الأحكام الصادرة عن القضاء تقوم على أساس مبدأ المشروعية، ولا قيمة له مالم يقترن بمبدأ احترام الأحكام القضائية وكفالة تنفيذها، فالإدارة قد تخل بالتزامها بالتنفيذ باتخاذ عدد من الوسائل والصور التي تمكنها من التنصل من مسؤولية التنفيذ، فمع التسليم بصعوبة اتخاذ وسائل الجبر والإكراه ضد جهة الإدارة، إلا أن المشرع نظم بعض الطرق القانونية التي يلجأ لها لمواجهة امتناع تنفيذ الاحكام القضائية.
تنفيذ الأحكام القضائية الضمان الحقيقي والتطبيق العملي للتوجيه الدستوري بكفالة حق التقاضي، إذ إن مجرد النفاذ إلى القضاء في ذاته لا يعدُّ كافيا لضمان وحماية الحقوق، وإنما يقترن هذا النفاذ دومًا بإزالة العوائق التي تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة عن العدوان على تلك الحقوق بعد صدور الأحكام بإقرارها، وهو ما حرص دستور 1971 على تأكيده،و الدستور الحالي في ختامه للباب الرابع بنص المادة (100) من أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام، أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، ذلك أن تنفيذ الأحكام يندمج في الحق في التقاضي ويعدّ من متمماته لارتباطه بالغاية النهائية المقصودة منه ، وآية ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية ولكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون.
جميع الأحكام الصادرة من المحاكم تسرى فى شأنها القواعِد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه، وبما يستوجبه ذلِك من الالتزام بتنفيذ هذه الأحكام وإجراء مقتضاها، فلا يجوز الامتناع عن تنفيذ أى حكم صادر على سند من القول بأن المحكمة التى أصدرته لم تكن مختصة بنظر الدعوى؛ إذ إن ذلك مردود بأن هذا الحكم يُعد من الأحكام واجبة النفاذ، ولا يجوز المجادلة فيما قضى به إلا باتباع طريق الطعن عليه خلال المواعيد المقررة قانونًا .
وبالرغم من أن هناك العديد من الفتاوى والتشريعات والأحكام القضائية من محاكم مجلس الدولة التي حثت على ذلك الا أن هذا لا يكفي في الواقع ، فإذا نظرنا إلى وزارة العدل كجهة تنفيذ وتتبع السلطة التنفيذية ولكنها منوط بها تطبيق القانون وتنظيم العمل في أروقة العدالة التي تصدر الأحكام القضائية .
وزارة العدل تتجاهل عشرات الأحكام القضائية واجبة النفاذ والتي أصبحت في أرشيف ديوان الوزارة ، فهناك
أحكام قضائية منذ ٣ أعوام ممثلة في أحقية موظفين في مستحقات مالية ، وأخرى خاصة بتخطي تعيينات بالشهر العقاري والتوثيق، وعودة العمل ، وأحقية بالتعيين مثل مسابقة النيابة الإدارية ، وغير ذلك من الأحكام المختلفة واجبة النفاذ عند المنوط بهم تطبيق القانون وأول من هم يماطلوا في تنفيذه .
وبالرغم أن امتناع الموظف عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ يعرضه للحبس والعزل من وظيفته، طبقاً لما نصت عليه المادة 123 من قانون العقوبات المصري، التي نصت على أنه يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته فى وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة، أو أحكام القوانين واللوائح، أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم، أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة، كما يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى 8 أيام من إنذاره على يد محضر، إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخل فى اختصاص الموظف.
وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن خطورة عدم تنفيذ الأحكام القضائية للجهات المنوط بها تطبيق القانون يعد أكبر خطورة تواجه احترام الدستور والقانون وحجة لغيرهم من الجهات التنفيذية الأخرى مما يهز من ثقة المواطن ودعوة صريحة للإحباط وفقدان الثقة وفي تقدير أي منصف يعد جريمة أخرى من المؤكد أن المشرع نظم ذلك في قانون العقوبات.