سارعت طهران اليوم الاثنين إلى نفي صحة معلومات تحدثت عن تدهور الحالة الصحية للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي (81 عاما) فيما تدور منذ فترة حرب صامتة على خلافته وأزمة تزداد حدّة بين الحزبين الرئيسيين: تيار المحافظين الذي ينتمي له المرشد وتيار الإصلاحيين الذي يقود الحكومة حاليا، بينما تتزامن هذه المعلومات مع استعدادات إيرانية للانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة وهي جبهة مواجهة أخرى بين التيارين.
وتغذي الأنباء عن وضع خامنئي الصحي معركة الخلافة التي ما أن تهدأ حتى تستعر مجددا وقد طفت على الساحة منذ خضع المرشد الأعلى في 2014 لجراحة ناجحة في غدة البروستات وكان عمره حينها 75 عاما.
وعملية خلافة أعلى مرجعية دينية وسياسية في إيران عملية معقدة وتتداخل فيها أكثر من هيئة وأكثر من شخصية ناهيك عن دور الحرس الثوري الذي يعتبر قوة عقائدية واقتصادية تمسك بخيوط اللعبة السياسية في إيران.
وذكرت وسائل إعلام في طهران أن خامنئي "في صحة جيدة" كما أكد عضو في مكتب المرشد الأعلى الإيراني نافية بذلك شائعات عن تدهور وضعه الصحي مؤخرا.
وكتب مهدي فضائلي على تويتر "بفضل من الله وبدعاء المحبين السيد القائد بخير ويقوم بتنفيذ خططه وفقا للجدول العادي". وتناقلت التغريدة وكالات أنباء إيرانية تقدم فضائلي على أنه أحد أعضاء مكتب المرشد الأعلى.
وانتشرت شائعات عن تدهور حالة خامنئي الصحية بعد نشر السبت نص بالعربية على تويتر أكد أن المرشد الأعلى نقل السلطة إلى ابنه مجتبي خامنئي بعد تدهور مفاجئ في وضعه الصحي.
وتناقلت مجلة أمريكية معروفة الرسالة بدون التحقق من صحتها، ما ساهم في تعزيز الشائعات ، والاثنين كتبت "وكالة تسنيم الإيرانية" أن التغريدة التي تم تداولها "معلومة مضللة" نشرها حساب "يعود لمنشق ناطق بالعربية مقره لندن".
وكانت آخر مرة ظهر فيها خامنئي علنا في 24 نوفمبر ووفقا لصور نشرها التلفزيون الإيراني، كان خامنئي التقى رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، علما أنه يقوم بهذه الخطوة عموما مرتين أو ثلاثا شهريا كحد أقصى.
وفي تلك المناسبة ظهر خامنئي وضيوفه واضعين الكمامات بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد بشدة في إيران.
وعلى تطبيق تلجرام نفى التلفزيون الإيراني اليوم الاثنين اجتماع مجلس الخبراء المكلف بتعيين أو إقالة المرشد الأعلى، خلال النهار.
وأصر التليفزيون على تصحيح الأمور بعدما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورة تشبه لقطة لقناته الإخبارية مع شريط يعلن عن الاجتماع. وأكد التلفزيون أن هذا الشريط "مزيف".
وفي مستهل العام الحالي كانت صحيفة 'فايننشال تايمز' البريطانية قد نشرت تقريرا مطولا تحدثت فيه عن معركة صامتة تحت عنوان "معركة الخلافة في إيران تشتعل"، مشيرة إلى حرب غير معلنة على خلافة خامنئي.
وتسود مخاوف في إيران من أن هذه المعركة ربما تتيح للحرس الثوري نفوذا أكبر وأوسع، فالجيش العقائدي الذي أسس إمبراطورية اقتصادية ضخمة خلال عقد من العقوبات الأميركية على إيران غير مستعد للخروج من هذه المعركة خاوي الوفاض وهو الذي تنامى دوره بدعم من المرشد علي خامنئي بعد تصفية واشنطن في ينايرقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في غارة بطائرة مسيرة استهدفت موكبه في بغداد.
ويسعى الحرس الثوري ومن ورائه المحافظون المتشددون إلى زيادة تأثيره داخل أروقة السلطة وصناعة القرار.
ويدفع الاصلاحيون إلى أن يكون منصب ودور المرشد رمزيا بينما يدفع المتشددون إلى دور أقوى أكثر براغماتية وإلى اختيار شخصية قريبة من حيث الفكر والطباع من شخصية خامنئي الذي سيغادر منصبه عاجلا أم آجلا بسبب المرض أو العجز أو الوفاة وهي أمور يتحسب لها المحافظون سرّا.
ويركز الحرس الثوري على فترة ما بعد خامنئي لجهة فرض سلطته على مجمع خبراء القيادة وهو ما يمكنه من فرض الشخصية الجديدة للمنصب وفق حساباته وتوجهاته العقائدية والسياسية.
وكان معهد واشنطن قد عرض في تقرير سابق مطول للمتغيرات المرتقبة في إيران ومن ضمنها معركة خلافة خامنئي مشيرا إلى أن "النظام استجاب لأزمة الخلافة في عام 1989 بتغيير القانون الإيراني مما سمح لرجال الدين من المرتبة الأدنى بالتأهل لمنصب المرشد الأعلى وإلغاء منصب رئيس الوزراء وتركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية. وقد بات الآن واضحا أن هناك تلميحات عن إتباع نهج مشابه للخلافة القادمة".
لكنه أوضح في المقابل إلى أن عملية الخلافة الرسمية التي أرساها الدستور قد لا تستمر، فمن الناحية الفنية فإن مجلس الخبراء هو الهيئة التي تتولى مسؤولية اختيار الخليفة مع مجلس مؤقت يضم الرئيس ورئيس السلطة القضائية وعضو في مجلس صيانة الدستور.
ويتولى هذا المجلس بشكل مؤقت مهام المرشد الأعلى من تاريخ الشغور في المنصب حتى تولي شخصية أخرى المنصب.
لكن الأمر ليس باليسر الذي يبدو عليه ، فثمة هيئة أخرى وازنة ولها كلمة الفصل في مثل هذه الأمر وهي مجلس تشخيص مصلحة النظام ويتمتع هذا المجلس بسلطة استبدال أعضاء المجلس المؤقت إذا اقتضت الضرورة ذلك. ووسط الصراعات القائمة والتداخل المعقد في المهام والنفوذ فإن كل السيناريوهات واردة ومطروحة في ما يخص خلافة خامنئي.
وبعد رحيل الخميني في 3 يونيو 1989 عُقد اجتماع كبير في صباح اليوم التالي ضم أبرز قادة البلاد ومسؤوليها المدنيين والعسكريين وقرأ رئيس الجمهورية حينها علي خامنئي الوصية السياسية الدينية للخميني.
وفي عصر اليوم ذاته عقد مجلس قيادة النظام (مجلس خبراء القيادة) الذي يضم عشرات الفقهاء والمجتهدين من كافة المدن الإيرانية، اجتماعه لينتخب القائد الجديد طبقا للمادة 107 من الدستور الإيراني، ففي البداية كان هناك نقاش حول أن تكون القيادة فردية أو على شكل شورى تتكون من ثلاث أشخاص: الرئيس ورئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الخبراء، وهم على الترتيب: علي خامنئي وموسوي أردبيلي وعلي مشكيني، لكن لم تصوّت أكثرية أعضاء المجلس للقيادة الجماعية وتم التصويت للقيادة الفردية، فتحوّل النقاش بعد ذلك إلى إيجاد المصداق الحقيقي للقيادة الفردية، وفق تفصيلات أوردتها موسوعة ويكيبيديا عن تلك الفترة.
وحسب ما ورد في تفاصيل تلك الفترة سرد - رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء حينها عدة روايات أثنى فيها الخميني على جدارة خامنئي للقيادة، لكن الأخير كان وقتها غير مؤهل لشروط القيادة، فقد كان شرط المرجعية من شروط ولاية الفقيه، في حين لم يكن خامنئي مرجعا دينيا في ذلك الوقت، فاضطر أعضاء المجلس لتعيينه كمرشد أعلى مؤقت في إيران. وبعد حوالي الشهرين جرى استفتاء على مراجعة الدستور في إيران وقد وافق عليه 97.6 بالمئة من الناخبين، ليتم بموجبه تعديل الدستور وإزالة هذا الشرط، فجدد مجلس خبراء القيادة في جلسة ثانية في 6 أغسطس 1989 انتخاب خامنئي في منصب ولي الفقيه بعد حصوله على موافقة 60 من 64 حضروا الاجتماع.
وحرص خامنئي على تهميش الجيل الأول للسياسيين الثوريين وأعاد في الوقت ذاته تشكيل الطيف السياسي بترقية جيل جديد من السياسيين الضعفاء الذين يدينون له بالولاء.
وكان عضو مجلس خبراء القيادة الإيراني محسن أراكي قد كشف العام الماضي أن وجود قائمة من المرشحين لخلافة خامنئي ووفقا للمواصفات فإن الرئيس الحالي حسن روحاني ورئيس القضاء إبراهيم رئيسي إضافة إلى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس القضاء السابق صادق لاريجاني من بين أهم الأشخاص المرشحين لتولي المنصب.