الجمعة 31 مايو 2024

"غرفة عمليات كاسترو تنقذ تشافيز".. جزء جديد من كتاب أحجار على رقعة الأوراسيا

فن11-1-2021 | 13:01

تنشر بوابة "الهلال اليوم" الجزء السادس من الفصل السابع لكتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع:


غرفة عمليات كاسترو تنقذ تشافيز


وحول القبض على تشافيز واعتقاله، يكشف زعيم كوبا (فيدل كاسترو) في مقابلةٍ صحفية نادرة له في أبريل 2002، مع (إغناستو رامونيه) رئيس تحرير (لوموند ديبلوماتيك)(4) تفاصيل هذه الساعات، حيث قام كاسترو بالاتصال بتشافيز قبل الاعتقال، وكان هناك ثلاثة خيارات تم مناقشتها على حد قول كاسترو: "إما المقاومة حتى الموت، أو إعلان التمرد وإشعال حربٍ أهلية، أو الاستسلام دون إعلان الاستقالة"... اختار تشافيز الحل الثالث.

 ويؤكد (كاسترو) عبر هذه المقابلة أن (تشافيز) استسلم ولم يقدم استقالته كما أشاع الانقلابيون ووكالات الإعلام الغربية، وقد تم اقتياده إلى مكانٍ سري في جزيرة (لا أوركيلا).

 كما كشف كاسترو النقاب عن إرسال الانقلابيين، رئيس أساقفة كاراكاس إلى (تشافيز) لحثه على تقديم استقالته في خطابٍ مكتوب بخط يده، حتى لا تقع البلاد في براثن الحرب الأهلية دون جدوى. 

وأقر كاسترو بإدارته غرفة عملياتٍ واتصالاتٍ مباشرة ومستمرة مع ابنه تشافيز، وبعض الجنرالات الموالين له، بهدف وضع خطةٍ للعثور على تشافيز وإنقاذه، بالتزامن مع حشد الشعب الفنزويلي لاقتحام قصر (ميرافلوريس) وطرد الرئيس المغتصب للسلطة. 

هذه الثورة الملونة كتب عنها جون بركنز خلال الفصل الثالث والثلاثين من كتابه المشار إليه تحت عنوان (صدام ينقذ فنزويلا).. يقول بركنز:  

«في العام 2002، تم ترتيب انقلابٍ من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، باستخدام نفس الأسلوب الذي استخدمه (كيرميت روزفلت) للتحريض على مصدق في إيران، حيث دفعت الأموال للناس للخروج إلى الشوارع بتظاهراتٍ مناوئة لتشاغب وتحتج، حتى يبدو كأن تشافيز فاقد للشعبية في بلاده».

 كتب (جون بركنز).. كيف يمكن استغلال خروج بضعة آلاف إلى الشوارع، وبوجود وسائل الإعلام التي باستطاعتها  تضخيم المشهد ليبدو وكأن البلاد بأسرها قد خرجت متظاهرة ضد تشافيز، إلا أن المؤامرة فشلت، وعاد تشافيز إلى السلطة بعد 72 ساعة من إزاحته بالقوة العسكرية، لما يكنه شعب فنزويلا للرئيس الراحل من احترامٍ وتقدير، على حد وصف بركنز.

ويكشف بركنز دور الأمريكي (أوتو رايتش) العقل المدبر للإطاحة بتشافيز، وقد احتفت جريدة النيويورك تايمز بهذا الرجل الذي لعب دور (كيرميت روزفلت) في إيران، على طريقته الخاصة، في وقتٍ ظنت واشنطن أن الانقلاب العسكري أتى بثماره وأطاح بالعنيد تشافيز.

 بدأت الجريدة باستعراضٍ تاريخيٍّ لجرائم واشنطن في أنحاء أمريكا اللاتينية، حيث كتبت تقول: "دعمت الولايات المتحدة الأنظمة الفاشية في أمريكا الوسطى والجنوبية، أثناء الحرب الباردة، دفاعًا عن مصالحها الاقتصادية والسياسية."

في دولةٍ قزمية مثل جواتيمالا؛ خططت وكالة الاستخبارات المركزية، انقلابًا يطيح بالحكومة التي وصلت للحكم بانتخاباتٍ ديمقراطية عام 1954، وساندت في المقابل حكومات يمينية في مواجهة مجموعاتٍ صغيرة من الثوار اليساريين، على مدى أربعة عقود، وكانت النتيجة سقوط نحو (200 ألف) قتيل.

أما في شيلي؛ فقد دعمت وكالة الاستخبارات المركزية، انقلابًا جاء بالجنرال (أوجوستو بينوتشيه) إلى السلطة بين عامي (1973 – 1990).

وفي بيرو؛ تحاول حكومة ديمقراطية هشة، على مدى عقد من الزمان، إفشال مخطط الوكالة الساعي لإعادة الرئيس المخلوع والمطرود من البلاد (ألبرتو فوخيموري) ورئيس مخابراته سيئ السمعة (فلاديميرو مونتيسينوس).

أما في نيكارجو، كان الصراع خلال حقبة الثمانينات بالغ الأهمية، لاستغلال المعارضة السلمية، ضد اليسار، بما في ذلك تهريب السلاح إلى نيكارجو عبر إيران؛ وهو ما أدى إلى اتهاماتٍ لحقت بكبار المسؤولين في إدارة ريجان، ما عُرف بفضيحة (إيران – كونترا).

ومؤخرًا في بنما، اضطرت الولايات المتحدة، إلى غزو هذا البلد عام 1989، لتطيح بتاجر المخدرات – الديكتاتور (مانويل نورويجا) - الذي ظل عشرين عامًا تقريبًا مخبرًا وعميلًا مهمًّا لوكالة الاستخبارات المركزية.

وكالة استخبارات.. تاجر مخدرات 

تقف الصحيفة عند فنزويلا لكشف المستور، إذ كتبت تقول: 

«كان السيد (أوتو رايتش) من أولئك الذين لحق بهم الاتهام، وهو عسكري متقاعد، وله خبرة بصراعاتٍ كثيرة في أمريكا اللاتينية، لكن لم تثبت الاتهامات على السيد (رايتش) وأصبح فيما بعد سفيرًا للولايات المتحدة في فنزويلا، ويعمل الآن مساعدًا لوزير الخارجية لعلاقات دول الأمريكتين، وقد عين بقرارٍ رئاسي، ولم تكن الإطاحة بتشافيز سوى واحدة من بنات أفكاره».

إذًا.. يتضح جليًّا، ووفقًا لما جاء في تقرير صحيفة نيويورك تايمز، التابعة للكوربوقراطية، أن داعمي أنشطة الاتجار في المخدرات، هم عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، أمثال السيد (مانويل نورويجا) في بنما، الأمر الذي يفرض السؤال الأهم.. عن أي مكافحةٍ لتجارة المخدرات والإرهاب، نادت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الصادرة عن إدارة بيل كلينتون عام 1995؟!! 

ورغم أن الصحيفة كشفت اسم مهندس الانقلاب العسكري، فإنها تجاهلت الإشارة إلى المدبر الحقيقي لمحاولة الانقلاب ضد تشافيز! ومن أتى بـ (أوتو رايتش) من أجل تنفيذ المهمة؟ ومن مول هذا الانقلاب في فنزويلا؟

من أشرف على تخطيط العمليات، هو مدير الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي الأمريكي، التابع لإدارة بوش الابن، السيد (إليوت أبرامز) أحد المحافظين الجدد أصحاب (مشروع القرن الأمريكي) والمتخصص في (التحركات الملتوية).

أبرامز كان قد شغل في السابق منصب وكيل وزارة الخارجية، تحت إدارتي الرئيس ريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، وقد تم منعه من دخول الكونجرس عام 1987، بعد أن كذب أمام لجنة تحقيقٍ برلمانية لإخفاء دوره الحيوي في فضيحة (إيران - كونترا) التي تفجرت عام 1986، بالتورط مع (أوتو رايتش) و(كولن باول).

كما شارك أبرامز في أنشطة تجارة المخدرات التي ترعاها وكالة الاستخبارات المركزية، لتمويل نفقات تمويل السلاح للمعارضين (قوات الكونترا) في نيكاراجو، فيما عُرف بفضيحة (نيكاراجو - كونترا) جنبًا إلى جنب مع عوائد بيع الأسلحة لإيران، إبان حرب الخليج الأولى ضد العراق، بما عُرف بفضيحة (إيران - كونترا) ومؤخرًا تم اتهامه بارتكاب مذابحٍ في السلفادور(5).

هيئة نيد على بحر الكاريبي

وحول عمليات تمويل التظاهرات، والاحتجاجات الثورية في فنزويلا، وفي أنحاء أمريكا اللاتينية، لجأ الثنائي الأمريكي (إليوت أبرامز، وأوتو رايتش) مهندسا فضيحة (نيكاراجو - كونترا) إلى الصندوق الوطني للديمقراطية (نيد).. تلك الهيئة التي أنفقت على الانقلاب العسكري ضد تشافيز، ما تجاوز (2مليون دولار) وحشدت جهود هيئاتها الأربع (المركز الأمريكي للتضامن العمالي الدولي – غرفة التجارة الأمريكية – المعهد الجمهوري الدولي – المعهد الوطني الديمقراطي) لتدبير ثورةٍ ملونة. 

آنذاك كانت هيئة (نيد) تدار من قبل كلٍّ من؛ هنري كيسنجر، الجنرال ويسلي كلارك (القائد الأعلى السابق لقوات الناتو خلال حرب كوسوفو).. فرانك كارلوتشي (النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية) والذي أصبح فيما بعد رئيس (مجموعة كارلايل) ومدير حافظة عائلة ابن لادن.

 التقى كلٌّ من أبرامز، ورايتش، والعديد من الشخصيات الفنزويلية بواشنطن، في الأسابيع التي سبقت الانقلاب، وعلى رأسهم النقابي العمالي (كارلوس اورتيجا) الذي دعا لاضطراب العمال في فنزويلا أثناء الانقلاب العسكري، تم تمويل نفقات السفر والإقامة من قبل المعهد الجمهوري الدولي، بزعامة جون ماكين، وتبرع المركز الأمريكي للتضامن العمالي بتمويل نقابة العمال الفنزويلية.

كما أدار الثنائي الأمريكي عمليات التلاعب بوسائل الإعلام أثناء عملية الانقلاب، للإيهام بأن تشافيز وأنصاره قتلوا المتظاهرين، وقد اعترف رايتش بأنه كان على اتصالٍ دائم بـ (جوستافو سيسنيروس) خلال الأحداث. 

جوستافو هو إمبراطور الإعلام في أمريكا اللاتينية، ويمتلك 300 قناة إذاعية وتلفزيونية، في 28 دولة، أما القناة الخاصة في فنزويلا صاحبة الريادة في حادث الجسر، فكانت مملوكة له أيضًا.

وأخيرًا كان رايتش المسؤول عن ترشيح أسماء الضباط الذين قادوا حركة التمرد العسكري ضد تشافيز، فقد كانوا من خريجي  مدرسة الأمريكتين، حينما كان رايتش مديرًا لها(5).

نيد لا تريد الاستسلام.. سوميد كلمة السر 

منظمة (سوميت) أحد منظمات المجتمع المدني الممولة من هيئة (نيد).. نجحت في اختراق مجتمع فنزويلا تحت شعار مراقبة الانتخابات، ولم تكن سوى حجر الزاوية في مساعي واشنطن، للإطاحة بتشافيز.

العام 2003، بعد شهورٍ قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة، ادعت سوميت تجميع ملايين التوقيعات من المواطنين، وعمال النفط الفنزويلي، للدعوة إلى استفتاءٍ على إجراء انتخاباتٍ رئاسية مبكرة، على طريقة جمع التوقيعات من قبل حملة طرق الأبواب لمحمد البرادعي في مصر عام 2010. 

في العام التالي، أعلنت سوميت أنها تلقت تمويلًا من هيئة (نيد) بقيمة ( 53.400 دولار) رغم أن ميزانيتها المعلنة عن عام 2004 كانت ( مليون دولار) وفقًا لتقريرها المالي!

أما (ماريا كورينا ماتشادو).. المرأة المتهمة بالخيانة لفنزويلا، هي المؤسس لهذه المنظمة المشبوهة، وقد تلقت دعوة من الرئيس الأمريكي (بوش الابن) لزيارة البيت الأبيض والتقاط الصور التذكارية معه، و(كونداليزا رايس)(7).

ظلت سوميد تتوغل داخل الشارع السياسي الفنزويلي، مستغلة حالة الركود الاقتصادي الذي ضرب فنزويلا نتيجة الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي أدت إلى انخفاض أسعار النفط، وتقليص ميزانية البلاد، وأيضًا نتيجة أزمة الطاقة الكهربائية الناجمة عن الجفاف الشديد خلال النصف الأول من عام 2010، وكان لهذا تأثير سلبي كبير على الحياة اليومية لشعب فنزويلا.

رغم كل هذه الصعوبات والإخفاق في إدارة الأزمات، إلا أن حزب تشافييز (الحزب الاشتراكي الفنزويلي) فاز بالانتخابات التشريعية، عن نفس العام 2010، ما يعني أن الشعب الفنزويلي لا يزال يحمل الكثير لـ (هوجو تشافييز) وللثورة البوليفارية.

على الجانب الآخر، ونتيجة لمجهودات سوميت اللا محدودة، حظيت واشنطن بعملاءٍ جدد لها داخل البرلمان الفنزويلي، خلال هذه الانتخابات؛ فمن العوامل المهمة الأخرى التي أثرت على نتيجة الانتخابات التشريعية، كانت هذه الدولارات التي تلقتها أحزاب المعارضة من الوكالات الأمريكية المتخصصة في زعزعة الاستقرار، سواء من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أو هيئة (نيد) والمعهد الجمهوري الدولي (IRI) والمعهد الديمقراطي الوطني (NDI).. والنتيجة كانت حرمان حزب تشافيز من تحقيق أغلبية الثلثين في البرلمان (الجمعية الوطنية الفنزويلية).

كما كان للحملة الإعلامية الدولية ضد حكومة تشافيز، وبشكلٍ خاص على شبكة ( سي إن إن - فوكس نيوز - نيويورك تايمز - واشنطن بوست) تأثير كبير على الانتخابات، وطوال أسابيع، كانت جميع الأنباء المتعلقة بفنزويلا، مرتبطة بمزاعم لا أساس لها، تربط تشافيز كذبًا بالإرهاب والاتجار بالمخدرات، وحتى الأسلحة النووية(8).