السبت 11 مايو 2024

يوسف نبيل في حواره لـ"الهلال اليوم": لابد من تخلى الهيئات الرسمية عن النشر مقابل دعم الناشرين

فن1-12-2020 | 16:42

التقت "الهلال اليوم" الروائى والمترجم، يوسف نبيل، للحديث عن الأدب الروسى وحركة الترجمة بشكل عام والترجمة الروسية على وجه التحديد.

يوسف نبيل روائى ومترجم مصري، خريج كلية الألسن- جامعة عين الشمس- قسم اللغة الروسية- 2008، يترجم عن الروسية والإنجليزية.

من ترجماته: يوميات تولستوى بأجزائه الستة، عن العصيان ومقالات أخرى: إريش فروم، حياتى أنطون تشخوف، السند المزيف تولستوي، ومترجمات عديدة أخرى، ويصدر قريبًا له الوضع البشرى المعاصر إريش فروم.

من الجوائز التى حصل عليها :جائزة ساقية الصاوى فى القصة القصيرة عن قصة: ظمأ: 2008، جائزة إحسان عبدالقدوس فى الرواية عن رواية موسم الذوبان - 2011، جائزة هيئة قصور الثقافة لأفضل رواية تنشر فى سلاسل النشر الإقليمى على مستوى الجمهورية عن رواية موسم الذوبان – 2012.. جائزة ساقية الصاوى فى الرواية عن رواية: وقتًا للبكاء: 2013.

وإلى نص الحوار: 


-حدثنى عن بدايتك فى الترجمة واختيارك للأدب الروسى تحديدًا.

تعرفت فى المرحلة الثانوية على الأدب الروسي.  قرأت بعض أعمال دوستويفسكى وتولستوى وجوركى وتورجينيف وتشيخوف، ومنذ ذلك الوقت قررت أن أصبح مترجما لهذا الأدب العظيم. حولت مسار دراستى إلى شعبة "أدبي" فى الصف الثالث الثانوي،  بعد مصاعب عائلية لأنى كنت متفوقا، والتحقت بكلية الألسن قسم اللغة الروسية. الأدب الروسى الكلاسيكى مشغول بأسئلة دينية إلى حد كبير، وربما هذا ما جذبنى إليه فى مرحلة المراهقة حيث كان السؤال الدينى يسيطر على عقلى كاملا .

كما أنى تأثرت بشدة بأبطاله الباحثين عن الحقيقة، وفقراء دوستويفسكى المملوئين بالعزة والكبرياء وتقلباتهم المثيرة ومونولوجاتهم الطويلة، كنت متيما بهذه الأعمال فى تلك المرحلة، كما أننى قد اكتشفت أن ميولى بعيدة تماما عن المواد العلمية، لذا كان قرارى مبكرا. لكنى تعطلت بعد التخرج لأعوام بسبب التحاقى بالجيش كضابط احتياط ثم رحلة البحث عن عمل وما شابه، إلى أن استقررت بالعمل بإحدى شركات الاتصالات، وفى تلك الفترة طلب أحدهم منى بالصدفة البحتة أن أجرب ترجمة أحد الكتب من الإنجليزية. جربت الأمر ثم فكرت فى العودة إلى الروسية، فاجتهدت قدر الإمكان فى دراستها مجددا لأتذكر ما نسيته وبدأت مشوارى بالترجمة، وسرعان ما تفرغت لها تماما.

 

-تراجعت حركة الترجمة الروسية العربية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فهل ترى أنها ازدهرت الآن؟

بلا شك، وقد حدث ذلك بظهور مترجمين مرموقين فى هذا المجال، فبالإضافة إلى الجيل القديم الموجود الآن مثل أستاذ عبد الله حبه وخيرى الضامن والدكتور أنور ابراهيم، لدينا الآن أسماء رائعة مثل الدكتور تحسين رزاق عزيز، الدكتور ابراهيم استنبولي، الدكتور منذر ملا  كاظم، الدكتور محمد نصر الجبالي، أحمد صلاح الدين، وأسماء أخرى كثيرة.

 

-كيف ترى مكانة الأدب الروسى لدى القراء العرب؟

مكانة ربما لا يضاهيها أى أدب آخر، باستثناء -ربما اللاتيني- حيث يندر أن نجد قارئا حقيقيا لم يتيم بأحد الكتاب الروس الكبار مثل: "تولستوي، دوستويفسكى وتشيخوف"، واليوم بدأ بعض القراء ينتبهون إلى الإصدارات الروسية الحديثة التى بدأت تتوالى على سوق النشر العربي.

 

-ماذا عن ترجمة كلاسيكيات الأدب الروسى للعربية؟

لدينا أعمال كلاسيكية روسية مترجمة بمستوى رفيع، وأعمال أخرى كثيرة بمستوى غير لائق وكثير منها عبر لغات وسيطة، وهنا يجد المترجم نفسه فى حيرة: هل ينخرط فى إعادة ترجمة ما تُرجم فعلا إن لم تكن الترجمة بالمستوى المطلوب، أم يترجم ما لم يتم ترجمته من قبل وهى أعمال كثيرة جدا؟ بعض دور النشر تبغى الاستثمار المضمون تمامًا حتى إن كان بلا معنى، فيعيدون مرارا وتكرارا طباعة أعمال مترجمة ترجمات ليست بالمستوى المطلوب، أو حتى ينخرطون فى ترجمة نفس العناوين، وبعض دور النشر تحاول الآن كسر هذا الجمود وتطرح أعمالا كلاسيكية لم تترجم من قبل، أو حتى تهتم بترجمة أعمال حديثة.

 

 

-هل ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى الروسية أنشط من ترجمة الأدب الروسى للعربية؟

تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى أرقام محددة غائبة بالطبع عني، لكنى أظن أنه لا توجد مقارنة بين عدد الأعمال الروسية المترجمة إلى العربية والعكس، حيث أن ترجمة لأعمال الروسية تتفوق بمراحل على ترجمة الأعمال العربية إلى الروسية. يعود هذا فى الأساس إلى الشهرة الرهيبة التى حققها الأدب الروسي؛ خاصة فى العصر الكلاسيكي، بالإضافة إلى الجهود الفارقة التى بذلها الاتحاد السوفيتى قبل أن يتفكك فى دعم ترجمة الأعمال الروسية إلى مختلف اللغات.

 

-كيف ترى الترجمة عبر لغة وسيطة، تحديدا فى الوطن العربي؟

أمر لا مفر منه فى ظروف كثيرة. أولا، بعض اللغات عدد من يجيدونها قليل جدا، وبالتالى سنضطر إلى اللجوء إلى ترجمتها عن الإنجليزية، بالإضافة إلى وجود أعمال كلاسيكية هامة جدا، ورغم طول الفترة الزمنية لم تترجم فيلجأ بعض المترجمين فى ذلك الوقت إلى ترجمتها عن اللغة التى يجيدونها، وغالبا تكون الإنجليزية.

 بعض دور النشر الآن ترفض الترجمات الوسيطة، لكنها لديها البديل حيث تتعامل مع عدد كبير من المترجمين عن لغات مختلفة، وهذا أمر صائب ومقبول تماما داخل هذا السياق، ولكن الأهم من ذلك هو ضمان جودة الترجمة. لا أخفى عليكم أنى قرأت بعض الترجمات عن لغات وسيطة وكانت أفضل من ترجمات أخرى عن الأصل. بالطبع ليس هذا هو الحال دائما، لكنى أظن أن السؤال عن الترجمة عن لغة وسيطة يجب أن يرتبط حتما بالسؤال عن جودة الترجمة ذاتها حتى إن كانت عن اللغة الأصلية.

 

-كيف تؤثر اختيارات القراء على حركة الترجمة بوجه عام؟

أظن أن لها جانب إيجابى وآخر سلبي. الجانب الإيجابى يحدث عندما تثق مجموعة من القراء فى اختيار مترجم ما أو دار نشر ما، أو فى تعاون مشترك بين كليهما، وبالتالى تتشجع دار النشر على طرح أعمال جديدة لأسماء ربما تكون غير معروفة للقاريء. الجانب السلبى يحدث  بكثرة الإقبال الحتمية على الأسماء العملاقة وعدم الإقبال بصورة مُرضية على أسماء أخرى تظهر جديدا على الساحة، وبالتالى تخشى دور النشر المخاطرات وتظل تحاول الاستثمار  فى ما هو مضمون تماما؛ الأمر الذى يمنع أحيانا تطور حركة الترجمة.

 

-ماذا تحتاج حركة الترجمة العربية وما التحديات التى تواجهها؟

 قبل أى شيء تحتاج حركة الترجمة إلى مستوى ممتاز من التعليم، وهوالأمر الغائب عن أغلب الدول العربية بالطبع. تحتاج إلى تكوين المترجم بصورة جيدة منذ فترة دراسته  بكليات اللغات؛ الأمر الغائب تمامًا فى مصر مثلا.

 تحتاج حركة الترجمة إلى وجود شريحة كبيرة من القراء؛ الأمر الذى تعانى منه البلدان العربية بسبب ارتفاع مستوى الأمية وسوء الأحوال الاقتصادية. تحتاج أيضا إلى دعم مؤسسى وتوفير أجواء من الحريات، حيث أن ترجمة فكر الآخر لا بد بالضرورة أن تقدم لنا ما يصطدم بالمعتقدات والأفكار الراسخة والشائعة لدينا، ولا قيمة حقيقية لترجمة محصورة داخل نطاق حريات محدودة. إن لم تكن لدينا قدرة على مواجهة فكر الآخر ومناقشته فلا معنى إذن للترجمة؛ إننا نترجم لنعرف الآخر.

 

-هل ترى أن المجتمع العربى ينصف المترجم؟

فى المجمل لا. فى أغلب الأحوال لا ينال المترجم حقوقه المادية والمعنوية بصورة مُرضية. يختلف الأمر من دار لأخرى ومن بلد لأخرى، لكنى أتحدث عن الأمر فى عموميته. لدينا عدد قليل جدا من المترجمين المتفرغين للترجمة، وذلك لصعوبة الاعتماد عليها ماديا، وبالتالى يقل تركيز المترجم والوقت المتاح له لانشغاله فى أعمال أخرى تُدر له دخلا ثابتًا. هناك بالطبع استثناءات، لكن هذه هى القاعدة العريضة.

 

  -ما مقترحاتك لإثراء حركة الترجمة الروسية بشكل خاص، والترجمة الغربية بشكل عام فى الوطن العربي؟

كما ذكرت سابقا يتطلب الأمر العناية بتكوين المترجم منذ فترة دراسته بكلية اللغات. يتطلب هذا بالطبع رفع المستوى العلمى بشكل عام فى التعليم الجامعي. أقترح أيضا أن تجرى كليات اللغة بأقسامها المختلفة لقاءات بالمترجمين البارزين فى كل لغة، بحيث يحتك الطالب مبكرًا بمترجمين فى سوق العمل وبالتالى يتمكن من فهم كثير من الأمور المتعلقة بهذه المهنة وفنياتها.

بالنسبة للترجمة عن الروسية والغربية بشكل عام أقترح على كل المترجمين العناية بكل ما تتاح لهم قراءته من نصوص دينية مسيحية وفلسفة غربية، لأن جزءً لا بأس به من الكتابات الروسية والغربية تتكأ على الأفكار الدينية والفلسفية التى أنتجتها الحضارة الغربية بشكل عام، وبالتالى يجب أن يفهم المترجم السياق الثقافى لهذه البلدان بصورة واضحة.

كذلك أوصى بضرورة الاهتمام المتعمد بترجمة الكتب العلمية والفكرية؛ الأمر الذى لا يلقى نفس الاهتمام بترجمة الأعمال الأدبية. يتطلب هذا بالطبع دعم المؤسسات. أوصى كذلك بأن تتخلى المؤسسات الرسمية مثل: المركز القومى للترجمة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – هيئة قصور الثقافة عن فكرة النشر تماما، وتتحول إلى جهات داعمة للناشرين.

 هذا ما يحدث فى العالم، مما يخلص عملية النشر من البيروقراطية. فلننظر مثلا إلى عدد العاملين بهذه الهيئات، وسنجد الأمر مرعبًا، أغلب المخصصات المالية لهذه الهيئات تذهب فى صورة مرتبات، ولا تذهب لدعم عملية الترجمة نفسها. من الممكن ببساطة أن توجه هذه الهيئات أغلب مستحقاتها المالية لدعم دور النشر الخاصة لكى تترجم أعمالا هامة مع الالتزام بكافة الشروط التى تريدها هذه المؤسسات من تسعير الكتاب بسعر معقول مثلا، وضمان مستوى معين من الترجمة يخضع لتحيكم لجنة من هذه المؤسسات مثلا.

إن فعلنا ذلك ستتحول كمية هائلة من المال إلى دعم عملية الترجمة فعلا، وسنجد الكتاب المترجم يظهر بصورة لائقة لأن دار النشر الخاصة تحرص بالطبع على عامل الربح، وفى الآن ذاته سيتخلص المترجمون من المشاكل البيروقراطية الرهيبة.

 


    Dr.Radwa
    Egypt Air