يكشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أنيابه، يوماً بعد يوم، ليرتفع أعداد المعتقلين في سجون بلاده إلى أكثر من 290 ألف شخص، حيث لم يفرق الديكتاتور التركي بين شباب وكبار أو أطفال، فمن بين المعتقلين نحو 430 طفلًا معتقلاً متوسط أعمارهم 12 سنة بين كل مائة ألف شخص يقبعون في السجون التركية.
حيث أعلن معهد الإحصاء التركي عن ارتفاع عدد المعتقلين فى سجون تركيا إلى 291 ألفًا و546 شخصًا، ليرتفع عدد المحتجزين بنسبة 10.1 %، في 31 ديسمبر 2019، مقارنة بنفس التاريخ من عام 2018.
وأوضح المعهد أن 84.1٪ من المسجونين صدرت بحقهم أحكام بالسجن، بينما يبقى 15.9٪ من السجناء لم يصدر بحقهم أي حكم قضائي، موضحا أنه في كل عام يرتفع عدد المعتقلين بسجون تركيا، ففي عام 2010 كان يعتقل 163 شخصًا من كل مائة ألف، وفي عام 2018 ارتفعت النسبة لـ323 شخصًا لكل مائة ألف، وفي عام 2019 أصبح يعتقل 351 شخصًا من كل مائة ألف، وهو معدل مرشح للزيادة.
وأوضح أن 430 طفلًا معتقلاً متوسط أعمارهم 12 سنة بين كل مائة ألف شخص يقبعون في السجون التركية.
ووفقا لتقارير إعلامية تركية، يتعرض المعتقلون في تركيا لشتى أنواع انتهاكات حقوق الإنسان في السجن، من تعذيب، وسوء معاملة، وغيرها من المخالفات القانونية المجردة من الإنسانية، والتي تتركز أغلبها في سجن باتنوس، وقدمت العديد من الشكاوى لوزارة العدل بشأن تلك الانتهاكات، ولكن لم يتم التحقيق فيها.
ارتفاع غير مسبوق.. مئات الآلاف في السجون
وفي عام 2013، فقد كان هناك 188 سجينا من بين كل 100 ألف تركي في المتوسط، لكنه ارتفع في 2018 ليصبح 323 لكل 100 ألف، حيث نقلت صحيفة "حرييت" التركية، عن هيئة الإحصاء الحكومية أن عدد السجناء بلغ في نهاية ديسمبر 2018، نحو 264 ألف سجين، وبذلك يعد ارتفاع عدد السجناء في هذا البلد إلى مستوى غير مسبوق، فيما يمثل المعتقلون السياسيون خمس المحبوسين.
ومع هذه الأرقام، أصبحت تركيا ثاني أكثر دولة بها سجناء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم 36 دولة.
وفي صيف 2016 ، بعد محاولة الانقلاب في تركيا، نفذ أردوغان حملة اعتقالات موسعة طالت قيادات في الجيش التركي وكل أجهزة ومؤسسات الدولة، حيث تم اعتقال عشرات الآلاف وزجهم في السجون، بسبب صلاتهم المزعومة مع الداعية فتح الله جولن، الذي تقول أنقرة إنه يقف خلف الانقلاب الفاشل، إلا أن جولن نفى ذلك.
وحسب مركز "ستوكهولم للحريات"، فإن تركيا باتت ثالث أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السجناء مقارنة بالسكان.
اعتقالات بعد زلزال أزمير
وبعد فاجعة زلزال أزمير، كان الاعتقال أيضا، وسيلة أجهزة أردوغان لمعاقبة كل من نشر عن هذا الزلزال بتهمة واهية وهي "التحريض على الكراهية والعداوة أو إذلال الجمهور"، حيث أعلنت مديرية أمن إزمير بعد نحو ساعتين من وقوع الزلزال أنها ستلاحق من ينشرون تصريحات سلبية حول الزلزال.
وبالفعل قبل أيام، في أعقاب زلزال أزمير، أعلنت السلطات التركية، السبت، عن ملاحقة 25 شخصًا بسبب تغريدات "مسيئة" على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعلن نائب وزير الداخلية محترم إينجه، أنه تم اعتقال 6 أشخاص "نشروا ضغائن وكراهية" فيما يتعلق بزلزال إزمير، قائلا: "وحدات المديرية العامة للأمن رصدت 37 تدوينة، وتم اتخاذ إجراءات بحق 25 شخصا، وهناك 6 أشخاص رهن الاعتقال".
وذلك استمرار للرقابة المشددة التي تقوم بها الدولة التركية على الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، والتي نتج عنهاسجن العشرات بسبب تغريدات تعتبرها السلطات "مسيئة"، وذلك بعد أن بدأ في أكتوبر سريان قانون جديد يفرض غرامات ضخمة على منصات التواصل الاجتماعي إذا لم تعين ممثلا عنها في تركيا لتلقي طلبات الحكومة حول المحتوى المنشور.
انتقادات دولية
وفي أغسطس الماضي، انتقد الاتحاد الأوروبي، تردّي وضع حقوق الإنسان في تركيا، وأعلن في بيان له وفاة 4 معتقلين خلال عام بالسجن.
وقال الاتحاد الأوروبي إن المحامية ابرو تيمتك هي رابع شخص يتوفى في السجون التركية منذ بداية العام نتيجة الإضراب عن الطعام، مؤكداً وفاة موسيقيين ورجل ثالث.
واعتبر أن وفاة المعتقلين الأربعة ونضالهم للحصول على محاكمات عادلة دليل على الحاجة الملحة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في تركيا التي تدهورت بشدة خلال السنوات الماضية.
وكان المتحدث باسم الاتحاد بيتر ستانو، دعا أنقرة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان فيها، مشدداً على أن احترام حقوق الإنسان ودولة القانون جوهر علاقتنا مع تركيا، معربا عن استيائه الشديد إثر التقارير عن انحياز القضاء في تركيا ضد المعارضين.
إضراب المعتقلين عن الطعام يكشف فداحة الانتهاكات
وفي يونيو الماضي، وبسبب انتهاكات إدارة السجون لحقوق المعتقلين، بدأ خمسة من المعتقلين بسجن أورفة هيلفان التركي المغلق إضرابًا عن الطعام لأجل غير مسمى، ضد تزايد انتهاكات وعدم السماح للمرضى بالذهاب للمستشفى لتلقي العلاج، فضلًا عن تقليص المساحات الاجتماعية وإيداع بعضهم بالحبس الانفرادي.
في ما نقلت إحدى الصحف التركية، عن أسرة المعتقل سرحات بولوت أن السجين بدأ إضرابًا عن الطعام لأجل غير مسمى، ولا رجعة فيه، ضد الانتهاكات المتزايدة لحقوق السجناء هو وأربعة سجناء آخرين، قائلا إن السجناء المصابين بأمراض خطيرة لا يتم علاجهم وحالتهم تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. وأضاف أنه لا يتم إعطاء أدوية لمرضى.
وأكد أن إدارة السجن في بعض الأحيان، تعاقب السجناء الذين يتقدمون بطلب الذهاب إلى المستشفى بالأصفاد العكسية، ويتم الاحتفاظ بهم لساعات، ثم تتم إعادتهم للزنزانة دون علاج، مضيفا أن "هذه حالة تعسفية، والضغوط تتزايد يومًا بعد يوم. ويتم تضييق مساحات المعيشة لدينا، وقلصوا المساحات الاجتماعية، لقد حولوا الوباء إلى فرصة ليفعلوا بنا ما يريدون".
وأضاف: "لن نتراجع خطوة واحدة إلى أن يتم تلبية مطالبنا. لأن الضغوط تزيد يومًا بعد يوم. هناك طرق تعسفية. لا يلبون احتياجاتنا ومطالبنا الضرورية بأي حال من الأحوال. وإذا استمر هذا، فسوف نضرب عن الطعام حتى النهاية، ولن يقتصر هذا على 5 أشخاص".
مئات السجون الجديدة
وبسبب هذه السياسات القمعية، والاعتقالات التي طالت مئات الآلاف، اكتظت السجون التركية بالمعتقلين بالدرجة التي جعلت المديرية العامة للسجون ومراكز الاحتجاز التابعة لوزارة العدل التركية تخطط للبدء في بناء 193 سجناً جديداً خلال خمس سنوات، حيث نقلت صحيفة "حرييت" التركية، أنه في ديسمبر 2018 بلغ عدد السجون في تركيا 389 سجناً بطاقة استيعابية تبلغ 211 ألفاً و838 سجيناً.
حيث قالت المديرية العامة للسجون إن المخطط إنشاء 193 سجناً جديداً خلال الخمس سنوات المقبلة، بهدف مواجهة الزيادة في عدد السجناء، ومن بين هذه السجون 126 سجناً في مرحلة الإنشاء، و23 سجناً في مرحلة المناقصة، و35 سجناً في مرحلة المشروع، و9 سجون في مرحلة التخطيط.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعلن فيها أنقرة بناء سجون جديدة، في فترة زمنية وجيزة، ففي أعقاب محاولة الانقلاب في 2016 أعلنت أنقرة عزمها بناء سجون جديدة، بناء 174 سجناً جديداً في البلاد بسبب نقص الأماكن في السجون على خلفية الاعتقالات الجماعية بعد محاولة انقلاب.
وفيات غامضة داخل السجون
ولم تقتصر الانتهاكات داخل السجون التركية على التعذيب أو الحبس الانفرادي، بل أن هناك حالات وفاة غامضة شهدتها السجون التركية، حيث رصد مركز ستوكهولم للحريات" في تقرير له بعنوان "حالات وفاة مريبة وانتحار في تركيا"، تنامي أعداد "الوفيات الغامضة" في السجون ومراكز الاحتجاز التركية، بسبب التعذيب.
وقال المركز إن 120 حالة وفاة وانتحار مشبوهة على الأقل سجلت بين المعتقلين في تركيا خلال العامين الأخيرين، إذ صنفت السلطات التركية تلك الحالات على أنها "انتحار"، من دون تحقيقات مستقلة.