السبت 5 اكتوبر 2024

شكيب أرسلان.. أمير البيان

فن9-12-2020 | 16:36

 

يعتبر شكيب أرسلان أحد أبرز الوجوه العربية، صاحبة التأثير الكبير في حركة اليقظة والإصلاح في التاريخ الحديث، إلّا أنه رغم مكانته المرموقة الاجتماعية والأدبية ، وصلاته الوثيقة مع أوساط سياسيّة وثقافية كثيرة في عصره، فإن ذكره في العقود الأخيرة يكاد يخفت في العالم العربي، ربّما باستثناء الساحتين اللبنانية والمصرية، من حيث التذكير بمواقفه القومية الفاعلة، ومن حيث إبراز إنتاجه البياني النثري والشعري، ومؤلّفاته التحليلية عن أحوال العرب والمسلمين وبلاد الأندلس. وهو عالم بالأدب، والسياسة، ومؤرِّخ، من أكابر الكُتَّاب، ومن أعضاء المجمع العلمي العربي.


وكان أرسلان متأثراً بمنهج السيد جمال الدين الأفغاني الفكري والسياسي -كما تعين مديراً للشويفات سنتين، فقائم مقام في الشوف ثلاث سنوات، وأقام مدة بمصر، ثمَّ انتخب نائباً عن حوران في مجلس (المبعوثان) العثماني.


نظم شكيب أرسلان الشعر وهو في منتصف العقد الثاني من عمره، وظهر نبوغه في الكتابة وغطت على شعره، فبدأ يراسل جريدة الأهرام المصرية وظل على ذلك سنين فاستفاضت شهرته، وفي عام 1887 نشر ديوان شعره الأول وأسماه الباكورة. -سافر شكيب إلى مصر وعمره إحدى وعشرون سنة، ولازم أستاذه محمد عبده وتعرف من خلاله إلى أرقى الشخصيات في مصر، وإلى مجموعة من طلائع النهضة العربية منهم: سعد زغلول، والشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد، وكذلك أحمد زكي باشا الذي أصبح شيخ العروبة في تحقيقاته وكتبه وأدبه.


 تعرف إلى كثير من الشعراء والأدباء والساسة تضيق عن استيعاب أسمائهم وأمجادهم سطور وسطور، وكان لهذه البيئة أثر في حياة شكيب حيث كانت تمثل أكبر جامعة من الجامعات دخلها وخرج منها على اطلاع وثقافة وسياسة فزادته يقيناً برسالته التي راحت تراود أحلامه وأمانيه


في دراسة تحليلية للباحث عز الدين الشنتوف "شكيب أرسلان الوعي الشعري وسؤال التحديث" قال عن شعر ارسلان، لا نكاد نعثر، فيما كتب أرسلان من مقالات ودراسات، عن تصور محدد للشعر، بقدر ما نجد آراء متفرقةً لا نظفرُ منها بإطار تنظيري واضح. ومع ذلك يمكن أن تشكل هذه الآراءُ مواردَ لفهم طبيعة الصلة بين الوعي الشعري والتحديث. وترجع فكرة الأصل في كتاباته إلى طبيعة البنية التقليدية التي وسمت النص الشعريَّ لدى كل شعراء المرحلة؛ ولذلك يرى أرسلان في تجربتَي البارودي وشوقي عتبةً عُليا. 


وكانت تغلب على مبادئ الأمير شكيب الصبغة السياسية، لأنه كان يرى أن إصلاح السياسة يصلح كل شيء. وهذا الإصلاح في السياسة قد انحصر عنده منذ بدأ مساهمته في الدعوة للجامعة الإسلامية حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى أي مدة ربع قرن في نقطتين الأولى: إصلاح الحكم الاستبدادي في الدولة العثمانية وفي سائر الدول الإسلامية الأخرى، وتقويم المعوج في شؤونها الداخلية. الثانية، تخليص الشعوب الإسلامية الواقعة تحت الحكم الأجنبي. وقد ظلت هذه النقطة الثانية مدار عمله في هذا الميدان حتى النفس الأخير من حياته.


وقد أدرك “شكيب أرسلان” منذ وقت مبكر أثر العامل الديني في الصراع بين الشرق والغرب، وأكد عليه في كثير من كتبه ومقالاته، وأوضح أثر ذلك العامل في إثارة دول الغرب ودعمها لاستعمار الشرق واحتلال العالم الإسلامي، وربط بين الحملات الصليبية القديمة نحو الشرق وأخواتها المعاصرة على أيدي الفرنسيين والإنجليز والألمان، ولكنه كان أشد نقدًا للفرنسيين، فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي حاربت الإسلام والمسلمين، وقد خرجت منها وحدها إحدى عشرة حملة صليبية في مقابل حملة إنجليزية وأخرى ألمانية


كان “شكيب أرسلان” من أكثر الدعاة إلى الوحدة العربية حماسًا، ومن أشدهم إيمانًا بأهميتها وضرورتها لمواجهة الهجمة الاستعمارية الشرسة على العالم العربي والإسلامي، وللخروج بالأمة العربية من حالة التفكك والتشرذم والضياع التي أرادها لها المستعمر الدخيل؛ حتى يسهل له السيطرة على أهلها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها.


ولم يقتصر دور "شكيب أرسلان" على الاهتمام بقضايا الأمة العربية وإيقاظ الهمم وبعث الوعي الوطني في داخل الوطن العربي فحسب، وإنما انطلق يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم؛ فسافر إلى روما وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر العديد من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الشعوب العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار.



ومن أعمال شكيب أرسلان، تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى- سنة (1352 هـ - 1933م
). الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية.