الأربعاء 26 يونيو 2024

عبد الله رشدي والجهل بالقرآن والتاريخ الإسلامي

أخرى30-12-2020 | 15:01

يعد عبد الله رشدي واحد من هؤلاء الدعاة الجدد خريجي الأزهر والحاملين للفكر المتشدد، لا يعترف إلا بظاهر النص، ويعتمد آلية التحريم والتكفير في خطابه سواء كان متلفزا أو حلقات اليوتيوب التي يبثها عبر قناته الخاصة.

في آخر ظهور له أمس الأول الإثنين، قال عبدالله رشدي إن رأس السنة الميلادية أو «الكريسماس» كأي يوم وليس له أي ميزة أو خصوصية، موضحا أنه لا يفعل فيه أي شيء زيادة عن الأمور المعتادة، وليس له أي مكانة أخرى «زيادة عن أي يوم»، وتابع قائلا «أنا شخصية لا أحتفل ولا أرى أمرا يستحق الاحتفال غير عيدي الفطر والأضحي».

وأكد رشدي أن السنة التي يعترف بها هي السنة الهجرية، وواصل «وهي التي تتعلق بها الأحكام الشرعية، وهي التي تحدث عنها الله سبحانه وتعالى في القرآن فقال فيها «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ  ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ  فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ »، إذا التوقيت الذي يريد الله أن نتعامل به هو التوقيت الهجري وهي السنة التي بها 4 شهور حُرم وهي السنة الهجرية.

وهنا لنا وقفة بسيطة حيث التدليس على المشاهد أو المتابع باستخدام آيات قرآنية تكون في أغلب الأحيان في غير مكانها، وهذه سنة الدعاة الجدد أمثال عبد الله رشدي، واستناده هنا للآية إنما يوضح جهله بالتاريخ والقرآن معا.

الجهل بالتاريخ:

وأما الجهل بالتاريخ فقد استحدث التقويم الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، أي بعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ووفاة خليفته الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حيث يعتبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من وضع التّقويم الهجري الذي يبلغ إثني عشر شهراً وذلك بالاعتماد على دورة القمر، حيث أنه إلى يومنا هذا يتم اعتماد الهلال القمري في معرفة بداية الشهور وأواخرها خاصة هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال وهلال عيد الأضحى.

البداية:

كان المسلمون يتبعون التقويم المعتمِد على الأحداث البارزة آنذاك، على سبيل المثال عام الفيل الذي ولد فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، لكن بعد مرور سبعة عشر عاماً على هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم، وفي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أرسل إليه أبو موسى الأشعري أمير البصرة آنذاك، كتاباً يطلب منه فيه البحث عن طريقةٍ جديدةٍ لاحتساب التقويم وذلك حينما ورد خطاب لأبي موسى الأشعري مؤرَخاً في شهر "شعبان" دون تحديد السنة، فخاطب الأشعري الخليفة عمر يقول: " يا أمير المؤمنين، تأتينا الكتب، وقد أُرِّخ بها في شعبان، ولا ندري أي شعبان هذا، هل هو في السنة الماضية؟ أم في السنة الحالية؟".

وبحسب المصادر الإسلامية، جمع الخليفة عمر الصحابة رضوان الله عليهم، وبحثوا في هذا الشأن، فتفاوتت الآراء، فمنهم من اقترح بأن يؤخذ بتاريخ مولد الرسول عليه الصلاة والسلام كبداية للتقويم، وآخر قال: نأخذ بتاريخ وفاته، إلا أن الرأي الأغلب كان الأخذ بهجرته عليه الصلاة والسلام.

وبعد أن استشار الخليفة عمر الصحابيين عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب في هذا الرأي وأقراه، تم الاتفاق على اعتبار السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم هي بداية التقويم، واختير الأول من محرّم كبداية للسنة، وذي الحجة نهاية لها، ومن هنا انطلقت السنة الهجرية من هجرة الرسول والتي صادفت عام 622 ميلادي، لتصبح السنة الأولى في التاريخ الهجري.

الجهل بالقرآن:

بعد استناد عبد الله رشدي للآية أعلاه التي نزلت قبل العمل بالتقويم الهجرية بسنوات كثيرة يقول عبد الله رشدي " إذا التوقيت الذي يريد الله أن نتعامل به هو التوقيت الهجري"، فهو هنا يتحدث باسم الله وكأنه يعلم المقصد الإلهي من الآية دون غيره، وحول تفسير هذه الآية قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ" ، الذي كتبَ فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى =(يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم)، يقول: هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وهن: رجب مُضر وثلاثة متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر الإمام الطبري .. حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن حباب قال، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال: حدثني صدقة بن يسار، عن ابن عمر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنًى في أوسط أيام التشريق، فقال: يا أيها الناس، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، أوّلهن رجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. (تفسير الطبري  14/234).

فلم يذكر الطبري السنة الهجرية بشيء ولم يوضح المقصد الإلهي كما فعل عبد الله رشدي، ويقول الإمام القرطبي في تفسيره قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} جمع شهر. فإذا قال الرجل لأخيه: لا أكلمك الشهور، وحلف على ذلك فلا يكلمه حولا، قاله بعض العلماء. وقيل: لا يكلمه أبدا. ابن العربي: وأرى إن لم تكن له نية أن يقتضي ذلك ثلاثة أشهر لأنه أقل الجمع الذي يقتضيه صيغة فعول في جمع فعل. {عِنْدَ اللَّهِ} أي في حكم الله وفيما كتب في اللوح المحفوظ. {اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} أعربت {اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} دون نظائرها، لأن فيها حرف الإعراب ودليله. وقرأ العامة {عَشَر} بفتح العين والشين. وقرأ أبو جعفر {عَشْر} بجزم الشين. {فِي كِتَابِ اللَّهِ} يريد اللوح المحفوظ. وأعاده بعد أن قال {عِنْدَ اللَّهِ} لأن كثيرا من الأشياء يوصف بأنه عند الله، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله، كقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]. (القرطبي 8/132).

يتضح مما تقدم أن الله سبحانه وتعالى ثبت التقويم بأن السنة 12 شهر منها أربعة حرم، وهنا ما أراد الله تثبيته وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم التأكيد عليه في حجة الوداع، دون ذكر لتقويم خاص بالمسلمين سواء كان هجري أو من ميلاد الرسول وأن التقويم بدأ في عهد عمر بن الخطاب، وهذا بعيد كل البعد عن ما يقوله أو يروجه عبد الله رشدي.

هناك أزمة أخرى ليست عند عبد الله رشدي فقط بل في التقويم الهجري نفسه إذ بتدشينه حسب الشهور القمرية أخلف المواقيت فلا رمضان يأتي في موعده كما كان في عهد الرسول ولا غيره من الشهور واذا كان عبد الله رشدي يخشى على حساب الزكاة لو استخدمنا الشهور الميلادية، فالأولى أن يخشى على الحج والصيام، حيث قال رشدي في نفس الفيديو "إن كتير من الناس عندما يحسب زكاة المال يحسبها على السنة الميلادية، وهذا خطأ لأن السنة الميلادية أكثر من الهجرية، وبالتالي قد يحدث تأخيرا في إخراج الزكاة وهي فرض، كما أن هناك من يريد تقسيط الزكاة، وموضحا أن من يريد التقسيط يقسط مقدار زكاته مقدما وليس مؤخرا".

ونؤكد هنا أن التَقْوِيم معناه “جَعْل للزمن قيمة مَعْلُومَة” وهو نظام عدّ زمني يتم فيه توزيع السنة إلى شهور وأسابيع وأيام لحساب التواريخ وتنظيمها لأغراض اجتماعية، دينية، تجارية أو إدارية، بناءً علي موقع الأرض في دورانها المتكرر حول الشمس ودوران القمر حول الأرض.  وقد وَضعت العديدُ من الحضارات والمجتمعات تقاويم تناسبُ أحتياجاتِها، وكانت نتاجَ قرونٍ عديدة من الدراسة الدؤوبة في علم الفلك والرياضيات، والتجارب المستمرة المعتمدة على المحاولة والخطأ.

وحتي يكون التقويم ذا منفعة، وقابلاً للتطبيق في النواحي الإدارية والاقتصادية والتاريخية، لا بد أن يكون التقويم متزامنا مع فصول السنة الأربعة.

في السابع عشر من كل رمضان يقول المسلمون أنهم في مثل هذا اليوم انتصروا في أول معاركهم الإسلامية، فهل هذا صحيح؟ صحيح أنهم انتصروا في “بدر” وفي السابع عشر من رمضان، ولكن لم تحدث المعركة في الخريف أو الشتاء أو الصيف ولكنها حدثت في فصل الربيع، فكيف لنا مثلاً أن نحتفل في فصل الصيف بحدثٍ كان في الربيع ..!

استقيموا يرحمكم الله.