الأحد 26 مايو 2024

مصر أم الدنيا.. المغلوبة على أمرها

29-1-2017 | 11:02

بقلم – عادل سعد

قال بيرم التونسي : « عطشان يا صبايا عطشان يا مصريين .. عطشان والنيل في بلادكو .. متعكر مليان طين « وبعدها قال الفاجومي:»مصر يا امه يابهية .. يا ام طرحة وجلابية .. الزمن شاب وانت شابة .. هو رايح وانت جايه .. جايه فوق الصعب ماشية ..فات عليكي ليل وميه..تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية وصبية «

تذكرت تلك الأشعار الخالدة.عندما استوقفتني بائعة الفجل أمام البيت على الرصيف لتقول في عشم : « وبعدين في الغلا يا أستاذ..؟ أرخص زجاجة لزيت القلي ب ٢٥جنيه..وأنا لا أكسب في اليوم ثمن زجاجة.. نعيش إزاي ؟ «

الحقيقة أن بعض المسئولين لا يعرفون كيف يعيش المصريون.ولا يدرسون أحوالهم.بل إن الأعجب أن ذلك البلد المحارب العظيم ما زال يعيش.برغم أن حكامه يعيشون في واد آخر.

الأغرب أن مصر لا تتحمل مشاكلها وحدها.وفي مصرالآن ٤ ملايين سوداني على الأقل،ومليون عراقي،ونصف مليون فلسطيني،و٢ مليون ليبي،ومليون ونصف سوري، بخلاف مليون عربي خليجي ويمني وجنسيات أخرى.

١٣ مليون عربي على أراضيها ولا توجد بلد في الدنيا لا تنظم تحركات الأجانب على أراضيهاغير مصر،وتوسعت الحكاية وزادت،عندما سن الفاسد مبارك وولداه قوانين تسمح بتملك العرب والأجانب للأراضي والعقارات.

قد يقول البعض إن بعض العرب في بلادنا يقيمون بأموالهم،والحقيقة أنهم يضاربون بأموالهم لشراء بيوتنا وأرضنا ،وصار معظمهم تجار عقارات وأراض،وتضاعفت ثرواتهم.

وإمعانا في المذلة لجأ كبار رجال أعمالنا،ومعظمهم نهبوا أراضي وشركات لمشاركة شركات أجنبية،لضمان سرعة تهريب أموالهم للخارج بصورة شرعية،ولمقاضاة مصر وجرجرتها أمام المحاكم الدولية إذا لزم الأمر .

أحمد بهجت المقيم على بحيرة جنيف في سويسرا،اختصم مصر أمام القضاء الدولى،وهو الذي حصل على خمسة آلاف فدان بقيمة خمسين جنيها للفدان، ليكتشف الناس بعدها بأسبوع أن الطريق الدائري سيمر بجوار تلك الصحراء، ليباع المتر بآلاف من الجنيهات،ولا أحد يجرؤ حتى الآن على فتح ذلك الملف والسؤال عن الذي أخبر بهجت بسر الأرض؟ بل ولا السؤال عمن خصص له تلك الأرض بهذه السرعة،لأن قرارا بتلك القوة،لا يصدر إلا عن مبارك وولديه.

مع ذلك راح بهجت – ومعه شركاؤه من الباطن بالطبع – إلى آخر الشوط وقرر مقاضاة مصر والاختصام معها أمام القضاء الدولي ،للتهرب من سداد المستحقات المقررة عليه لبنك مصر والبنك الأهلى،وانتهت المسألة بتأييد الحكم الصادر ضد بهجت ومصادرة أمواله وشركاته ،ليصاب الرجل بضرر عظيم ويقضي بقية أيام حياته معذبا على بحيرة جنيف ،حيث أغنى أغنياء العالم.

وبفضل الملياردير حسين سالم شريك حسني مبارك ومربي ولديه وصاحب أكبر الممتلكات في شرم الشيخ، كانت إسرائيل تشتري المتر المكعب من الغاز من مصر بسعر دولار ونصف الدولار،ولاتستهلكه وتنطلق الحاويات العملاقة لأمريكا لتبيعه هناك بثلاثة دولارات ونصف الدولار، لتربح إسرائيل ضعف ما تربحه الدولة المنتجة - مصر – بدون أي مخاطر،وهكذا جرى بمباركة حسين سالم ومبارك وولديه نزح كمية من الغاز قيل وقتها أنها تكفي مصر ٥٠ عاما قادمة حتى نفدت عن آخرها.

حسين سالم،المسكين يردد أعوانه أنه يعيش في شقة إيجار في أسبانيا ولا يعرف كيف يسدد قيمة الإيجار.

لم يجرؤ أحد بالطبع أن يطلب من هؤلاء بيع أحد قصوره في شرم الشيخ أو التنازل عن قطعة أرض ليكفي إيرادها للحياة بقية العمر كأصحاب الملايين.

الشراكة الأجنبية والسماح بتملك الأجانب للأراضي والشركات وصمة، حاصرتنا من خلالها الديون والأحكام الدولية،وهؤلاء الخونة لا يختلفون كثيرا عن نوبار باشا الذي كان يتولى رئاسة الوزراء ويدين بالولاء لفرنسا وإنجلترا أكثر من مصر وعبود باشا صنيعة الإنجليز فضلا عن سلسال شجرة المعلم بطرس التي امتد جذرها من جد العائلة في زمن تعاونه مع الحملة الفرنسية مرورا بشنق شهداء دنشواي وطلب مد الحماية على مصر وضياع السودان على يد أحفاده وصولا إلى حفيده الأصغر الهارب حاليا لإسرائيل وإنجلترا والذي كان آخر وزراء مالية مبارك .

الأجانب لا يعملون في بلادنا من أجل سواد عيوننا ،وهناك فرق كبير بين محمد على الذي استعان بسليمان باشا الفرنساوي ليعمل تحت قيادته ويؤسس الجيش المصري وكلوت بك لبناء قصر العيني ومدرسة الطب في مصر، وبين ديليسبس وشركة قناة السويس ، فالأول والثاني كانا يعملان تحت عين ساهرة،أما الأخير فقد سعى بكل الوسائل والسبل لجرجرة مصر أمام المحاكم وزيادة التدخل في شئونها حتى جرى احتلالها.

في مصر الآن أكثر من مائة ديليسبس ماكر،يتحين الفرصة للانقضاض.

نظرة واحدة للجامعات الخاصة الأجنبية تكشف الصورة بكل وضوح.

الجامعة الأمريكية تمددت في القاهرة الجديدة ،حتى أصبحت قلعة عملاقة ،بعد أن باعت قطعة أرض واحدة في ميدان التحرير،لم يدخل مصرالفقيرة دولار واحد للمساعدة في إنشاءات الجامعة الجديدة ،بل غرمت مصر أرضا ٣٠٠ فدان قدمتها بقيمة شبه مجانية للجامعة الأمريكية .

وماذا حصلت مصر في المقابل ؟ لا شيء.

إنهم في الجامعة يستعينون بأساتذة مصريين يعملون بنظام القطعة،للتخلص من أعباء السكن والمواصلات والتأمينات والمعاشات والصحة،وهؤلاء يتقاضون رواتبهم بالجنيه المصري المنكسر أمام الدولار، بعكس الأساتذة القادمين من بلاد العم سام الذين يتقاضون رواتبهم أضعاف المصريين وبالدولار.

وهكذا تكون النتيجة نزح أموال مصر الفقيرة، لتعزيز اقتصاد أمريكا.

هل يصدق أحد أن تكلفة دراسة الطالب بالجامعة الأمريكية – الدراسة فقط – تصل إلى ١٥٠ ألف جنيه سنويا، بينما نفس الدراسة للطالب المصري في جامعات ألمانيا لا تزيد على ٤ آلاف يورو سنويا – تساوي ٨٠ ألف جنيه – مع أنها شاملة الإقامة الداخلية والتغذية؟

أين يذهب الفارق الباهظ بين تكلفة الجامعتين ،والذي لا يقل عن ٩٠ ألف جنيه ،من كل طالب ؟

إنه يسافرللخارج ،لأننا بلد حر، ومفتوح للأجانب من كل جانب.

أفيقوا يرحمكم الله، أوقفوا هيمنة الأجانب ،أوقفوا نزيف العملات الصعبة الخارجة من مصر،عبر الجامعات وشركات الشراكة الأجنبية وسماسرة الأراضي والعقارات من العرب والأجانب.

أفيقوا .. وإلا فإننا سنغرق لا محالة في وحل مستنقع الديون.