الثلاثاء 18 يونيو 2024

قاضيات بلا دموع

5-5-2017 | 13:51

بقلم : د.عزة أحمد هيكل

فى روايته الرائعة والمعبرة عن البيئة المصرية الأصيلة نجد خيرى شلبى يصف المرأة الريفية فاطمة تعلبة بـ"الوتد" وهو أيضًا  عنوان روايتة التى حصل بها على جائزة الدوله التشجيعية وحولها المخرج أحمد النحاس إلى دراما يومية ترصد المجتمع الصغير والأسرة المصرية بكل تداعياتها على الواقع الأكبر للأمة العربية، وكانت تلك المرأة أو ذاك الوتد العمود الذى يحكم ويأمر ويتصرف فى شئون الأسرة والأبناء ويشترى الأرض ويبيع المحصول ويحكم فى القضايا الأسرية للقرية ومجالس الصلح، والحكم خير دليل على أن مكانة المرأة فى ثقافتنا المصرية مكانة عالية وكبيرة منذ فجر التاريخ، والمرأة فى حقلها جنبا ً إلى جنب الرجل وجميع التقاسيم والتباريح على جدران معابد الأقصر ترسم صورة المرأة وهى تعمل دون تفرقة أو فرقة، أما فى مصاف الملوك فإن الملكات المصريات قد نلن شهرة واسعة منذ حتشبثوت تلك التى بنت أول مدينة للفنون فى صعيد مصر إلى نفرتيتى ونفرتارى اللتين وقفتا إلى جوار أزواجهن فى الصراع السياسى والدينى، لذا فإن فكرة أن المرأة المصرية لم تكن تشارك فى الحياة قبيل القرن العشرين فكرة خاطئة ومغلوطة.

إن التاريخ الحديث لم يعط المرأة حقها فى المشاركة المجتمعية لأن عصور الجهل والتخلف التى عاشها المصريون مع دخول الثقافات الجاهلية فى عصر الضعف السياسى وهى عصور المماليك ثم العثمانيين الأتراك والذين أنشأوا الحرملك حيث الجوارى والنساء في معزل عن المجتمع الذكورى، وهذا جزء من ثقافتين، ثقافة الخيمة

وثقافة أوروبا فى عصورها الوسطى والمظلمة، أما أوروبا العرب فى الأندلس فإن المرأة فيها كانت تعقد مجالس الثقافة والفكر كالتى أقامتها ولادة بنت المستكفى وكتب ابن حزم  كتابه"طوق الحمامة" عن العشق والهوى فى رحابها وأيضًا أبدع الوزير العاشق ابن زيدون نونيتة الشهيرة.. أضحى التنائى بديلا ً عن تدانينا.. وناب عن طيب لقيانا تجافينا..

 فقد ابتعدت الهوة بين ذلك الفكر المستنير وبين ما كانت تعانيه المرأة في الشرق خاصة عصور التخلف والتي أودت بنا إلى استعادة الماضي ونحن في الألفية الثالثة، فهل بعد مائة عام من تحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين وتاريخ حافل بإنجازات الرجل والمرأة في مجالات العمل والإبداع والسياسة وتولي النساء في مناصب الوزارة والإدارة والطب والهندسة والصيدلة والجامعة والتدريس والمحاماة والطب الشرعي والتشريح، نجد من يصف المرأة بأنها عاطفية تميل إلى الدموع ولا تستطيع أن تصمد أمام الصعاب، وأنها لطبيعتهاالخاصة جداً فهي بيولوجياً غير قادرة على أن تكون حكماً وقاضية في أيام معدودات من الشهر.. حقاً شر البلية ما يضحك، فهل الرجل الهمام لا تصيبه وعكة في الشهر أو السنة، وهل الضغط  والسكر والصداع والسجائر لا تؤثر في قراراته، وهل المصلحة والمنفعة والسلطة والخوف والمنصب والمال والجاه لا يشكلون عوامل ضغط أو إغراء تشبه  إن لم تفوق تلك الأيام التي يصفها الرجال بأنها تجعل المرأة غير قادرة على الحكم الصحيح، وكأن التغيرات العضوية التي لا دخل لها فيها سوف تحول بينها وبين ممارسة عملها وأن المغريات وأيضاً المقبلات والمدبرات لن تؤثر ولم تؤثر في قرارات بعض الرجال الذين يحكمون ليس لمصلحة القانون أو البلد أو الإنسانية ولكن لمصلحة فرد أو مجموعة أفراد، فإذا بكل القوانين الخفية تظهر وتفصل وتحور من أجل تحالفات السلطة والمال دون الحاجة إلى أيام معدودات.. ثم هل الإنسانية حكر على المرأة وتلك الدموع نقيصة؟ أم  أن الرجال الذين تلين قلوبهم للحق وللعدل كثر، فبعض الدموع تشبه دموع التماسيح، وقد  تذرفها المرأة لتغسل بها عيونها وهمومها وتجدد نشاطها دون حاجة لأن تصدر قرارات إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما أو مذابح صبرا وشتيلا أو مذابح لبنان الماضية، فهل من يصدر قرارات باجتياح الدول والبلدان وترويع النساء والأطفال وهدم البيوت وحرق الصوامع والحقول، هل كن نساء؟ أم أن الحرب والدمار من صنع هؤلاء الرجال، أما المرأة فهى لم تزل  تهب للإنسانية الحياة وتحافظ عليها وترعاها وتحملها بين جنباتها فكراً وحباً وحقاً وعدلاً وخيراً وجمالاً..  سنرى القاضيات في بلادي بلا دموع ولكنهن سوف يثبتن لقوى التخلف والتعصب والتردى أن الاختلاف بين المرأة والرجل ليس عن نقيصة ولا فضيلة ولكن الاختلاف للتنوع والتكامل، فلا أبلغ من أن ملكة سبأ بلقيس كانت تحكم وحين جاءها خطاب سليمان، قالت لمعاونيها:"يا أيها الملأ أفتوني في أمري"، أي أنها قد حكمت بالشورى ولم يصفها أحد بالجهل أو بالنقصان أو أنها لا تقدر على الحكم ولكن أنها وقومها قد عبدوا ما دون الله عز و جل.. إذا ً فالدموع لم تكن غايتها ولا سبيلها إلى تجنب الحرب ولكن الشورى والمداولة حتى تصل إلى الحقيقة وهذا ما سوف تفصح عنه أيام القاضيات القادمة ولشهر زاد ليال وأيام أوقفت فيها عمل مسرور السياف.. ولحديث النساء بقية