الأحد 16 يونيو 2024

كيف تكون زيارة البابا تاريخية؟

5-5-2017 | 13:27

كثيرًا ما توصف الأشخاص والأحداث بأنها تاريخية، ولكن للأسف فهذا التوصيف قد أصبح فاقدًا للقيمة من كثرة تداوله وتكرار استعماله حتى فقد قيمته، وتاريخية الحدث تأتى من تأثيرها العام والخاص فى المسار العام سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، كما أن هذا التوصيف لا يكون بغير إمكانية استثمار هذا الحدث بطريقة إيجابية، فكثير من الأحداث والمواقف كانت يمكن أن تكون تاريخية ولكن للتعامل معها باستخفاف وروتينية جعلها لا علاقة لها لا بتاريخ ولا بواقع، وزيارة بابا الفاتيكان لمصر يومى ٢٨، ٢٩ أبريل الماضى، يمكن بحق وعلى ضوء زخمها وبرنامجها والقضايا المثارة فيها والتصريحات المصاحبة لها أن تكون تاريخية بل مفصلية فى كثير من القضايا وعديد من الجوانب،

ولأن الزيارة كانت من شخصية عالمية لما تحتله من مكانة روحية كرئيس للكنيسة الكاثوليكية والتى تضم أكثر من مليار نسمة ومن مكانة سياسية وإن كانت رمزية كرئيس لدولة مدينة الفاتيكان، وحيث إن الزيارة قد جاءت فى توقيت دقيق وحساس للغاية فى كثير من القضايا ومنها قضية الإرهاب الذى أصبح يطال الجميع بلا استثناء وفى كل مكان، الشىء الذى يحتم مواجهة صحيحة وصادقة من الجميع بلا مراوغة واستغلال، القضية الأخرى هى تلك الحملة الممجوجة والمعلومة من قطاعات ووسائل إعلامية عالمية ومن أنظمة سياسية لا تتوافق مع النظام المصرى، مما يجعلها تساعد الإرهاب ولو بطرق غير معلنة ولذلك كثيرًا ما تروج أن مصر لا تتمتع بأى استقرار من أى نوع، خاصة أن هذا دائمًا ما يبرر بالعمليات الإرهابية خاصة التى تتم ضد المصريين المسيحيين بهدف إشعال فتنة ومواجهة طائفية محلية وعالمية، تضاف إلى المؤامرات الطائفية التى تحاك فى المنطقة، وهذا يعنى محاولة وضع البابا فى تلك المعادلة التى تنتج صراعًا دينيًا يؤكد ما يسمى بصراع الحضارات الذى يتم تسويقه للوصول إلى حالة الفوضى التى بدأت فى المنطقة منذ احتلال العراق مرورًا بما يسمى بالربيع العربى، القضية الأخرى هى تلك الحملة الدائرة ضد الإسلام بربطه بالإرهاب خاصة بعد وصوله إلى أوربا وأمريكا وظهور ما يسمى بالإسلاموفوبيا والتى كان من نتائجها تلك الحملات الشعوبية التى تجتاح أوربا والتى تمثلت عمليًا فى قرار ترامب فى منع رعايا سبع دول إسلامية من دخول أمريكا، لهذه الأسباب وغيرها كانت أهمية هذه الزيارة، كما أن هناك جوانب هامة ترتبط بشخصية بابا الفاتيكان كداعية للسلام والمحبة فعلًا لا قولًا، فممارساته الشخصية والحياتية تؤكد ذلك والأهم أنه وفى هذه الزيارة قد أكد ذلك عمليًا وقبل مجيئه إلى مصر بتلك الرسالة التى وجهها للشعب المصرى والتى يظهر فيها حبه وتقديره العظيم لمصر التاريخ والحضارة، مصر التى وعلى مدار التاريخ دائمًا ما تكون ملجأ لكل من يحتاج إليها، وحمايتها لأرميا النبى واستقبالها ليوسف ورعايتها لموسى واستضافتها للعائلة المقدسة خير دليل على ذلك كما قال البابا، ولأن الزيارة برنامجها قد حقق الكثير من خلال اللقاءات الثلاثة مع السيسى وشيخ الأزهر والبابا تواضروس، حيث إن البابا أكد حبه لمصر ولشعبها ولدورها التاريخى وما قدمته للإنسانية بل للكنيسة الكاثوليكية فى إطار الرهبنة التى صدرتها مصر للعالم، أكد البابا وشيخ الأزهر على سماحة الأديان وعلى أنها تدعو إلى السلام والمحبة وأن الأديان لا علاقة لها بالإرهاب، هنا لا شك فإن الكلام والتصريحات لم تأتى بجديد فمن المعروف أن الأديان فى مقاصدها العليا تدعو إلى السلام والحب وأن الاختلاف الدينى هو إرادة إلهية أرادها الله وهذا الكلام يقال طوال التاريخ ومنذ نزول الأديان، ولكن الإشكالية هنا هى ذلك الفكر الدينى الذى يفسر ويؤول النصوص المتسامحة والمحبة إلى أحزمة ناسفة، ولذلك تأتى قيمة الزيارة وفى هذا التوقيت لكى يثبت البابا أن دعوة السلام لا يجب أن تكون شعارًا نظريًا ولكن سلوكًا عمليًا بإصرار البابا على إتمام الزيارة، حضور البابا للمؤتمر العالمى للسلام الذى عقد بالأزهر وحضرته كل الأديان سماوية ووضعية هو رمزية ونقلة فى إطار محاولة تغيير الفكر الدينى وقبول الآخر، إقامة قداس برئاسة البابا يحضره خمسة وعشرون ألفًا وتنقل البابا من المطار إلى الاتحادية والأزهر والكاتدرائية والزمالك والمعادى وصولًا مرة أخرى إلى المطار، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك حقيقة الاستقرار الأمنى فى مصر، هنا هل بانتهاء الزيارة نكون قد فعلنا ما علينا وكفى الله المؤمنين شر القتال؟ هل بإتمام الزيارة فقط يمكن أن تكون بحق تاريخية؟ بالطبع لا وألف لا، فكم من مؤتمرات (المؤتمر الاقتصادى ٢٠١٥) وكم من زيارات كانت يجب أن تكون تاريخية ولم تعد لا تاريخية ولا جغرافية، وهنا لا بد أن نعى أهمية هذه الزيارة وكيفية استثمارها على كل المستويات وفورًا دون تقاعس وبلا تردد وبعيدًا عن الروتين، دينيًا يجب أن تكون هناك مراكز أبحاث بين الأزهر والفاتيكان ولقاءات دائمة بعيدًا عن المظهرية، كما يجب أن تسجل كلمات البابا وشيخ الأزهر للتعامل معها إعلاميًا فى الداخل والخارج بل على المستوى التعليمى فيما يسمى بمادة الأخلاق، يجب أن يكون هناك قوافل من الأزهر والكنيسة والثقافة تجوب القرى والنجوع للحديث والأهم للحوار حول قبول الآخر، ويجب أن يصاحب ذلك الأنشطة المشتركة لكل المصريين حتى نحول الكلمات إلى واقع معاش، منهج وبرنامج سريع لوزارة السياحة لاستثمار الزيارة بكلماتها وصورها ورمزيتها على مستوى العالم كله خاصة الأماكن الخاصة برحلة العائلة المقدسة والتى تحدث عنها البابا أكثر من مرة، فهذا الحديث هو خير دعاية مجانية للسياحة لمصر ناهيك عن مدلول الزيارة ذاتها كدعاية للسياحة بشكل عام، أما المردود السياسى فيجب أن تعمل وزارة الخارجية استثمارًا للزيارة فى مجملها للتأكيد على دور مصر فى مواجهة الإرهاب وللرد على تلك الحملات المأجورة ضد مصر ونظامها، أما ما يخص الكنيستين القبطية والكاثوليكية فنحن نقول لا يمكن أن يكون هناك حوار بين المسلمين والمسيحيين ولا يوجد حوار بين المسيحيين والمسيحيين نكون هنا كمن يحرث فى الماء، ولكن لا بد أن تكون حالة الحوار عامة وبلا حواجز ولا حساسيات، فالعالم واحد والإنسانية واحدة والخطر داهم يهدد الجميع، والأهم هو الإيمان بالإنسان الذى تكرمه الأديان جميعًا، والأهم الأفعال التى هى أهم من الأقوال، والأهم مصلحة الوطن التى تعلو على المصلحة الخاصة، الأهم أن الأديان لله وأن يكون الوطن للجميع، فهل يمكن ألا تضيع هذه الفرصة من بين أيدينا ونستثمرها خير استثمار حتى لا نندم وحتى لا نكرر مقولة تاريخية تاريخية وأن نعمل على أرض الواقع، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.