

السيد محمد توفيق عويضة، سكرتير المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

الشيخ عبد الله المشد مدير إدارة الوعظ والإرشاد بالأزهر.

الشيخ يوسف حسن عُمر الأستاذ بكلية الدراسات العربية بالأزهر.

الشيخ أحمد كامل الحضرى المراقب العام للتعليم الابتدائى بالأزهر.

السيد/ عبد المنعم رمضان الأمين العام بجامعة الأزهر.

السيد/ أحمد الشرقاوى مدير إدارة أحياء التراث والنشر ومدرس بجامعة الأزهر.

المستشرق الإنجليزى المسلم عبد الرشيد الأنصارى.

السيد محيى الدين الألوائى "هندى" ومدرس اللغة الإنجليزية فى الأزهر.

واعتذر الشيخ الباقورى عن القراءة لأن نظارة القراءة ليست معه وعهد بالقراءة إلى السيد أحمد الشرقاوى، الذى بدأ يقرأ المقال وبدأت التعليقات.

المقال:

"وكثيرًا جدًا من مشاكل هذه الأقطار الشقيقة ومن مشاكلها السياسية والإجتماعية بالذات.. لم يرجع فى جذوره إلى خلافات دينية لم يعد لها مبرر لا من دين ولا من مصلحة خلافات بأت، مؤكدًا أنها تعرقل مسيرة هذه الأقطار فى اتجاه التمدن والرقى ونفض غبار التخلف".

 

المهندس أحمد عبده الشرباصى: المؤلم أن الطبقة المثقفة فى هذه الطوائف هى التى تؤكد هذا التباعد وتبالغ فيه لكى تكسب من ورائه مكاسب غالبًا ما تكون ماية أو أدبية وأى خطوة للتقارب سيضطر من يبدؤها إلى التحدث مع المثقفين منهم وهنا الكارثة.

الشيخ الباقورى: الواقع أن الإسلام لا يطلب التوحيد بين المذاهب ولكنه يمقت أن يكون بين المذهبين خلاف يصل إلى حد العداوة وما دامت المذاهب قد وجدت نتيجة أمرين وهما نصوص محتملة وعقول مختلفة وإذن، فالتوحيد غير محتمل الواقع بالمرة ولاشك أن بعض أصحاب المذاهب المختلفة قد خدموا الإسلام خدمات جليلة كمولاى محمد على مؤسس أحمدية لاهور.

المهندس أحمد عبده الشرباصى: ليسوا كلهم كهذا الرجل وعنده أن الأمير شكيب أرسلان قد خدم الإسلام بكتبه، وكذلك أبناء طائفة أحمدية لاهور الذين ينشرون الإسلام فى أمريكا وغرب إفريقيا.. فقد نشروا عن الإسلام كتبًا باللغة الإنجليزية كانت سببًا فى اجتذاب الكثيرين إلى الإسلام.

الشيخ عبد الله المشد: الذى أبحث عنه وأريد أن أجد له سببًا معقولًا هو كثرة الكتابة فى هذه الأيام عن الإسلام فى صحف الغرب بالذات؟

 

المهندس أحمد عبده الشرباصى: شىء طبيعى جدًا أن تهتم الصحف الغربية بالإسلام بعد أن انحسر الاستعمار عن جزء كبير من إفريقيا وقد قرأت فى مجلة إفريقية لكاتب أجنبى يقول: إن عدد المسلمين فى إفريقيا عام 1931 لا يزيد على أربعين مليونًا، وقد أصبح عام 1964 – 144 مليونا برغم أن الاستعمار كان فى هذه السنوات يجثم بكل قواه على إفريقيا فماذا سيحدث الآن بعد أن انحسر الاستعمار عن أجزاء كثيرة من إفريقيا.

 

المقال:

ألسنا نجد بابا الكنيسة الكاثوليكية يبدأ جهدًا مستنيرًا فى التقريب بين الكنائس؟ ألسنا نرى الكنيسة الأرثوذكسية توشك أن تعقد مؤتمرًا لنفس الهدف التقدمى هدف التوحيد بينهما.

 

أحمد الشرقاوى: شاهدت فى الهند مؤتمرا ضخمًا عام 1962 كانت مهمته التقريب بين أتباع جميع الكنائس وقد امتلات نيودلهى يومها بالقساوسة والرهبان من جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وقد ضاقت بهم فنادق العاصمة.. وحبذا لو عقدنا فى القاهرة مثل هذا المؤتمر مرة أو مرات حتى يكون التقريب على أسس واعية منهجية.

 

الشيخ الباقورى: الحقيقة أن فكرة التقريب بدأت فى مصر وعندما بدأت الصحافة الغربية تكتب عن جماعة "التقريب" بين المذاهب الإسلامية تحركت الكنائس لتتقارب فى أوروبا وذهب رئيس أساقفة كانتبرى فزار الفاتيكان.

المهندس أحمد عبده الشرباصى: أنا أذكر بعض الهنود المسلمين من أبناء مذهب الإثنى عشرية التقوا بى فى أوغندا عام 1954 وقالوا لى إنهم جاءوا إلى مصر أيام فاروق وطلبوا علماء من الأزهر لكى يعلموهم الإسلام فى إفريقيا، ولكن المسئولين فى ذلك العهد رفضوا وقالوا لى بالحرف الواحد إننا سنحاكم مصر أمام الله يوم القيامة لأنها الدولة الوحيدة التى تستطيع أن تعلمنا وجاء معى نفر منهم إلى مصر وبحثت مع المسئولين فى الأزهر يومها عن عالمين يجيدان الإنجليزية وذهبا مع إخواننا الهنود الذين جاءوا من قلب إفريقيا، ولكن السلطات الاستعمارية وقتها منعتهما من الدخول فعادا.

 

الشيخ عبد الله المشد: الكثير من أبناء المذاهب المختلفة توقفت معلوماتهم عن الإسلام عند حد معين وذلك يرجع إلى كثير من الأسباب فى مقدمتها جهلهم باللغة العربية وعدم وجود الوعاظ المرشدين لهم واقتصار معلوماتهم على الحد الذى لقنوه من أهلهم فقط

 

المقال:

وإذا كان مذهب الخوارج بمدارسه المختلفة قد نشأ فى تربة الخلاف بين على ومعاوية فقد نشأ مذهب الشيعة بمدارسه المختلفة أيضًا من مقتل على ابن أبى طالب.

 

ومرة أخرى وبغير دخول فى التفاصيل نجد أن الذين تشيعوا لعلى بن أبى طالب وكانوا وقتها أغلبية المسلمين، والذين منهم تكون الشيعة قد اتخذوا هذا الموقف لأسباب سياسية فى الدرجة الأولى.

 

الشيخ الباقورى: إن كل الخلافات المذهبية فى الإسلام كانت فى أساسها خلافات سياسية ثم نسيت الأسباب وبقيت النتائج تتضاعف وتتجدد وتتلمس الأسباب لبقائها، ومن هنا كان لابد من تعميق هذه الخلافات بجعلها عقائدية لأن الأسباب السياسية يمكن أن تصبح غير نافذة المفعول فى إذكاء الخلاف بعد زوال أوانها، فمثلًا الاختلاف، الذى كان فى الماضى حول شخصيات سياسية معينة فى تاريخنا يصبح شيئًا مضحكًا لو وجدت من يتضاربون من أجله الآن.

 

الشيخ يوسف عمر: لكن أئمة هذه المذاهب فى محاولاتهم هذه أساءوا إلى المذاهب فى محاولاتهم هذه أساءوا إلى المذاهب الأخرى لكى يميزوا أنفسهم وبالغوا فى هذه الإساءة

الشيخ عبد الله المشد: لقد بالغوا إلى الانحراف

الشيخ الباقورى: لقد كانت مبالغتهم فى التقليل من شأن المذاهب الأخرى بمثابة عملية دفاع عن النفس، كما أن التيارات السياسية والاستعمارية على مدى العصور كانت تلعب الدور الأول والأخير فى احتضان هؤلاء الأئمة.

 

المقال:

كلها أسباب ولدت لتواجه ظروفا بعينها وهى ظروف تعددت وتشبعت واختلفت بحكم انتشار الإسلام فى أقطار متباعدة وبيئات شتى وبحكم تغير الحياة وتجددها وما تطرحه هذه الحياة من أسئلة جديدة، كانت إجابات المسلمين عنها تختلف من موقف إلى موقف ومن قُطر إلى قُطر.

الشيخ الباقورى: ولادة المذاهب التى تواجه الظروف يبدو أنها مستمرة كما يقول الأخ بهاء، وستظل مستمرة وقد شاهدت فى بعض البلاد الإسلامية التى زرتها، والتى تحررت عقب الحرب الثانية شاهدت بين شبانها من يقول:

إننى شيوعى لأننى مسلم، وذلك لأن المسيحية فى نظرهم اقترنت بالاستعمار، الذى كانوا يناهضونه ومثل هذا الفهم الخطير من يعلم إلى ماذا سيتحول بعد مائة سنة مثلًا مالم تحدث حملة تقارب وتفاهم وتبصير ونوعية.

الشيخ عبد الله المشد: ولكن على أكتاف من ستقوم هذه الدعوة؟ إن التقارب الذى كان والذى قام فى الماضى حامت حول مصدر تمويله بعض الأقاويل

الشيخ الباقورى: إن كل فكرة إنسانية تجد الشخصيات التى تشجعها.. ولكن مثل هذه الأعمال الجليلة لا تسلم أبدًا من الاحتجاج عليها وإذا كنا قد اختلفنا حول فكرة جليلة كهذه فكيف نريد ألا يخلف المسلمون يوم أن كانت دولتهم تحكم معظم أجزاء العالم فى مسائل إسلامية أساسية وفرعية.

 

الشيخ كامل الحضرى: لا جدال فى أن الخلاف لا يستفيد منه دائمًا سوى المستعمر، وإذن فلماذا تحرص الطوائف الإسلامية على خلافاتها العقائدية وعبر مئات السنين لم يجدها هذا الخلاف نفعًا؟

 

الشيخ الباقورى: اسمع الرد عن سؤالك عندما حج المنصور قال لمالك أبن أنس: قد عزمت ان أمر بكتبك هذه التى صنفتها فتنسخ ثم أبعث فى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة وأمرهم بأنهم يعملون بما فيها ولا يتعدونه إلى غيره فقال يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وأتوا به من اختلاف الناس فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم، وهذا الإمام مالك يرفض أن يفرض مذهبه على الناس بالقوة لأنه أدرك أن كتابه الذى جمعه ليس هو كل شىء فى الشريعة فلغيره نظرة كنظرته وبحث كبحثه وجمع كجمعه، وقد يكون عند غيره من العلم مالم يضع يده عليه.

الشيخ يوسف: إذن فكيف السبيل إلى التقارب وهذه الخلافات موجودة وقائمة لا سبيل من نكرانها.

الشيخ الباقورى: فى رأيى أن التقارب الواجب هو أن يتفهم كل فريق مذهب الآخر، وهذا ما حدث من الرسول لأصحابه عندما قال لهم "من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة "فانطلقوا فلما أدركهم العصر فى الطريق صلى بعضهم وأصر البعض الآخر على ألا يصلوا فى بنى قريظة واختلفا فلما عادوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واحتكموا إليه قال لكل فريق منهما أصبت هذا هو التقريب الذى نرجوه.

 

الشيخ عبد الله المشد: وهل يمكن أن يحدث تقارب بين كل هذه المذاهب المتعددة؟

 

الشيخ الباقورى: أعتقد أنه من الممكن التقريب بين المذاهب التى نشأت والتى ستنشأ أيضًا ومن الطبيعى والإشتراكية بمدها العالمى تغزو كل المجتمعات أن تنشأ الاتجاهات الإسلامية، التى تحتضن الاشتراكية فى بعض المجتمعات لكى يكون الدين مؤيدًا للاشتراكية فلا يحدث الانفصال بين واقع الأمة وتراثها وبين تطورها وحركة الأفكار فيها إذا لم يعد من الممكن أن يقنع الفقراء بأن لهم الجنة فى الآخرة فقط دون أن يكون لهم فى الدنيا نصيب.. فالخلاف سيظل موجودًا ما دامت لدى الناس عقول يفكرون بها والتفكير دليل الحركة والوجود والحيوية وخصوبة الدين التى تستمر وتتجدد فى إطار الكتاب الكريم والسُنة..

 نقلا عن مجلة المصور