جرجي حبيب زيدان، كاتب، شاعر، صحفي، مدرس وروائي من لبنان، وهو مؤسس مجلة الهلال في عام 1892، ولد جرجي زيدان، في مثل هذا اليوم، في 14 ديسمبر عام 1861، في قرية "عين عنب" بجبل لبنان، وكان من أسرة فقيرة إلى حد ما، حيث كان والده يملك مطعما صغيرا، يتردد عليه الأدباء والمثقفين من بيروت، وكان يسعى والده لأن ينال جرجي الصغير قدر بسيط من التعليم، حتى يساعده في إدارة المطعم وحساباته.
تعلم زيدان في مدرسة ببيروت، وتعلم الحساب والكتابة، وأصبح يساعد والده في إدارة المطعم، غير أنه كان لوالدته رأي أخر وهو أن يتعلم جرجي صنعة أخرى يكسب منا أفضل من رزق المطعم القليل، وبناء عليه عمل لفترة في صناعة الأحذية لكن لم يروق العمل له فتركه.
ثم التحق زيدان، بمدرسة الشوام فتعلم اللغة الفرنسية، ثم التحق بمدرسة مسائية ودرس الإنجليزية حتى أجادها، حينها نمى شغف جرجي تجاه الأدب والمعرفة، فبدأ يسعى للتقرب من المثقفين، الشعراء والكتاب أمثال يعقوب صروف، فارس نمر، إبراهيم اليازجي وسليم البستاني، وكانوا يدعونه لحضور احتفالات الكلية.
التحق جرجي بالكلية السورية البروتستانتية "الجامعة الأمريكية حاليا" ونجح في امتحان القبول لتعلم الطب، لكنه درس فيها مدة عام واحد، واتجه بعدها لدراسة الصيدلة إلا أنه قرّر أن يرحل لمصر لدراسة الطب فاقترض مبلغ ستة جنيهات من جار له في بيروت.
سافر جرجي زيدان إلى القاهرة والتحق بكلية الطب، وبسبب ظروفه المادية أخذ يبحث عن عمل بجانب دراسته، حتى عمل في جريدة "الزمان"، ثم عمل بعدها مترجما في مكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة كذلك رافق الحملة الإنجليزية التي توجّهت للسودان لإنقاذ القائد الإنجليزي "جوردن" من حصار جيش المهدي، واستغرقت رحلته في السودان حوالي 10 أشهر ثم عاد بعدها لبيروت.
انضم زيدان للمجمع العلمي الشرقي الذي أُنشئ عام 1882، وتعلّم اللغة العبرية والسريانية، وهو ما مكّنه من تأليف أول كتاب في فلسفة اللغة العربية عام 1886، ثم أصدر منه طبعة جديدة في عام 1904، بعنوان "تاريخ اللغة العربية" ثم زار إنجلترا وعاد بعدها إلى مصر منقطعا إلى التأليف والصحافة.
حينها عاش جرجي زيدان في القاهرة وعمل في التأليف والترجمة، وأدار مجلة "المقتطف" ثم استقال منها بعدها بفترة واشتغل بتدريس اللغة العربية بالمدرسة "العبيدية الكبرى" لمدة عامين ثم تركها واشترك مع نجيب متري في إنشاء مطبعة إلا أن الشراكة بينهما انفضّت بعد عام واحتفظ زيدان بالمطبعة وأسماها مطبعة "الهلال" بينما أنشأ نجيب متري مطبعة مستقلة أسماها مطبعة "المعارف".
أسس جرجي زيدان "مجلة الهلال" وتعتبر واحدة من أعرق وأقدم المجلات في مصر، وصدر العدد الأول منها عام 1892 وكتب بها العديد من الكتاب الكبار.
برع جرجي في الرواية التاريخية وقد ألف فيها العديد من الكتب التي تتناول الحقبة التاريخية منذ دخول الإسلام مصر وحتى المماليك، ومن مؤلفاته: "العرب قبل الإسلام"، "تاريخ التمدن الإسلامي"، "تاريخ مصر الحديث" و"ابن طولون".
وعلى الرغم من اتهام البعض لجرجي زيدان بتشويه التاريخ الإسلامي بسبب ديانته المسيحية، إلا أن الكتاب قد أجمعوا على أنه كان دائم الاستناد للمعلومات التاريخية اليقينية.
وفي دراسة لكتاب الرحلات الثلاث "الأستانة - أوروبا - فلسطين"، قيل، لا يزال معظم مؤلفات جرجي زيدان متداولة، وهي لم تدخل متحف النهضة العربية، وتم تنكفي كمراجع عن مرحلة مضت وانقضت، وتحرص "دار الهلال" التي أسسها زیدان وطورها ولده إميل، إلى إعادة طبع تلك المؤلفات، ومعها دور نشر عربية تستجيب أيضا طلب القراء وتستفيد من انقضاء فترة حقوق المؤلف.
ولا فارق بين أنواع مؤلفات زيدان في الانتشار، فرواياته عن تاريخ الإسلام تتساوى ومؤلفاته الأخرى في تاريخ الحضارة العربية وفي آدابها وفي لغتها، لكن رحلاته لم تحظ باهتمام الناشرين كغيرها من الأعمال. ومن هنا، أهمية صدور كتاب الرحلات هذا.
زيدان كاتب شعبي، بمعنى الانتشار لا بمعنی قلة المسؤولية، وهو ذا تأثير في الأجيال العربية في القرن العشرين، خاصة في نظرته إلى التمدن الإسلامي وفي رسمه لأجواء المجتمع العربي والإسلامي عبر رواياته التاريخية.
ويعود انتشار هذه الروايات إلى أسباب ثلاثة، أولها، صلتها بحكايات السمر والليالي عند العرب، وثانيها استجابتها ميل القراء إلى الكتابة الروائية بعد أن سقط الشعر العربي عن عرشه كفن أول للقول العربي، وثالثها كون هذه الروايات مقدمة الإمامة كلية بالتاريخ العربي والإسلامي قد تجذب القارئ إلى التفصيلات في الكتب المختصة.
وإذا كانت أعمال زيدان واسعة الانتشار، فإن سيرة حياته قليلة التداول، وهي تختصر بكونه منشئ لـ"مجلة الهلال" التي لا تزال تصدر، و مؤلفا للرواية التاريخية.
وقد كتب مصطفى لطفي المنفلوطي، واصفا شخصية زيدان: "كان خير ما يعجبني منه ترفعه عن مجاراة المتکبرین وتناوله في كثير من مواقفه إلى منازل العامة ليجدهم بما يفهمون، لأنه كان من كتاب المعاني لا من كتاب الألفاظ، وأنه كان يؤثر أن يتعلم منه الجاهلون على أن يرضي عنه المتحذلقون".
وعن جرجي زيدان صحفيا قال يوسف الخازن: "المزايا الصحافية التي امتاز بها زيدان، وكانت السبب في هذا النجاح الباهر هي حسن الإدارة واختيار المباحث وسهولة الإنشاء، والإدارة تنطوي تحتها أمور كثيرة مادية وأدبية، كضبط المواعيد وحسن الطباعة، وإتقان الوجه التجاري و حفظ النسبة اللازمة بين واجبات الصحافي وأميال ميول الجمهور، فلا يجاريها مجاراة عمياء ولا يصدمها صدمة تبعد القراء عنه وتورثهم النفور".
وتاريخ الهلال يدل على أنه برع في هذا الوجه، فإن الهلال ما تأخر يوما عن ميعاده ولا جاء سقيا في حروفه أو رثا في ورقه، ولا وقع بينه وبين الرأي العام نفور، وقد توفي جرجي زيدان بين كتبه وأوراقه في عام 1914.