الخميس 27 يونيو 2024

الدكتورعبد الرحيم درويش في حوار لـ"الهلال اليوم": قرأت للعمالقة في طفولتي وتأثرات كثيرا بنجيب محفوظ

فن13-12-2020 | 18:29

الدكتور عبدالرحيم درويش، أديب استخدم آلة الزمن في إحدى رواياته للعبور إلى المستقبل البعيد، تأثر بعمالقة الأدب والسينما منذ طفولته، فأصبح كاتبا للروايات والقصص في شبابه، وكان نجيب محفوظ داعما له معنويا له في "نفوس متمردة". 


يفتخر بحصوله على جائزة "النشر ضمن مطبوعات اتحاد كتاب مصر" عن رواية موت الأحلام، لأنها الجائزة الأولى له من وطنه الحبيب "مصر"، على الرغم من حصوله على جوائز عديدة من بلدان عربية شقيقة، واصفا في روايته تلك، موت الأحلام في قلب الإنسان العربي.

 التقت "الهلال اليوم" الأديب الدكتور عبدالرحيم درويش، استاذ الإعلام بعدد من الجامعات المصرية، للتعرف على تفاصيل خاصة حول مشواره الأدبي وكذا معاناته وأحلامه، ورواياته التي خاطب فيها المجتمع المصري خاصة والمجتمع العربي عامة، وقدم خلالها توجيهات ونصائح للشباب والمراهقين في كافة مناحي الحياة، وكذا مناقشة قضايا اجتماعية عديدة.



منذ متى وأنت شغوفا بالأدب؟


كنت محبا للسينما والروايات منذ طفولتي، كما كنت شغوفا بقراءة مؤلفات بعض الكتاب العمالقة، مثال العالم والكاتب مصطفى محمود، يوسف إدريس، يوسف السباعي ونجيب محفوظ، الذي كان بمثابة الداعم الكبير لي في تجربتي الأدبية "نفوس متمردة"، وأصبح لدي حصيلة كبيرة من المعرفة، بعد قراءة روايات ومؤلفات للعمالقة الكبار سابقي الذكر بعد انتهاء مرحلة الثانوية العامة، ولكن أكثرهم تأثيرا على ثقافتي الأدبية، هو العملاق نجيب محفوظ، حتى أنه كان داعما معنويا لي في مشواري الأدبي، وتأثرت بأسلوبه وفكره في كتابة روايتي.


كيف كان نجيب محفوظ داعما لك؟


بدأت قراءة الأدب لكثير من الأدباء المعروفين، في أواخر المرحلة الابتدائية والإعدادية وصولا إلى المرحلة الثانوية، بينما كنت أقرأ بنهم لنجيب محفوظ، وما إن التحقت بالجامعة، تفتحت لدي الفرص للكتابة، وكنت أدرس مادة أدب عربي حديث، وأدب إنجليزي حديث، والدراسة آنذاك أثقلت فكري وثقافتي، ومن حسن حظي، أنني خلال الفرقة الأولى لي بكلية الإعلام، تقابلت مع الراحل نجيب محفوظ، وأجريت معه حوارا ثمينا في جريدة الأهرام، والتقاني في الشيراتون مرة آخرى وتعامل معي معاملة الأب الحنون والمعلم المثالي، ومن خلال قرائتي لرواياته، استعنت بأسلوبه وعبقريته في كتابة رواية "نفوس متمردة" التي أعيد طباعتها للمرة الثالثة عام 2020، حتى قررت إفادة المجتمع والشباب والمراهقين من دراساتي البحثية.


كيف وجهت رواياتك،  ورسالتي الماجستير والدكتوراة، لإفادة المجتمع العربي؟


كنت مهتما بالمراهقين، وخاصة بمن هم في مرحلة المراهقة المتوسطة، من خلال رسالتي الماجستير والدكتوراة، وكنت من الباحثين القلائل الذين اهتموا بالإعلام الاجتماعي الذي جمعت فيه بين علم النفس والإعلام، لأن هذه الفئة مغفول عنها من قبل الباحثين،  لكن لم أحظ بنشرها، كما كنت أود معرفة ما الذي يريده الشباب والمراهقين من الأفلام، لذا حاولت تقديم تحليل لبعض الأفلام في فترة زمنية سابقة، ولمعرفة ما تقدمه الدراما والسينما وتأثيرها على الشباب، ومن خلال رسالاتي البحثية وكذا رواياتي فيما بعد، عمدت إلى توجيه الشباب والمراهقين وتقديم معلومات تفيد الجمهور عامة وللشباب خاصة من خلال تقديم مضمون جديد ولذلك فزعت لكتابة الرواية.

 

بقلب من تعيش، الأديب أم الأستاذ الجامعي؟


أعيش بقلب عبدالرحيم الكاتب الأديب، لذا اتخذت الرواية والأدب وسيلة للتحدث بلسان الفقراء، وكذا وصف معاناتهم والجهر بمآسي هذه الطبقة المقهورة، والتي أعتبر نفسي أحد أفرادها، لأنني على الرغم من  كوني أستاذ جامعي، الا أن حصيلة دخل الأستاذ الجامعي معدمة، فعشت معاناتهم وتجرعت نفس آلامهم من ضيق الحال، لذا قررت قبول السفر لإحدى البلدان العربية، كباقي المواطنين الذين يلجأون، لتحسين أوضاعهم الإقتصادية.


 لكنني كنت أبكي وأنا مغادر وطني الحبيب، وعندما عدت بعد 4 أشهر لعدم احتمالي الصبر بعيدا عن تراب وطني، كنت أبكي فرحا وشوقا لوطني، فلم أحقق ما أصبو إليه من الحصول على المال، وفضلت حضن وطني على رغبتي في يسر الحياة، أما أنا كمواطن وأديب أكثر استشعارا بمعاناة ومأساة الفقراء والطبقة المعدمة.


 وهذا ما أشرت إليه في رواية "موت الأحلام" وكذا مرارة الغربة التي يتجرعها المسافر بعيدا عن وطنه وأهله، أما بالنسبة لكوني أستاذ جامعي فهو مجرد عمل أتكسب منه بالكاد قوت يومي، وما أدخره أنفقه على رواياتي ونشرها، لأن الناشرين لم يهمهم مكسب الكاتب بقدر مكاسبهم، وجعلوني أعاني واضطر أن أنفق من مالي الخاص القليل لنشر المؤلفات وبيعها بنفسي.


ما هي المعاناة التي تؤثر عليك سلبا مع الناشرين؟


أصبح الشغل الشاغل لدور النشر التكسب، من وراء الكاتب دون الاهتمام بما يربحه هو الآخر، كما لم يهتمون بشأن تسويق الروايات وكافة المؤلفات، فسعيت لتسويقها بنفسي، خاصة وأن تفاجئت بأن الناشر يبيع "سارة العسكر وأصداء الخيال" بنحو 16 دولار وليس لي الحق في الاعتراض، أو حتى أخذ بعضا من الربح، كما أنهم لا يشغلهم المحتوى المقدم للجمهور.


 فظهر على الساحة الثقافية مؤلفين ليس لديهم ثقافة ولا فكر أو موهبة أدبية، وسيطروا على الناشرين بأموالهم، وهذا يحبط الأدباء الموهوبين الحقيقين، وبالتالي يؤثر سلبا على المتلقي، ويخلق عقولا فارغة بالقراءة للمحتوى الأجوف.


ما هي أعمالك الأدبية وما أحبهم إليك؟


لي أكثر من 12 رواية، ومئات القصص القصيرة لم تنشر بعد، ولكن قريبا ستخرج للنور، هذا بالإضافة للعديد من المؤلفات والأبحاث العلمية، أما عن أحب أعمالي، فأنا أحبهم جميعا، فهم بمثابة أطفالي، والأب يحب كل أبنائه، لا أفرق في محبتي لهم واعتزازي بهم، ولكل رواية مكانة خاصة في قلبي، فكل رواية أعاني فيها حالة ولادة خاصة، فعلى سبيل المثال رواية "نفوس متمردة" فهي أولى رواياتي، وكذا هي الرواية التي تنبأت فيها بأحداث يناير 2011، وحصلت فيما بعد الأحداث بتشابه كبير في الواقع، كما تنبأت بمقتل صدام حسين، وبالفعل تم إعدامه في عيد الأضحى، وبالتالي كل الروايات خرجت من رحم أفكاري، على الرغم من أن لي ستة روايات حبيسة  الأدراج، لم تحظ بالنشر إلى الآن بسبب عدم قدرتي على الإنفاق على نشرهم، كما وأن هناك عشرات القصص القصيرة لم تنشر بعد، كما أحب رواية "اثنان أربع ستات" و"سارة العسكر".


لماذا تعتز برواية "اثنان أربع ستات"؟


هي فانتازيا خيال اجتماعي، وفيها نظرة للمستقبل الاجتماعي، والتنبؤ بمستقبل غريب، وشيدت فيه مستقبل يؤكد سطوة المرأة، والست في الرواية أخذت دور "سي السيد"، وثورة الرجال ضد النساء، لأن المرأة تعيش ظالمة للرجل، وتعنفه إلى آخر أحداث الرواية. 

وعلى الرغم من تحقيق انتشار للرواية، وقد نالت اعجاب النقاد والقراء، إلا أنني لم أسلم من التعرض لمشكلات، أثرت سلبا على عملي كأستاذ جامعي، ولكن الأمر ليس عيبا في الرواية، ولكنها نتيجة غيرة من بعض الزملاء، حرضوا طلابي ضدي، ورفعوا دعوى ضدي، بدعوى أنني أهدم قيم المجتمع، وفيها ما يشين المرأة وينتقص من الرجل الشرقي، وما زالت الدعوى قائمة، ولكنني أثق بالقضاء المصري، وكل بوادر ونتائج الدعوى القضائية، تنم بانتصاري على أعداء النجاح، بل بلغ الأمر لحد الدعايا لروايتي، وتم طباعتها عدة مرات، وهذا نصر مبدئي. 



ما هي أكثر رواية أخذت وقتا لإخراجها للنور؟



رواية "موت الأحلام" التي عكفت على كتابتها، نحو 10 سنوت، وهي حوالي 180 صفحة وأعدت كتابتها عدة مرات، إلى اللحظة التي شعرت بلحظة قطافها، وقبل نشرها عرضتها على الأدباء في دول الجزائر، تونس، مصر وبعض الدول العربية، واشادوا بها جميعا وكان لها انتشار واسع بين القراء والجماهير، وسعدت بردود الأفعال بأصدقائي الأدباء في الدول العربية، وحصدت على جائزة "النشر في مطبوعات اتحاد كتاب مصر"، ومبلغ مالي نحو 3000 جنيها.



 أبرز القضايا التي ناقشتها في مشوارك الأدبي؟


ناقشت عدة قضايا تشغل بال المجتمع، وتناولت قضية التفكك الأسري والاجتماعي، قضايا الفقر والفقراء والمهمشين اجتماعيا، والفساد السياسي والاجتماعي، والذي يترتب عليه قضايا اجتماعية كثيرة، وحذرت من الشخصيات المريضة في المجتمع المتلونون كالحرباءات، الذين يحاربون غيرهم، وكان واجبي نحو المجتمع أن أحذره منهم، وطلبت من السلطة خلال رواياتي أن يقتربوا إلى الشعوب، وألا يخوفوهم فالمجتمع يعلو بالاتفاق بينهما، وتحدثت عن قضايا الحب والرومانسية، فمن منا يستطيع العيش بلا حب.



كيف تعايش الأحداث وتنقل الواقع كما في "النزيل الجديد"؟


الكاتب لا يعيش في برج عاجي، وإنما هو ابن المجتمع ولابد أن ينخرط به، لكي يعبر عن الواقع والحياة، لدرجة أنني عايشت المساجين في السجن، وذلك لنقل الحياة بكامل وأدق تفاصيلها، وكان من حسن حظي أني كنت رئيس لجان السجن، وكل رواياتي تتحدث بثورة على أحوال المجتمع وما يعانيه، ورغبتي الكامنة في تغيير المجتمع للأفضل، فمثلا تناولت قضايا عديدة في "النزيل الجديد"، وأبرزها قضية الطلاق، الذي يترتب عليها تفكك الأسر وضياع الأطفال، وأصبحت النساء تستسهل الخلع، ولم يعد الأزواج متمسكين بالحياة الزوجية المقدسة، كما وأصبحت القوانين ضد الرجل ومنصفة للمرأة، بطريقة جعلتها تسطو على الرجل، بل والاستحواذ على كل ما يملك، وانتزاعها الأطفال منه وتمزيق فؤاده وتحطيمه، وبالتالي ظهور جرائم الزنا والسرقة والقتل وامتلاء المجتمع بالأطفال المشردين.


لماذا أسمع نبرة الحزن والتأثر كأنك مررت بتجربة قاسية؟


لقد مررت بتجربة قاسية في حياتي الشخصية، وإلا لم أكن صادقا في توصيل المشاعر والواقع بشكل واقعي ودقيق، فأنا أحد ضحايا الرجال الذين فقدوا بيتهم واستقرارهم، كما فقدت أموالي وطفلي الوحيد، وأحلم بعوض جميل من الله، فأنا شاعر، ولي حلم يعلمه الله.


ما هي أحلامك؟ وما الذي حققته منها؟ وما الذي لم يتحقق؟


أود لو أجد امرأة تحبني لذاتي تحتضنني كأمي، وتعاملني بلطف كأختي، تكن لي كل النساء في امرأة واحدة، خاصة وأنني صدمت في رحلة زواجي إلا أن هذه الصدمة جعلتني فيلسوفا، وخلقت بداخلي الإصرار على النجاح، وبالفعل نجحت في عملي كأستاذ جامعي، والصدمة أثرت فكري وغذته، إلا أنني ما زلت أتمنى الحلم الضائع، في زوجة حليمة حنونة، تتبنى قلبي اليتيم.



ماذا تتمنى؟


أتمنى أن يتدفق الابداع وينبوع الكتابة إلى أخر يوم في عمري وأن أستمر في الإنتاج إلى أن يصل إلى كل شارع في الوطن العربي وإلى كل قلب عربي كما أن تترجم أعمالي إلى لغات أخرى عديدة تتفرع لدول كثيرة، وأن تبث أعمالي الروائية، بعمل مرئي على الشاشة الصغيرة وشاشة السينما.

وأما حلمي لوطني مصر، أن تعود لمصر قوتها الناعمة، وأن تعود مصر قبلة الثقافة، الفكر والأدب وأن نتغلب على مشكلاتنا الاقتصادية، وألا يسافر أي مواطن مصري خارج مصر هربا إلى الرزق، وأن تتحد الدول العربية وتصبح يدا واحدة، ونعرف جميعا من هو العدو الحقيقي الذي يفتت وحدتنا، وأن يسود السلام في العالم.


 أما عن أحلام العمل الأكاديمي حققت فيه معظم أمنياتي وما أصبو إليه، فشغلت منصب رئيس القسم لمدة عشر سنوات، كما شغلت منصب وكيل كلية إعلام بني سويف، وأرى أن المناصب تمثل قيدا للمبدع أو الأديب، وأرى أنها تقيد حرية الإبداع، ولذلك أزهد في المناصب الجامعية، وأرى أن الأستاذية أرقى درجة، ويبقى تطلعي للصعود والترقي في الإبداع الأدبي هو غايتي الوحيدة.




هل تجهز مشروعا روائيا جديدا؟


نعم أجهز لمشروع جديد، بل أربعة مشروعات، فأنا منعكف على الإنتهاء من أربعة روايات، حيث أتنبأ بمضمون الرواية، وأتخيل شخصياتها وأحداثها، اتخيلهم وأحاورهم، وربما أظل أعد لرواية لسنوات طوال، وأسماء الروايات هي، "بيت العنكبوت" وهي قصة تتحدث عن ضعف الأسرة، معنويا وماديا، فوهن بيت العنكبوت، ليس ضعيف ماديا لأنه من خيوط، بينما الأسرة في الداخل مفككة، فأنثى العنكبوت تقتل زوجها الذكر، بعد عملية التزاوج، كما أن الأطفال بعد إتمام تربيتهم ونضجهم، فيقتلون أمهم ويخرجوها إلى خارج البيت، وأشير بهذه الرواية إلى التفكك الأسري في المجتمع وضياع الأجيال، واستهتار الأزواج وخاصة الشباب بالاستقرار.


 والرواية الثانية هي "الجريحان"، رمزا للحب والرومانسية، أتحدث فيها عن اثنين محبين، ولم تسنح لهم الفرصة بالزواج، وكلا منهما تزوج غير حبيبه، وعندما وقع الطلاق لكل منهما مع زوجه، تقابلا ليكملا قصة حبهما توجاها بالزواج، ونجحا في تحقيق حلمهم، لكن سرعان ماتبدل الحب للحرب، وكان مصيرهما الجرح قبل الفراق وبعد اللقاء.


والروايتين الأخرتين إحداهما بعنوان "بنت العطار" التي أتحدث فيها عن الفروق الطبقية، والرواية الرابعة بعنوان "قسوة" وهي قسوة الجميع على الجميع وعدم التراحم فيما بينهم، وستكون الاحداث مفاجأة للقراء، لكن كلها في النهاية تثور على المجتمع وأحواله السيئة وتنتقد أوضاعه.