الأحد 24 نوفمبر 2024

أخرى

لأنه يوسف إدريس

  • 7-12-2020 | 12:59
طباعة

في الستينيات كان يوسف إدريس قد بلغ ذروة المجد الأدبي والشهرة، وأيامها جاء إليه شابان صغيران مثل مئات ممن يعرضوا علي أمير القصة القصيرة باكورة أعمالهم، كان الأول: من محافظة الشرقية "وحيد حامد"، منمق، نصف قاهري اسمه تقدم للكاتب الكبير حاملا بين يديه مجموعة قصصية كاملة مطبوعة وعنوانها "القمر يقتل عاشقه" وأما الآخر: صعيدي من الأقصر اسمه "يحيى الطاهر عبد الله "، خشن، جلف، لم - ولن - تهذبه حياة المدينة الوافد عليها، قابل يوسف إدريس علي مقهى "ريش" وتلي عليه بصوتٍ أجش قصة قصيرة - غير مكتوبة - كان يحفظها عن ظهر قلب.

 وكان للأستاذ القدير موقف مختلف تجاه الشابين؛ القاص وحيد حامد، بلدياته، النصف قاهري مثله، والذي جاءه يحمل كتاب مطبوع قال له حسبما روي وحيد حامد "ما تنفعش تكتب قصة قصيرة (وأشار ناحية جهاز التلفزيون) إنت لازم تكتب دراما ".

 وفي المقابل لم ينفُر من فظاظة "يحيى الطاهر عبد الله" ولا عدم اكتراثه أن يكتب القصة الوحيدة التي سيعرضها عليه، بل قدّمه في مجلة "الكاتب" التي كانت منصة أدبية مهمة في الستينيات، وتنبأ له بمستقبل باهر في كتابة القصة.

 لم يحبط وحيد حامد، أو يغتر يحيى الطاهر عبد الله، وسار كلاهما في طريقه بفضل عدل وجسارة يوسف إدريس، فحقق يحيى الطاهر عبد الله نقلة نوعية بفنه القصصي في الأدب العربي، وتربع وحيد حامد بعد سنوات على عرش الدراما السينمائية.

 فيما أكد المفكر الكبير جلال أمين أنه اعتذر عن تدريس الاشتراكية في الجامعة بعدما قرأ ليوسف إدريس جملة "العدالة ليس معناها الوحيد أن توفر لي الخبز فقط ".

 رسالة الأدب والفكر لا تخلو من كونها محوراً مهماً في تطور ورقي الإنسانية، جوهرها ابتغاء العدالة المطلقة، ومن وجوه العدالة تقديم النصيحة الحسنة الموضوعية؛ فكان ما يؤخذ على الأستاذ طه حسين إسرافه في المديح والتفاؤل في كل ما يعرض عليه من أعمال، وعلى النقيض تماماً الأستاذ العقاد يسفّه ويتشاءم من كل ما يعرض عليه من كتب أو مسودات، رويدًا رويدًا خسر العملاقان الكبيران، مصداقية إسداء النصيحة والعمل بها من طالبيها سواء بالسلب أو بالإيجاب.

بينما يوسف إدريس نجد أنه كما انتهج الموضوعية في إبداعه انتهجها في تعامله مع القادة والأدباء ورجال الدين وكذلك الأجيال الصاعدة، لأنه يوسف إدريس وجدنا أمثال وحيد حامد ويحيي الطاهر عبدالله وجلال أمين كما عرفناه، مما لا شك فيه أن لصراحة وموضوعية يوسف إدريس ثمناً باهظًا دفعه من راحته ومكتسباته المحتملة.

    الاكثر قراءة