الإثنين 3 فبراير 2025

فن

«عطايا بكين لا تنتهي».. جزء جديد من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

  • 2-12-2020 | 18:49

طباعة

تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءً من الفصل الرابع من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار "سما" للنشر والتوزيع، وجاء فيه:

 

عطايا بكين لا تنتهي..

شهدت العاصمة البولندية (وارسو) أول قمة مع الصين عام 2012، بحضور (16 زعيمًا) من قيادات دول أوروبا الوسطى والشرقية، هذه القمة التي مهدت الطريق لمضاعفة استثمارات بكين في الأرض المركزية إلى (18 مليار دولار) عام 2014.

أما قمة بكين عام 2015، فقد أفرزت مشاريعًا ضخمة في البنى التحتية في خطوط السكك الحديدية والطرق والموانئ، مع كلٍّ من المجر، وصربيا، أسفر عنها بناء خط قطارٍ فائق السرعة بين عاصمتي البلدين (بودابست - بلجراد) بحلول عام 2017، كجزءٍ من مشروع عبورٍ (بري – بحري) يمتد من ميناء فيرايوس للشحن باليونان، في الجنوب إلى سكوبي (عاصمة مقدونيا) ثم إلى بلجراد (عاصمة صربيا) لينتهي في بودابست (عاصمة المجر).. ويعد هذا المشروع نموذجًا لربط الحلقات البرية بالحلقات البحرية على مسار طريق الحرير.

 

أيضًا قدمت الصين استثمارات ضخمة في إنشاء وتطوير مرافق الموانئ في كلٍّ من، كرواتيا، وسلوفينيا (على بحر أدرياتيكي) وبولندا، ولاتفيا (على بحر البلطيق) وبلغاريا (على البحر الأسود) وتركز بكين على مشاريع الطاقة الإنتاجية بين الموانئ، والمراكز الصناعية، في المناطق الساحلية.

وفي رومانيا، وقعت الصين اتفاقيات لبناء مفاعلين نوويين، في محطةٍ للطاقة النووية الرومانية.. في الصرب، أبرمت (21 اتفاقية ومذكرة تعاون) في يونيو من عام 2016، في مجالاتٍ واسعة، بين بكين وبلجراد، شملت الاقتصاد، والبنية التحتية، والطاقة والمالية والتصنيع العسكري، والتكنولوجيا والثقافة، والإعلام والتجارة، والاتصالات والعلوم، والسياحة.

وفي بولندا، اتفقت الدولتان عام 2016، على إحياء طريق العنبر، وهو طريق قديم كان يجلب عبره الحرير والفخار والشاي، من الصين إلى بولندا، والعنبر البولندي بالاتجاه المعاكس.. فالآن وبعد ألفي عام، تعود السكك الحديدية لربط البلدين، من أجل نقل البضائع بين مدينة لودز البولندية، ومدينة تشنغدو جنوبي غربي الصين، إذ تقطع مسافة (9800 كم) في أقل من أسبوعين(1).

ومؤخرًا كانت القمة السادسة المنعقدة في بودابست، نوفمبر من عام 2017، وقد زرعت هذه القمة فعليًّا بذور الانقسام داخل الاتحاد الأوربي، بعد أن فتحت بكين لهذه الدول مغارة (علي بابا) من أجل تمويل مشروعاتٍ قوميةٍ جديدة وضخمة في البنية التحتية، في قطاعات عديدة لهذه الدول.

تم إطلاق المزيد من خطوط السكك الحديدية بواسطة الصين، لزيادة عدد الرحلات المباشرة بين الصين وأوروبا، وتم الإعلان عن إنشاء مركز لوجستي من المرجح أن يكون في المجر، وأيضًا إقامة رابطة بين الصين والمجموعة الاقتصادية المشتركة، للتنسيق بين البنوك الأوربية، وصندوق التعاون الاستثماري الصيني (سيك) وكأن العالم أمام سوقٍ اقتصاديٍّ مشترك على غرار ما تم إبان الحرب الباردة في أوروبا الغربية.

قدم بنك التنمية الصيني تمويلات بقيمة 2 مليار يورو (2.4 مليار دولار أمريكي) في صورة قروضٍ موجهة نحو التنمية إلى هذه الرابطة، والتي تأسست رسميًّا في القمة، على أن يقدم الصندوق كمرحلةٍ ثانية، ما قيمته (مليار يورو).

كما ناقشت القمة الدعوة إلى إجراء دراسة جدوى، حول توسيع خط السكك الحديدية، الذي يربط بين ميناء فيرايوس اليوناني، وبودابست، ليصل إلى النمسا(2).

وحتى أبريل من عام 2018، استثمرت الصين على طريق الحرير، في الشحن البحري والموانئ، وتحديث بناء السفن التجارية على أحدث طراز، ما قيمته (1 تريليون دولار) وهو ما تعجز واشنطن وبروكسل، عن تقديمه لهذه الدول، ولو بعد قرنٍ من الآن، وعلى هذا فقاطرة الصين ستلتهم الأرض المركزية لا محال، ولو بعد حين.

 

فيشيغراد تتحدى سلطة بروكسل

إلى الآن لا تزال دول وسط وشرق أوروبا، قلقة على نحوٍ متزايد من حكم بروكسل السلطوي، كما أن بولندا والمجر، تخوض معارك قضائية مريرة مع الاتحاد الأوروبي، وهما دولتان عضو في مجموعة تأسست حديثًا باسم فيشيغراد ( بولندا- المجر- التشيك- سلوفاكيا) ككتلةٍ احتجاجية لنهج بروكسل السلطوي، وتآكل الديمقراطية من قبل المفوضية الأوروبية الاستبدادية، والتي أغرقت الدول الأعضاء في مئاتٍ من القوانين الديكتاتورية، لصالح اقتصاد السوق الحرة.

تطالب دول المجموعة، المساواة بين جميع دول الاتحاد، وترى أن دول أوروبا الشرقية تشعر بالتهميش من قبل ألمانيا وفرنسا، اللتين تتخذان القرارات الرئيسية منفردة، وهو ما يعني انضمام العديد من الدول إلى هذا التكتل الاحتجاجي، كلوبي مناهض داخل الاتحاد الأوروبي.

تفجر الخلاف الحقيقي بين المجموعة وبروكسل، نتيجة لموقفها الرافض لسياسات بروكسل الإلزامية للقبول باللاجئين العابرين من الشرق الأوسط إلى أراضيها، وهي الحملة التي تتزعمها المستشارة الألمانية (إنجيلا ميركل).

من جانب بروكسل، في ديسمبر 2017، لوحت المفوضية الأوربية برفع دعوى قضائية ضد الدول الأربع أمام محكمة العدل الأوربية، لرفضها استقبال اللاجئين، كما نظمت التيارات الليبرالية حملات تشويه ضد قادة هذه الدول في الإعلام الأوروبي، تتهمها بالديكتاتورية والفاشية، عبر دولارات جورج سوروس، الممول الرئيسي لملف اللاجئين إلى أوروبا.

ومن جهةٍ أخرى، فشلت مؤسسات سوروس، في إسقاط (فيكتور أوربان) رئيس وزراء المجر، المتحمس لطريق الحرير، خلال ترشحه لمدةٍ رئاسية جديدة في أبريل 2018، بعد أن نجح الأخير في تحجيم دور منظمات المجتمع المدني المجرية، ذات النهايات الطرفية، عبر تشريع قوانين منظمة للعمل شبيهة بالقانون المصري الصادر عام 2017.

مجموعة فيشيغراد التي تتلقى مساعدات اقتصادية من الاتحاد الأوربي، تُعد أكبر شريك تجاري لألمانيا، القوى الاقتصادية الأولى في الاتحاد، مما ينذر بخطرٍ داهم على ألمانيا، إذا ما دفعت لمزيدٍ من الضغط على هذه الدول للقبول بملف اللاجئين، خاصةً أن هذه المجموعة هي المستفيد الأكبر من عملية إعادة توزيع حصص الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا العظمى، مما يجعل هذه المجموعة تتمتع بثقلٍ سياسيٍّ هام في المرحلة القادمة.

أوربان نجح في تشكيل حلف مشترك بين (مجموعة فيشيغراد) من جهة، والأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، والأحزاب المحافظة الألمانية من جهةٍ أخرى، ضد المستشارة الألمانية (إنجيلا ميركل).

ومع تزايد الانقسام بين الشرق والغرب الأوروبي، حول قضية اللاجئين التي يتزعمها المحور المركزي ( برلين- باريس- بروكسل) والتي تخترق حرمة السيادة الوطنية، دخلت الحكومة النمساوية الجديدة أيضًا على خط الرفض، تبعها كلٌّ من هولندا، ومجموعة من دول شمال أوروبا، أبرزها إيطاليا.

- رئيس وزراء المجر (فيكتور أوربان) زار مدينة بافاريا الألمانية مطلع العام 2018، واجتمع مع قيادات حزب المحافظين الألماني، وأعلن من هناك أن العام 2018، هو عام استعادة إرادة الشعب الأوربي، الذي يرفض وصاية بروكسل عليه.

- الرئيس البولندي (اندرس دودا) ضرب بتحذيرات المفوضية الأوربية الخاصة بتفعيل المادة السابعة من ميثاق الاتحاد، عرض الحائط، ودفع بإصلاحاتٍ قضائية في تعديلٍ دستوريٍّ جديد، غير عابئٍ بحرمان بلاده من حق التصويت في الاتحاد الأوروبي، إذا ما فعلت هذه المادة.

- الرئيس (ميلوس زيمان) المنتخب حديثًا بجمهورية التشيك، في يناير من عام 2018، أعلن رفضه للعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الاتحاد الأوربي، ودعا لإقامة علاقات قوية مع الصين، كما رفض تمامًا المساهمة في الحصص الإلزامية لبروكسل، من أجل إعادة توطين اللاجئين.

- رئيس الوزراء الهولندي (مارك روتي) وأثناء زيارته إلى برلين في مارس 2018، أطلق على هذه السياسة (سياسة إنشاء دولة فوق وطنية) من أعلى إلى أسفل، بسيطرةٍ مركزية من بروكسل، على غرار الولايات المتحدة الأوربية (3).

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة