«ستعود الجمعية الهندسية المصرية التى يعود تاريخ إنشائها إلى عام ١٩١٧ إلى رسالتها العلمية ونشاطها الهندسى فى رفع وتنمية قدرات المهندسين المصريين»، هكذا تحدث د. على عبد الرحمن رئيس الجمعية الهندسية المصرية، الذى تولى مسئولية إدارة هذا الصرح العلمى والتاريخى قبل عدة أشهر.. وكان هذا أمرًا طبيعيًا لأن «د. عبد الرحمن» علاقته بالهندسة طويلة أعطى لها عمره كما يقول، وحينما احترق المبنى العريق للكلية عام ٢٠١٣ وقت فض اعتصام «النهضة» كاد قلبه ينخلع من مكانه.
كلية الهندسة هو المكان، الذى عاش فيه «د. عبد الرحمن» عمره كله منذ التحق بها عام ١٩٦٣، وأصبح معيدًا بقسم المدنى بها، ثم أستاذًا فوكيلا وعميدًا للكلية ورئيسًا لجامعة القاهرة الذى أقام الاستعدادات لاحتفالها بالمئوية عام ٢٠٠٨، لذلك لم يغادر الهندسة حتى عندما أصبح محافظًا للجيزة، التى يصف فترتها أنها أصعب فترات عمره، التى تمنى إلا تتكرر مرة أخرى.
«د. عبد الرحمن» قال فى حوار مع «المصور» أن «هندسة القاهرة» فى مرتبة مُتقدمة عالميًا، ويجب أن نبدأ فى عمل مُقارنة مع ما يدرسه الطالب فى كندا وأمريكا وأوربا لنفتح الباب واسعًا للاعتراف بالدرجة العلمية لطلابنا فى الخارج.. واعدًا بأن تكون الجمعية الهندسية المصرية الذراع العلمية للهندسة بمصر، وسوف تسترجع علاقاتها الدولية، لافتًا إلى أن هدف الجمعية هو الارتقاء بالمستوى التقنى للمهندس المصرى.
كنت وكيلًا لكلية الهندسة فعميدًا فرئيسًا للجامعة.. لماذا توقف تطوير التعليم الهندسى؟
غير صحيح على الإطلاق، بل أكاد أجزم أن التعليم الهندسى وخاصة كلية الهندسة فى جامعة القاهرة فى مرتبة متقدمة للغاية سواء على المستوى المحلى أو الدولى، وأن الكلية مُصنفة على المستوى العالمى، خاصة أنه دخل نظام الساعات المعتمدة لعدد من الأقسام لكلية الهندسة، والكلية عليها إقبال شديد من الطلاب.
لكن ماذا ينقص طلابنا الآن؟
لا ينقص طلابنا الكثير، لكنه ينحصر تحديدا فى ضرورة الاهتمام وزيادة جرعة التدريب العملى فى الدراسة، فطلابنا مستواهم التعليمى الأكاديمى جيد جدًا إن لم يكن فى مرتبة متقدمة، لكن ينقصنا الجانب العملى والتدريب والتعامل مع المعامل، أيضا ينقصنا أن ندرس التجارب الدولية بدقة وأن نحاول التغلب على العراقيل، التى تقف أمام طلابنا للسفر إلى الخارج أو استقدام طلاب أجانب للدراسة لدينا فى الكلية، فيجب أن نبدأ فى عمل مقارنة ومقاصة مثلا مع ما يدرسه الطالب فى الجامعات الأجنبية فى كندا والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، وبذلك سنفتح الباب واسعًا للاعتراف بالدرجة العلمية لطلابنا فى الخارج، وأيضا نفتح أبواب الكلية أمام الأجانب أيضًا، وهذه أصبحت قضية ملحة عالميًا أى حرية الانتقال العالمى بين الطلاب فى التخصص.
وماذا ينقصنا فى هذا الشأن؟
أولًا هذه المعيار أصبح مهمًا ويدخل فى التصنيفات الدولية والترتيب العالمى للكليات وطلابنا أصبحوا أكثر وعيًا وعن زمان وهم يعرفون ويقرأون عن التصنيف والترتيب العالمى للجامعات والكليات لأن هذا التناظر الذى لابد منه فى المواد الدراسية، التى يدرسها الطلاب أصبحت قضية ملحة لأنها تكسر الحدود فى التعليم ولابد من أن تدخل هذا العصر ونفتح الأبواب أمام طلابنا للمنافسة العالمية لأن هذا سيعود بالنفع على جودة التعليم داخل مصر، وهنا نحن نحتاج إلى تعديل اللوائح الجامعية، التى تحكم منح الدرجة الأكاديمية للطلاب فمثلا كنا فى كلية الهندسة لدينا مشروع بالفعل لهذا التطوير على سبيل المثال لماذا مثلا لا تخصص درجة المشروع للطالب لتدخل كمادة يدرسها الطالب فمثلا لو جاء لى طالب من الخارج درس مثلا فى رسالة أو مشروعه كان عن شىء محددا مثل العمارة الإسلامية مثلا ويأتى إلى الكلية هنا فى جامعة القاهرة ويسجل بها لنيل درجاته فى هذه المادة، إذن علينا أن نطور لوائحنا الجامعية إذا كنا نريد بالفعل أن ننافس بقوة.
وعلى سبيل المثال أنا دخلت الكلية عام ١٩٦٣ وكان معنا فى الكلية طلاب من الإسكندرية وأسيوط وعين شمس وكان الرعيل الأول من الأساتذة على مستوى عال من الكفاءة الأكاديمية العلمية والعملية أيضا، بل ومن مدارس علمية مختلفة من دول العالم، وعندما سافرت إلى كندا فى بعثة كنت متميزًا للغاية على زملائى من الجنسيات الأخرى، بل لم يطلب منى أبدًا الحصول على مواد تأهيلية إضافية فسمعة كلية الهندسة فى مصر كانت جيدة جدا - بينما الطلاب الآخرون من دول أخرى طلب منهم دراسة مواد أخرى تكميلية.. ولكن الآن النظام فى العالم تغير لذلك لابد أن يواكب نظام دراستنا لما يحدث عالميًا.
هناك مشروع مطروح الآن بقوة فى المجلس الأعلى للجامعات بتخفيض عدد سنوات الدراسة بالهندسة.. كيف ترى ذلك؟
لا أوافق على هذا الاقتراح وقد عارضته بالفعل، لأنه إذا كنا نريد المساواة مع النظام الأوربى فهم لديهم نظام متكامل للدراسة أى ثلاث سنوات أولا بالإضافة إلى اثنتين فى التخصص الدقيق أو ما يطلق عليه ٣+٢ وبنظام الساعات المعتمدة، ونحن لدينا مدة الدراسة خمس سنوات إذن المحصلة النهائية متماثلة، فكيف أطالب بخفض سنوات الدراسة لتصبح ثلاث فقط فيتخرج الطالب، وهذا سيضعف جدًا إن لم يقض على جودة التعليم الهندسى الموجود الآن، فإما نأخذ الكل متكاملًا أو لا نغير فى عدد سنوات الدراسة.
بصفتك رئيس جمعية المهندسين المصريين التى تحتفل بقرن كامل على وجودها لتطوير الهندسة.. لماذا اختفت الجمعية ولم نعد نسمع بها الآن؟
بالفعل توليت مسئولية الجمعية الهندسية المصرية أو جمعية المهندسين مؤخرًا، ونحاول الآن منذ أول اجتماع للجمعية تطبيق رسالة وهدف الجمعية الارتقاء بالمستوى التقنى للمهندس المصرى وهذا الهدف النبيل، الذى تم وضعه عند إنشاء الجمعية قبل قرن من الزمن ساهم فى تطوير المستوى الفنى والأكاديمى للمهندس المصرى، وكانت الجمعية المصرية يعرض عليها كل المشروعات القومية الكبرى، فمثلا شاركت فى إنشاء وتطوير خزان أسوان، وجميع القناطر وكذلك السكك الحديدية.. وهذا ما نحاول الآن أن نعود إليه أى الاهتمام بالجانب الأكاديمى والتقنى لتنمية المهندسين، أى العودة لدورها فى النشاط العلمى ورفع مهنة الهندسة نفسها وتنمية قدرات المهندسين المصريين، وذلك يتم من خلال المؤتمرات العلمية وكذلك الإصدارات المتخصصة.. بمعنى آخر أنها الذراع العلمية للهندسة فى مصر ولها اسمها العالمى وسوف نسترجع العلاقات الدولية للجمعية.
توليت المسئولية فى وقت حرج فى مصر.. كيف رأيت الأحداث؟
عاصرت ٤ رؤساء لمصر أو ٤ عصور، وعندما حدث اعتصام ميدان “النهضة” لبست قميصًا واقيًا من الرصاص ونزلت مع مدير أمن الجيزة، وتم حينها احتراق مبنى كلية الهندسة، الذى عشت عمرى كله فيه.. وللحقيقة لا تتصورون ماذا كان شعورى بذلك وكأن قلبى يحترق وكانت لحظات عصيبة على نفسى لأننى عشت فى هذا المكان عمرى كله والحريق تم فجرًا، وأمير وحاكم الشارقة الذى نعتز به وبحبه لمصر وبجامعة القاهرة تحديدا، تبرع بتمويل تجديد المبنى المحترق.