الخميس 20 يونيو 2024

أرض الميعاد أم أرض الاستغباء يا أوباما؟

أخرى24-11-2020 | 13:49

تأتي أهمية مذكرات أوباما الحقيقية في أننا نستطيع أن نفهم من خلالها التيار الذي يمثله أوباما في العالم كله. التيار المتحكم في معظم وسائل الإعلام والأكاديميا الغربية و مراكز الأبحاث..ألخ. تيار أتسع لديه ما نسميه ``المناطق العمياء`` لدرجة أن العمى والاستعماء والتعمية أصبح يمثل رؤية العالم لديه. فكتاب أوباما الأخير الذي أسماه "أرض الميعاد"، علي الأقل في الجزء المتعلق بالشرق الأوسط ، مفعم بالكذب والتدليس، التبرير الغير منطقي لتناقض الأفعال بالأقوال والأقوال بالأقوال والأفعال بالأفعال ، التركيز على المتخيل بديلا للواقع في كتابة المذكرات ، النظرة  الاستشراقية ، الاستعلائية الصوابية المطلقة ، عدم مراجعة السياسات و القرارات حتي بعد ظهور نتائجها الكارثية، الأحكام الغير عقلانية على الأشخاص والسياسات ، الشخصنة ، الانتقائية في التناول ، التحليل السطحي ، المصرفوبيا (الرهاب من مصر ومن يحكمها من الوطنيين المخلصين) ، الولع بالإسلاموية، (تمهيد الأرض لهم للوصول للحكم)..و لكن يبقي أن أهم ملمح لهذا الكتاب أن أوباما يستغبي قارئه.

ولنأخذ بعض الأمثلة فيقول أوباما في مذكراته: " بعد تنحي مبارك في ١١ فبراير "شعرت بالارتياح والتفاؤل الحذر، ومع ذلك أجد نفسى أفكر أحيانًا فى مبارك، الذى كان ضيفى قبل بضعة أشهر فقط فى غرفة طعام العائلة القديمة. وبدلا من الفرار من البلاد، كان الزعيم المسن قد اتخذ على ما يبدو مسكنًا فى منتجعه الخاص فى شرم الشيخ. تخيلته هناك جالسًا فى مكان فخم، ضوء خافت يلقى بظلاله على وجهه، وحيدًا بأفكاره."لقد ترك أوباما كل أحداث ما يسمي بالربيع العربي التي حدثت ورأيناها تحدث خصوصا تناقض الأفعال بالأقوال والأقوال بالأقوال و الأفعال بالأفعال في إدارته ليخصص أجزاء من مذكراته عما تخيله يحدث عند غريمه وعدوه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ليتشفي فيه. وأعتقد أن مبارك  ربما هو تصور حال أوباما بعد نجاح ثورة ٢٠١٣و سقوط الإخوان في مذكرات أو شهاداته التي سجلها قبل وفاته رحمه الله.

 

مثال أخر لم يذكر أوباما اسم قطر غير مرتين (تصور). الأولي لتوضيح دورها في إفساد الوصول لسلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليون، عن طريق قناة الجزيرة التي وصفها بأنها تجيش للكراهية في هذا الموضوع، و شبه تأثيرها بتاثير فوكس نيوز علي البيض و التيارات المحافظة في الولايات في الولايات المتحدة. و المرة الثانية عندما استعان بها لإسقاط القذافي، بالتعاون مع الناتو، حتي لا يري المسلمون ذلك حربا جديدة علي العالم الإسلامي. في حين أنه عندما تكلم عن مصر خصص أجزاء لوصف حتي  المكنون النفسي العميق للعاملين مع مبارك وكأنه "فرويد" عصره.

 

يقول أوباما في  كتابه أنه كان مدركًا أن القائد الذي سيخلف مبارك قد يكون شريكا أقل موثوقية للولايات المتحدة  وأسوأ من مبارك بالنسبة للشعب المصري ، من المستفيد إذا من المشاركة في إجباره علي التنحي كما يدعي أوباما؟  الإخوان و قطر وتركيا و إيران؟ و يتعجب أوباما قائلاً في مذكراته لماذا لا تزال عدة حكومات في المنطقة تعتبر الإخوان المسلمين تهديدا خطيراً؟

 

وقال أوباما: بعد عودتى من زيارتى الأولى للمنطقة كرئيس قلت (فى وقت ما، فى مكان ما، ستنفجر الأمور)...إن حكومة الولايات المتحدة تعاملت باستسلام مع احتمال أن تؤدى انتفاضة شعبوية إلى إسقاط أحد حلفائها، ووصف الأمر بأنه مثل إعصار سيئ يضرب ساحل الخليج أو يضرب كاليفورنيا، وقال: «نظرًا لعدم قدرتنا على تحديد متى أو أين بالضبط ستكون الانتفاضة، وبما أننا لم تكن لدينا الوسائل لوقفها على أى حال، فإن أفضل شىء نفعله هو إعداد خطط الطوارئ والاستعداد لإدارة الأزمات». فهل كان من ضمن تلك الخطط أن تفجر الولايات المتحدة بنفسها الأوضاع كما فعلت سابقا مع محمد مصدق في إيران لتمهد الأرض لوصل الإسلامويين كما حدث بعد ذلك عام 1979؟ نجد الإجابة بالإثبات بشكل مباشر في رسائل هيلاري كلينتون وبشكل غير مباشر في كتاب أوباما الذي يقول فيه: "كان الشرق الأوسط محور حديث الرئيس السابق مع الدبلوماسية سامانثا باور التى شغلت منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة فى الفترة من 2013 إلى 2017.

أنه فى مايو 2010 كان على موعد غداء مع سامانثا باور التى أبدت عدم رضاها عن أن الولايات المتحدة لم تمارس الضغط الكافي علي الحكومة المصرية فهي حتي لم تتقدم باحتجاجًا رسميًا على تمديد الحكومة المصرية الأخير لحالة «الطوارئ» لمدة عامين والذى يعد فى حالة تفعيل مستمرة منذ انتخاب مبارك عام 1981.

وكشف أوباما عن تفاصيل اللقاء، وكتب إن سامانثا قالت له أنها تتفهم أن هناك اعتبارات استراتيجية عندما يتعلق الأمر بمصر، «لكن هل يتوقف أحد ليسأل عما إذا كانت تلك الاعتبارات جيدة أم لا؟». ورد أوباما عليها قائلا: «أنا لست من المعجبين بمبارك، لكننى استنتجت أن تصريح واحد ينتقد قانونا ساريًا منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا لن يكون مفيدًا».

وتابع: «إذا أردنا تغيير نهجنا فى المنطقة، فنحن بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد، سيتعين علينا الحصول على موافقة البنتاجون والمخابرات».حينها سألته سامانثا كما يقول أوباما ما إذا كان هناك شخص مسئول عن صياغة تلك الاستراتيجية، وقال أوباما لم يمض وقت طويل حتى جاءتنى وثلاثة من زملائها فى مجلس الأمن القومى هم دينيس روس، وجايل سميث وجيريمى وينشتاين ومعهم مخططًا لدراسة توجيهات رئاسية ينص على أن مصالح الولايات المتحدة فى استقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تأثرت سلبًا بدعم الولايات المتحدة للأنظمة الاستبدادية.

وكشف أوباما أنه فى أغسطس من العام ذاته، استخدم هذا التوجيه الرئاسي لإصدار تعليمات لوزارة الخارجية، والبنتاجون، ووكالة المخابرات المركزية، والوكالات الحكومية الأخرى لدراسة الطرق التى يمكن أن تشجع بها الولايات المتحدة إصلاحات سياسية واقتصادية ذات مغزى فى المنطقة لدفع تلك الدول إلى الاقتراب من مبادئ الحكومة المفتوحة، بحيث قد يتجنبون الانتفاضات المزعزعة للاستقرار، والعنف، والفوضى».

وبحلول منتصف ديسمبر من العام ذاته، كانت الوثائق التى تحدد الاستراتيجية جاهزة للحصول على موافقة أوباما، الذى قال إنه على الرغم من أنه أدرك أنها لن تغير الشرق الأوسط بين عشية وضحاها، إلا أنه شعر بالارتياح لأنهم بدأوا فى توجيه آلية السياسة الخارجية الأمريكية فى "الاتجاه الصحيح". و لقد شهدنا ورأينا وعشنا مأسي إتجاه أوباما الصحيح الذي تجنب فيه الانتفاضات المزعزعة للاستقرار، والعنف، والفوضى.

و أخيرا قال أوباما إنه كان يشعر بالضيق حينما تصل إلى مكتبه على سبيل المثال قصة لناشطة فى مجال حقوق المرأة يتم القبض عليها فى الرياض، أو أنه يقرأ عن موظف محلى فى منظمة دولية لحقوق الإنسان يقبع فى سجن بالقاهرة و لكنه لم يقل لنا ماذا كان شعوره بعد النتائج الكارثية لسياسته في العالم العربي. ماذا كان شعوره أمام مئات الألاف من القتلي وملايين المشردين؟

خلاصة مذكرات أوباما التي قاربت الألف صفحة يمكن تلخيصها في وضع غلاف كتابه مع أفيش فيلمي:

House of cards & Devil's advocate.

 ففى الكتاب و المسلسل والفيلم البطل هو الممثل "الكبير" (أل باتشينو و كيفين سبيسي و بارك أوباما) و ما يمثله في تلك الأعمال (الخراب والدم  والغواية). و لكن يبقي أن أهم ملمح لهذا الكتاب أن أوباما يستغبي قارئه.