الخميس 25 ابريل 2024

فيلسوف العرب.. أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي

أخرى21-1-2021 | 09:52

أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي كان أبوه أميرًا على الكوفة في عصر خلافة المهدي والرشيد.. وفي مطلع القرن التاسع، وُلد يعقوب الكندي الذي نشأ في مدينة الكوفة وتلقى تعليمه الأولي فيها.. وبعد موت والده، انتقل مع والدته إلى مدينة البصرة حيث أتمّ تعليمه إلى أن قرر رحيله إلى بغداد ليكمل مسيرة تعليمه.

وفي بغداد سرعان ما أصبح مشهورُا في دراسته، ونال اهتمام المأمون الذي فاز بالخلافة على أخاه عام 813.. وقد كان المأمون محبًا للمعرفة، فقد افتتح معهد "بيت الحكمة" وبنى به مكتبةً تعد من أعظم المكتبات منذ مكتبة الإسكندرية العظيمة.

قام المأمون بتعيين الكندي بصحبة الخوارزمي في معهد بيت الحكمة، وكانت مهمته الرئيسة ترجمة أهم الكتب الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية.. وفي عام 833 توفي الخليفة المأمون وأتى الخليفة المعتصم، الذي بدوره أُعجب بالكندي واستدعاه ليكون مربيًا لولده أحمد.. وبقيت علاقة العلّامة جيدة مع الخلفاء حتى قدوم الخليفة المتوكل عام847.

قال سليمان بن حسان (وهو ابن جلجل الأندلسي) إن الكندي كان بصريًّا، وكانت لهُ بالبصرة ضيعة نزل بها، ثم انتقل إلى بغداد، وتخرج في مدارسها بعد مدارس البصرة، وكان عالمًا بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم، وقيل إنه كان يملك جانبًا من علوم الإغريق والفرس، ويعرف حكمة الهنود، وكان كذلك ملمًّا بإحدى اللغتين الأجنبيتين الذائعتين لذاك العهد، وهما اليونانية والسريانية، لأجل هذا نَدَبَه المأمون فيمن ندب من الحكماء إلى ترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان.

وقال سليمان بن حسان إنه لم يكن في الإسلام فيلسوف غيرهُ! ولعلهُ يقصد بذلك إلى أنه أول فلاسفة الإسلام.. ثم إن الكندي احتذى في تآليفهِ حذو أرسطو، وفسر من كتب الفلسفة الكثير، وأوضح منها المشكل، ولخص المستصعب وبسط العويص، وهذا لعلو كعبه في الترجمة؛ فقد ذكر شاذان في المذكرات عن أبي معشر، المشهور عند المصريين بكتاب في التنجيم: «إن حذاق التراجمة في الإسلام أربعة، بينهم يعقوب بن إسحق الكندي».

بيد أن بعض معاصريه نقموا عليه إما حسدًا وإما غير ذلك، ومنهم القاضي أبوالقاسم صاعد بن أحمد القرطبي، قال في «كتاب طبقات الأمم» عند الكلام على كتب الكندي في المنطق إنها «نفقت عند الناس نفاقًا عامًّا، وقلما يُنتفع بها في العلوم؛ لأنها خالية من صناعة التحليل التي لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل في كل مطلوب إلَّا بها.. وأما صناعة التركيب، وهي التي قصد يعقوب في كتبه هذه إليها، فلا يَنتفع بها إلَّا من كانت عنده مقدمات عتيدة فحينئذ يمكن التركيب، ومقدمات كل مطلوب لا توجد إلَّا بصناعة التحليل، ولا أدري ما حمل يعقوب على الإضراب عن هذه الصناعة الجليلة، هل جهل مقدارها أو ضنَّ على الناس بكشفها؟ وأي هذين كان فهو نقص فيه، وله بعد هذا رسائل كثيرة في علوم جمة، فيها آثار فاسدة ومذاهب بعيدة عن الحقيقة». ا.ﻫ.

وتحامل القاضي القرطبي ظاهر على أن هذا لم يكن رأي علماء الإفرنج في الكندي، فقد عده غليوم كردانو الإيطالي المتوفى سنة ١٥٧٦، بين الاثني عشر عبقريًّا الذين ذكر أنهم أهل الطراز الأول في الذكاء والعلم، لم يخرج للناس سواهم منذ بداية العالم إلى نهاية القرن السادس عشر للمسيح.. وقال روجر باكون، وهو قس إنجليزي من أهل القرن الثالث عشر للمسيح، ومن مشاهير القرون الوسطى: «إن الكندي والحسن بن الهيثم في الصف الأول مع بطليموس لاشتهاره بما دونهُ في علم المرئيات، وقد نقل بعض رسائله في هذا الباب جيرار دي كريمونا».

وكان الوشاة ومن بينهم العالمان محمد وأحمد أبناء موسى بن شاكر عالم الفلك، يحاولون تشويه سمعة الكندي أمام الخليفة المتوكل، وحين نجحوا بالوصول إلى غايتهم، بعد أن تمكنوا من إثارة الخليفة المتوكل على الكندي، ضرب الخليفة الكندي وأباح مكتبته الضخمة وأعطى كتبه الثمينة لأبناء موسى.

بقي حال الكندي هذا حتى آخر أيام الخليفة المتوكل، ثم أعاد أبناء موسى للكندي كتبه بعد حادثة "نهر الجعفري" بعد ذلك انعزل الكندي عن محيط الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم.

وصل عدد مؤلفات الكندي إلى 241 كتابًا موزعًا على 17 مجال من مجالات المعرفة، غير أن الكثير من هذه المؤلفات فُقدَت ولم يبقَ من أعماله سوى 50 كتابًا.. كتب الفيلسوف أكثر من 20 كتابًا فلسفيًا تحدث فيها عن الطبيعيات وما فوق الطبيعيات والتوحيد وأوائل الأشياء المحسوسة والفاعلة والمنفعلة من الطبيعيات الأولى، والتدليل على التوافق بين اللاهوت الطبيعي والفلسفة.

وكتب الكندي أيضًا في المنطق، فقد عرض أراء بطليموس التي أوردها في كتابه المجسطي ومناقشتها، وتكلم أيضًا في البرهان المنطقي والأصوات الخمسة، وكتب رسالةً في الاحتراس من خدع السفسطائيين.

توسّع الكندي في الطب بشكلٍ كبير، فقد كان له أكثر من خمسٍ وعشرون أطروحةً فيه، تحدث فيها عن الغذاء والدواء المهلك والأدوية المشفية من الروائح المؤذية وعلة نفث الدم وعضة الكَلب والأعراض الحادثة عن البلغم وفي وجع المعدة والنقرس وأقسام الحميات وعلاج الطحال، وله رسالةٌ في صنع الأطعمة من غير عناصرها وأخرى في كيفية الدماغ و ثالثة في السموم وغيرها.. وله كتاب "رسالة في قدر منفعة صناعة الطب" الذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب والصيدلة.

وأدخل الكندي الأرقام الهندية إلى الشرق الأوسط، وألفَّ 12 كتابًا عن الحساب وتحدث عن تأليف الأعداد والتوحيد من جهة العدد والكمية المضافة والحيل العددية وعلم إضمارها.

أما في الكيمياء فقد أسس الكندي وجابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى الكندي أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت، ونفى الكندي إمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة في رسالة سماها "كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة".

اقترح الكندي إضافة الوتر الخامس إلى العود، ووضع سلمًا موسيقيًا ما زال يُستخدم في الموسيقى العربية مؤلفًا من اثنتي عشرة نوتة موسيقية.. للكندي خمس عشر أطروحة في الموسيقى، لم يبقَ منها سوى خمس فقط، وهو أول من أدخل كلمة "موسيقى" إلى اللغة العربية، ومنها انتقلت إلى الفارسية والتركية.

على أن مؤلفات الكندي الفلسفية، وشروحه لحكمة أرسطو، وهي أول ما دوَّنهُ العرب في هذا، نادرة الذكر في كتبهم التي وقعت لنا.. ونذكر بين مؤلفاته كتابًا في قصد أرسطوطاليس في المعقولات، وآخر في ترتيب مصنفات أرسطو.. وذكر له ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء رسالة «في كمية كتب أرسطو، وما يحتاج إليه في تحصيل علم الفلسفة، مما لا غنى في ذلك عنه، وفي ترتيبها وأغراضهِ فيها»، وكتاب في قصد أرسطوطاليس في المقولات، والموضوعة لها رسالته الكبرى في مقياسه العلمي.

ومن كتب أرسطو كتاب أتلوجيا، وهو «قول على الربوبية»، تفسير فارفوريوس الصوري، ونقله إلى العربية عبد المسيح بن عبد الله ناعمة الحمصي، وأصلحه لأحمد بن المعتصم بالله أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي، وطبع ببرلين عام ١٨٨٢.

 

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa