الإثنين 1 يوليو 2024

«أميرة حلمي مطر».. أميرة الفلسفة

سيدتي25-12-2020 | 21:42

الدكتورة أميرة حلمي مطر (1930م) أستاذة ومفكرة مصرية رائدة في الفلسفة في مصر والعالم العربي، معروفة بإسهاماتها في علم الجمال والفلسفة اليونانية والفلسفة الحديثة،


رغم خطابات العقلانية، والحداثة، والاختلاف، وحقوق الإنسان، نجد أن المرأة المصرية في تاريخ الفلسفة في هامش الفكر، وكأن سلطة المجتمع الذكورية أقوى من مشاركتها في وجودها الفكري الذي يتحرك في حدود ضيقة نحو الأفضل، إذ نكتشف في مجتمعنا المصري ذلك الوجود التراجيدي للمرأة المصرية كذات مفكرة، وكأن " تاء" التأنيث ثقيلة على " مفهوم " فيلسوف"  مع أنها هي من تصنعه وترسم له آفاقه المستقبيلة، وتؤكد على ذلك فيلسوفتنا (أميرة حلمي مطر) إحدى النماذج النسائية الفكرية المصرية التي نستلهم منها الحس الفلسفي الجمالي الذي ينبت في الأرض، كما تنبت الأشجار والزهور في صحاري مصرنا الحبيبة.

حياتها:

تنتمي الدكتورة أميرة حلمي مطر، المولودة عام 1930 بالقاهرة لأسرة عريقة في العلم، كان والدها من أوائل المهندسين في مجال الهندسة الكيميائيّة حاصلًا على شهادة الدكتوراه من جامعة مانشستر بإنجلترا.

التحقتْ أميرة بآداب القاهرة عام 1948 وتخرّجت الأولى على دفعتها بحصولها على الليسانس بتقدير ممتاز من قسم الفلسفة عام 1952، عيّنت مُعيدة بنفس القسم عام 1955 نتيجة تفوّقها وتخصّصت في الفلسفة اليونانيّة وعلم الجمال، وأرادت أن تُتابع دراستها في مجال آخر فاختارتْ دراسة العلوم السياسيّة وحصلت على دبلوم الماجستير في العلوم السياسيّة.

تتلمذت على يد أساتذة كبار‏، مثل د‏.‏ زكي نجيب محمود‏..‏ د‏.‏ عبد الرحمن بدوي‏..‏ د‏.‏ يوسف مراد‏,.. ود.‏ مصطفى سويف، وحصلت على الماجستير في الفلسفة من جامعة القاهرة عام 1956 ثم تزوجت وحصلت على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة عام 1961‏.

رأست قسم الفلسفة جامعة القاهرة من عام 1975 إلى عام 1981،  حصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وعلى جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1985، وعلى جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 2003، شاركت في العديد من المؤتمرات العربية والدولية ولها مؤلفات ومقالات عديدة في علم الجمال والفلسفة اليونانية، والفكر العربي المعاصر.

هوايتها:

أتقنت"أميرة مصر" اللغة اليونانيّة القديمة واليونانيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة، كما اهتمت بقراءة الشعر وسماع الموسيقى الكلاسيكيّة وتتذوق الفنون التشكيليّة ويشكّل الفنّ عندها وبجميع أشكاله جانبا مهمّا وأساسيّا من هواياتها، درّستْ في كثير من الجامعات العربيّة كجامعة قطر، السعوديّة، الإمارات العربيّة المتّحدة وجامعة بغداد، وكانت على صلة وثيقة بالجمعيات الفلسفية في العالم وعضوًا في بعض المؤسسات الفكرية في اليونان وفي جَمْعيتها الفلسفيّة،  كما أنها تنتمي إلى رعيل المفكّرات العربيات اللواتي يشهد لهنّ التاريخ  الفلسفي بالموهبة والكتابات النوعيّة في مجال الفلسفة منذ النصف الثاني من القرن العشرين.

قدّمت " أميرة مصر" إنتاجاً قيّما متفرّداً في الفكر بشكل عام وفي الفلسفة اليونانيّة والجماليّة والسياسيّة بشكل خاصّ، أظهرت من خلال كتاباتها إبداعاً لافتاً يكشفُ عن مقدرة متميّزة، كانت الفلسفة مُلْهمة لها ومعيناً لا يَنْضب للتأليف والإبداع الفكري والترجمة إلى اللغة العربيّة، لقد أتقنت الكتابة بلغة الضادّ كما تمكّنتْ من عدّة لغات أجنبيّة تحدّثا وكتابة، فكان حصيلة ذلك تراثاً إنسانيّاً يستحقّ الاهْتمام، من مؤلفاتها فلسفة الجمال: أعلامها ومذاهبها، علم الجمال : تاريخه ونشأته، مقدمة فى علم الجمال وفلسفة الفن.

جماليات أميرة حلمي مطر

تبلورت آراء "أميرة مصر" الجمالية تجاه قضايا الفنّ والجمال في جملة من المؤلّفات التي ساهمت في شهرتها مثل: فلسفة الجمال أعلامها ومذاهبها، مقالات في القيّم والحضارة، مقدّمة في علم الجمال وفلسفة الفنّ، وغيرها من الكتب التي تبحث هذه المسائل على النحو الذي تراه "مطر"، وتشرح الكاتبة في بداية الفصل الأوّل من كتابها مقدّمة في علم الجمال وفلسفة الفنّ موضوع الإستيطيقا أو علم الجمال فتعيدنا بشأنه إلى الفيلسوف الألماني باومجـــــــارتن Baumgarten أوّل من أطلق هذا المصطلح في النصف الأخير من القرن الثامن عشر، وتدور موضوعات الإستيطيقا حول الشعور والخيال الفنّي، الأمر الذي يجعل طبيعة المعرفة في هذه الأخيرة تختلف عن طبيعتها في منطق العلم والتفكير العقلي.

إنّ الفنّ كما أوضحت "مطر" رافق الإنسان منذ وجوده على هذه الأرض لكن فلسفة الفنّ لم توجد إلاّ مع نشأة الفلسفة، ولذلك لا يمكنها أن تكتسب مشروعيّة وجودها خارج هذا النطاق، ففلسفة الجمال بدأت مع فلاسفة اليونان الذين أحاطوها برعاية خاصّة، ويمكن التذكير في هذا المقام أنّ "مطر" تحرص في كتاباتها على إحالة قارئها إلى الإطار المعرفي الذي يتيح فهم القضايا الفنيّة والجماليّة.

تعدّ القيم الجماليّة مسألة خلافية بين جمهور الفلاسفة والنقّاد وهذا من شأنه أن يحيل إلى الاختلاف في مقاييس تقييم الأعمال الفنيّة، تساءلت "مطر" في كتابها هل الجميل هو الذي يستسيغهُ شعورنا؟ علما بأنّنا قد نتجاهل عملاً يثبت التاريخ فيما بعد أهميّته وجدواه، وتاريخ الفنّ على حدّ تعبير "مطر"، حافل بأمثلة لروائع لم يقدرها أهل زمانها التقدير اللائق بها.

إنّ الوعي الجمالي عند "مطر" لا يتطلّب النظر في تفصيلات العمل الفنّي وجزئياته وإصدار أحكام تقييميّة بشأنه تصفه بـ"الكامل أو الناقص"، بـ"الجيّد أو المستهجن"، فهذه وظيفة النقّاد، بل إنّ الوعي الجمالي عندها يهتمّ بالتجربة الإبداعيّة وتذوّق الناس للجميل ومدى تفاعلهم معه، فالإستيطيقا تتجاوز كلّ التفصيلات لتصل إلى المبادئ الفلسفيّة التي يمكن أن تفسّر لنا الجوهر المشترك بين الفنون كلّها وأسباب اختيار معايير معيّنة للجمال دون غيرها ولكنّها لا تتدخّل في مناقشة مدى مطابقة عمل فني معيّن لمعيار معيّن لأنّ ذلك من مهمّة الناقد، وإن كان هذا الأمر لا يمنع من القول إنّ هناك تواصلاً معرفيّا وفنيّا بين الناقد والفيلسوف.

إن التحليل التاريخي للقيم الجمالية، جعل "مطر" تقف عند اللحظات الثورية التي جعلت علم الجمال مقدمة لكل تحرر، ووسيلة من وسائل نهضة الإنسان وتحديثه، وعلامة من علامات تقدمه وتطويره وباعتباره فلسفة، تتفاعل مع قيم عصرها، كما يبدو من التكنولوجيا وفنون ما بعد الحداثة التي ساعدت على ''انطلاق طاقات السخرية والتهكم، وظهرت صور "البوب" وملصقاته ومستنسخاته الجماهيرية وحلت محل الصور الكلاسيكية القديمة، فشوهت فان جوخ وفيلا سكيز واستبدلتها بصور زجاجات الكوكاكولا ومارلين مونرو، وكأنها بهذا الطرح الفني الجديد، تدعونا إلى مراجعة الذات وعلاقتها بالآخر، وتدفعنا إلى التفكير في مدى أصالتنا الجمالية، ما دامت القيم الجمالية السابقة، صارت الوجود والرغبة والحُلم الذي يصارع كل إرادة ترفض الوهم والحقيقة المزيفة، تلك الحقيقة التي تقوم على منطق ''إن ما يسرني لا بد أن يسر كل شخص سواي''.

إنّ فنّ ما بعد الحداثة الذي ارتبط بقيّم ما بعد الحداثة تميّز بظهور مجتمعات الكمبيوتر والاستهلاك، وبهذا الصدد ترى الكاتبة أنّ الفنّ المصاحب لهذه المرحلة التاريخيّة تشبّعَ بشكل كبير بقيمها، الأمر الذي يعني أنّه لم يعد المهمّ الوصول إلى حقيقة أو غاية يسعى لها الفكر والفنّ لم يعد الهدف تحقيق الجمال أو الحصول على الحقيقة وإنّما المقدرة على الإنجاز وكسب فائدة معيّنة، وبفضل وسائل الاتّصال وبنوك المعلومات انسحب القرار من يد الإنسان، وحلّت بنوك المعلومات محلّ دوائر المعارف، وأصبح الصراع على إنتاج المعرفة أهمّ من الصراع على الأراضي.

فمنهج عرض الكاتبة لتاريخ القضايا الفنيّة والجماليّة يعير الاهتمام الكبير للربط بين تاريخ الأفكار وسياقاتها الاجتماعيّة والسياسيّة، إذ لا يقوم التفسير دون استرجاع للواقع الذي أفرزها فدون ذلك قد يجانب المرء الموضوعية وإنصاف الحقيقة الإنسانيّة.

وفي تعريفها للفنّ تحيلنا الكاتبة إلى نظريّة المحاكاة وتعتبرها من أقدم النظريّات المعروفة في تعريف الفنّ، ولكنّ المحاكاة المقصودة في هذا السياق تلك التي تسمو على الطبيعة الظاهرة المحسوسة وتحاول تجاوز ما فيها من عجز ونقص إلى آفاق أخرى تعبّرُ على ما يجب أن يكون، فالفنّ لا يهتمّ بنقل الواقع كما هو، فهو ليس محاكاة لهذا الواقع بل تعبيرٌ عنه.

دورها في الأدب المصري

حاولت التعريف بنماذج من الفكر الجمالي في الأدب المصري الحديث من خلال كتابها: فلسفة الجمال أعلامها ومذاهبها، وتتوقّف في فصله الأخير عند الجمال والحريّة في مؤلّفات العقّاد، هذا الأخير الذي يحلو له أن يربط بين الجمال والحرية في كتاباته، فالعقاد يرى أن ممارسة الفنون لا تتحقّق دون فضاء رحب للحريّة، كما وأنّها تستدعي في ذات السياق توفيق الحكيم ومبدأ التعادليّة عنده وخلاصته إيجاد توازن في كلّ أنحاء الحياة الإنسانيّة، ويتحقّق ذلك بأن يكون مسعى الإنسان إلى العقل يعادل مسعاه إلى الإيمان، ويحيل هذا الطرح إلى نوع من المثاليّة تجلت في كتاباته الأدبيّة والمسرحيّة الناقدة للواقع الاجتماعي في الريف المصري، واستدعت أيضًا الوضعيّة المنطقيّة والتحليليّة في جماليات زكي نجيب محمود التي أساسها بالدرجة الأولى منطق التحليل اللغوي المستمدّ من فلسفته الوضعيّة المنطقيّة، ويعدّ منهج التحليل المنطقي اللغوي (لغة العلوم – اللغة الجارية) بمثابة السبيل للتفريق بين اللغة العلميّة وغيرها من لغات تدخل في مجال العلوم كعبارات الشعر، الأدب، الدين والفنّ، فكلمة جميل لا تشير إلى شيء قائم في العالم الخارجي بل تشير إلى حالة نفسيّة لصاحبها لا يتّفق في تقييمها، بالضرورة، مع شخص آخر.

ومن خلال عرضنا لجزء من  السياق الإبداعي في التفكير الجمالي " لأميرة مصر" نجد أن  ذات ''أميرة'' تسمو على التصنيف الأيديولوجي و''تمطرنا بحلم الملوك'' في قراءة الفنون، فأسقطت بذلك خرافة فتى الأحلام بعدما صارت صاحبة القِبلة التي تلهم كل غافل عن أعمالها.