الأحد 24 نوفمبر 2024

محافظات

«التسول».. قنبلة موقوتة تهدد استقرار المجتمع في المنيا

  • 2-5-2021 | 11:51

محافظ المنيا

طباعة
  • محمد مرزوق

" إذا أردت عملاً سهلاً مريحًا بلا شهادات أو لغات، وتحقيق الربح السريع من ورائه، وتصبح في سنوات معدودات بدون عناء من الأثرياء وتمتلك ثروة طائلة بالملايين، فعليك طرق باب التسول".. مقولة مصرية صعيدية قديمة منذ عشرات السنين لها رنينها الحقيقي على أرض الواقع المصري في كل زمان ومكان.

 

وداخل محافظة المنيا – عروس الصعيد – انتشرت آفة التسول بشكل ٍ مربع ٍ للغاية خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، تلك الظاهرة السلبية والمهن السيئة بكل معانيها، وانتشرت للأسف الكبير في ربوع المحافظة من يمتهنون هذه المهنة بالآلاف من مختلف الأعمار السنية والنوع البشري، وترصد " بوابة دار الهلال " أجواء هذه المهنة بالكامل في السطور التالية.

 

صار في الوقت الحالي لمهنة " التسول " داخل محافظة المنيا رواجًا كبيرًا وخاصة ً مع انتشار فيروس كورونا المستجد " كوفيد – 19 " وارتفاع معدل البطالة وتخفيف العمالة وإغلاق الباب إلى حدٍ كبير في وجه العمالة المؤقتة .

 

- طرق الباب بالقرى والصعود للشقق بالمدن

نجدهم يطرقون الباب من حين لآخر في قرى محافظة المنيا ويصعدون للشقق في مدينة المنيا وأثناء فتح الباب تجد في الغالب وجوها قد ملأها البؤس والحزن وارتسم الفقر عليها وتردد بإلحاح شديد مقولة " لله يا سيدنا ربنا يعمر بيتك ويغنيك بالحلال "، إنهم المتسولون أو الشحاذين، ونظرًا لامتهان العديد من المواطنين بالمحافظة هذه المهنة ومحاولة خداع الناس بشتي الأساليب والألاعيب لابتزاز المواطنين والحصول منهم على مبالغ نقدية جمة، فبدأت هذه المهنة أو الظاهرة تُخلف وراءها العديد من الشكوك في الشارع المنياوي وإحجام العديد من المواطنين بالتصدق عليهم خوفًا من كونهم لا يستحقون الصدقة بالمرة.

 

- يتنافسون على اقتسام تورتة شهر رمضان

فتجد المتسولين أو الشحاذين داخل المحافظة لهم مواسم يتنافسون فيما بينهم على اغتنام تلك المواسم لجمع أكبر قدر ممكن من الأموال من المواطن بشتى الطرق والحيل المختلفة.

 

ففي شهر رمضان الكريم يسارع المتسولون أو الشحاذين إلى اغتنام فرصة هذا الشهر الفضيل الذي يكثر فيه الصدقات والعطايات والتبرعات من المواطنين تقربًا لله تعالى، ويحرصون كل الحرص على اقتسام تورته هذا الشهر وإن لم يكن كل منهم يريد هذه التورتة لذاته الشخصي.

 

ويعد رمضان "موسم اغتنام الفرص" لمن اتخذوا منه سبوبة وتجارة مربحة بعد اللعب على مشاعر الصائمين بكلمات ودعوات ومشاهد مفتعلة ومصطنعة تقشعر منها الأبدان إلى جانب حكايات وهمية كثيرة.

 

- 7 آلاف متسول أو يزيد داخل المنيا.

وبحثت "دار الهلال" عن الأعداد المهولة من المتسولين داخل المحافظة، فذكرت مديرية التضامن الاجتماعي بالمنيا والعديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية بالمحافظة أن عدد المتسولين يزيد عن 7 آلاف متسول حسب ما لدينا من إحصائيات، وأن أكثر مراكز المحافظة بها متسولين هي كالتالي: "مركز مغاغة ويليه بني مزار، ملوي، أبو قرقاص، ثم مركز ومدينة المنيا"، وتجد المتسولين يكثرون في قري المحافظة وفي القطارات بين مراكز المنيا، وداخل مدينة المنيا، وبمواقف السيارات والأتوبيسات المختلفة بمراكز المحافظة، وأمام المساجد، وأحيانًا يطرقون أبواب المؤسسات الحكومية وعيادات الأطباء والمستشفيات، وغالبيتهم من النساء ويستخدمون الأطفال في التسول.

 

- طرق وحيل التسول

وصار للمتسولين على أرصفة الشوارع وأمام المساجد وأبواب المحلات وغيرهم طرق شتي للتسول داخل محافظة المنيا من بينها : استخدام الأطفال الرضع للتسول بهم، حيث يقوم الأطفال المرتدون للملابس البالية ووجوههم متسخة وشاحبة باستعطاف قلوب المارة وبإلحاح للحصول منهم على المال، والبعض منهم يدعي أنه مريض وذو عاهة.

 

وكذلك من بين هذه الطرق استخدام روشتات الدواء، من خلال رسم صورة بأنهم في أشد الاحتياج للمال لشراء هذا الدواء لإنقاذ مريض على شفى الموت، فيوهمون المارة بذلك، وكذلك العيادات والصيدليات وبعض من المستشفيات والمحلات والمولات التجارية الخاصة.

 

وكذلك أيضًا من خلال بيع أنواع من سلع معينة مثل الأذكار وأكياس المناديل والتسالي المختلفة أو مسح زجاج السيارات وهذا نوع من التسول المتخفي أو المقنع، ويتم التسول بهذه السلع في العيادات والصيدليات وبعض من المستشفيات والمحلات والمولات التجارية الخاصة .

 

- درجات "الشحاذة"

وللشحاتة درجات عدة، يتم تقسيم المجموعة عليها بالتساوي، منها مثلاً أولى مراتب الشحاذة وهو المبتدئ، وهو المرتدي للملابس قديمة، يتعمد الإهمال في ملابسه، كذلك الرومانسي وهو المتخصص في الهجوم على كل خطيب وخطيبته أو زوج وزوجته، ويتعمد إحراج الرجل أمام أنثاه أيا كانت صلة القرابة بينه وبينها كي يجبره على الدفع، أما الشحات الصامت فهو نوع من الشحاتين الذين يلجأون لبعض الوسائل التقليدية مثل الجلوس أمام كرتونة بيض مكسور أو ما شابه ذلك، أما الشحات " الشيك " فهو على شاكلة الفنان عادل إمام في فيلم " المتسول " وهو من يرتدي بدلة أنيقة، ويتسول بمنتهي الرقي.

 

- التسول المزدوج

واعتبر الباحث الاجتماعي بمديرية التضامن الاجتماعي بالمنيا " أحمد الجبالي " أن قضية "التسول المزدوج" هي أكثر أنواع التسول انتشارًا على الإطلاق، وهي التي يعتمد فيها المتسول على غيره، وغالبًا ما يحتاج إلى طفل مشوه أو مريض يحمله ويسير به ليستعطف الناس ويجعلهم يتصدقون عليه بحجة العلاج.

 

وتابع "الجبالي"، أنه بالرغم من الظروف الاجتماعية المتدنية إلا أنها أصبحت حرفة يمتهنها عدد كبير من الأفراد في المجتمع يستطيعون من خلالها تكوين الثروات؛ لكن في أحوال أخري يتحول الموضوع إلى جريمة، خصوصًا مع الأطفال، حيث إنهم ينشأون دون أي تعاليم تربوية، وفي بيئة قائمة على الأخذ دون العطاء، مما يجعلهم مهيئين لاستقبال الأمراض النفسية والاضطرابات ويصبحون عُرضة لتعلم الجريمة، فكل ما يهمهم هو النتيجة والحصول على المال دون النظر للاعتبارات الأخلاقية وما يجب أن يتبعوه من أجل الحصول على تلك الأموال.

 

- غالبية المتسولين بالمنيا من الشباب والنساء

وقال " ياسر بخيت أحمد "- وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بمحافظة المنيا، لــ " دار الهلال "، " إن محافظة المنيا من المحافظات العريقة لكن في السنوات الأخيرة وتحديدًا بعد ثورة 25 يناير لعام 2011م كثر عدد المتسولين بها وأصبح الغالبية العظمي من هؤلاء من الشباب والنساء، هذه الفئة التي لديها القدرة الفعلية على العمل وكسب الرزق الحلال، وأنا حزين على حالهم وبشدة، ولجوء هؤلاء لامتهان هذه المهنة المقيتة بدافع البطالة وعدم وجود فرصة عمل والعوز والفقر وما إلى غير ذلك من مبررات واهية .

 

أوضح " ياسر بخيت أحمد "، قائلاً، " أعلم تمام العلم بأن هناك أسر كاملة بمحافظة المنيا تعيش على أموال التسول وتلك الأسر غالبيتهم يتسولون في القطارات ومواقف السيارات الأجرة بمراكز المحافظة، كما أن ظاهرة التسول باتت دائرتها تتسع كل يوم بشكل لا يمكن السيطرة عليه، والغريب بأن هناك الكثيرين من المتسولين بالمحافظة أثرياء ولهم حسابات بنكية بالبنوك الحكومية وبعض من البنوك الخاصة وتلك طامة كبرى"، مطالبًا الدولة بضرورة إيجاد حل لهذه الظاهرة المقيتة التي تشوه صورتنا أمام العالم بأكمله حل يقضي على ظاهرة التسول من جذورها ولا يبقي لها أثرًا " .

 

- بيزنس التسول

وحول تفشي آفة التسول داخل محافظة المنيا يعلق الدكتور " محسن الشوربجي "، المحلل السياسي، قائلاً، " إن ظاهرة التسول هي آفة مجتمعية باتت تنتشر في جسد المجتمع وتضعفه وتنمك من قواه البدنية، فهي كالنار حينما تضرب في الهشيم تأتي على الأخضر واليابس، وتسعي لتشويه الصورة الجمالية لمجتمعنا المصري العريق، فالتسول مهنة لا مهنة له والبحث بشتي الطرق والأساليب المتدنية والرخيصة عن التربح بدون مشقة وعناء، المهم في ذهن المتسولين أو ما يطلقون عليهم بالشحاتين أنهم في نهاية اليوم يكون لديهم أموال كثيرة تزيد عن المائتين والثلاثة مائة جنية، مع العلم التام أن المال الذي لا يأتي بعد جهد وعرق ومن أبواب الحلال لا يبارك الله تعالي فيه ولا قيمة له ولا تتذوق حلاوته وسرعان ما يضيع ".

 

وأوضح " الشوربجي "، قائلاً، " إن عصابات التسول باتت تغزو محافظة المنيا بشكلٍ رهيب في جميع مراكز التسعة وقراها، والكل يبتكر فنون شتي للتسول وإرغامك على إعطائهم الأموال، وداخل المحافظة منتشرين بصورة فجة حدث ولا حرج فلديهم أسلوبهم الرخيص في التسول وتجدهم على سبيل المثال على الكوبري العلوي لمحطة سكك حديد المنيا وسيدة تجلس بجوار باب محطة سكك حديد المنيا ومن يجلس أمام البنوك وفي شارع الجمهورية وميدان بالاس والحسيني والحبشي وغيرهم الكثير والكثير، والأفظع أن تجد أم تتسول بأطفالها وتعلمهم هذه الحرفة وتراقبهم وهم يتسولون، المهم أنها تجمع في جيوبها غلة التسول آخر اليوم وتحاسبهم إن قلت الغلة وتعنفهم، ولا تأمن على نفسك من هؤلاء المتسولين فمن الممكن في أي لحظة تتعرض للسرقة بخلاف عمليات النصب الممنهجة، بل من الممكن أن تستدرجك متسولة أو يستدرج متسول طفلا أو طفلة صغيرة ويقوم باختطاف أي منهما وتلك كارثة كبرى.

 

وأضاف "بما أن ظاهرة التسول خطر شديد على سلامة وأمن المجتمع وشيء يشوه كل جميل ويمتد كالسرطان في جسد المجتمع، فعلى جميع الجهات في الدولة والمجتمع المدني والمواطنين أن يتحدوا ويكونوا يدًا واحدة وتتضافر الجهود حتى تكون مصر خالية من المتسولين والقضاء الفعلي على تلك الظاهرة البغيضة ".

 

رأي الدين في التسول :-

ويقول فضيلة الشيخ " سلامة عبد الرازق "، وكيل وزارة الأوقاف بالمنيا، أهتمت الشريعة الإسلامية بظاهرة التسول، فعند تحليل النصوص الشرعية نجد فيها حقائق تفسيرية تقدم منظورًا شاملاً ومتكاملاً لمعالجة مشكلات التسول فيتمثل موقف الدين من التسول في الحث على الزكاة والصدقة والتي هي نسبة مئوية تؤخذ من أموال الأغنياء وتدفع لمستحقي الصدقات من أجل مساعدة الفقراء والمحتاجين وهذا العطاء واجبًا وطريق للتكفير عن الذنوب، فقال تعالي في سورة التوبة الآية رقم 60 " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم "، أما من ناحية أخري نري أن الدين الإسلامي يمنع المتسولين من التسول ويحرم التسول ويحثهم على العمل والاعتماد على قدراتهم في الحصول على المال والعمل الشريف، فقد قال تعالي في سورة التوبة الآية 105 " وقل أعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون " .

 

وأوضح فضيلة الشيخ " سلامة عبد الرازق "، لــ " دار الهلال "، بأن المجتمع الإسلامي عرف التسول قبل الإسلام ووصل الأمر ببعض الأسر إلى حد قتل أبنائهم بسبب الفقر، وقد أشار القرآن الكريم على ذلك في آياته المحكمات في سورة الإسراء الآية رقم 31 حيث قال تعالي " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئًا كبيرًا" ومن المتأمل للآيات القرآنية يجد أن الإسلام قد حذر من السؤال وخاصةً الأشخاص الذين يطلبون المال الكثير من غير حاجة إذ روي عن الرسول الكريم – صلي الله عليه وسلم - " أن المسألة لا تصح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي عزم مفظع أو لذي دم موجع وما سواها يأكلها صاحبها سحتًا " ( رواه مسلم، د.ت: 139).

 

وأشار " عبد الرازق "، إلى أن تحريم الإسلام للتسول ليس بأمر الصدفة، وإنما نظرًا للآثار السلبية لهذه الظاهرة على المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، فعلى الصعيد الاجتماعي فإن التسول ظاهرة تفشت في المجتمعات بصورة مخيفة حتى أصبحت حرفة ومهنة يمتهنها البعض بأشكال وصور متعددة، وبهذا فهم يؤثرون على المجتمع سلبًا، وذلك أن التسول يساعد على انتشار الانحراف والجريمة والجنوح فضلًا عن كونه سببًا من أسباب الإصابة بداء الفقر.

 

- الآثار الاجتماعية والنفسية لظاهرة التسول

ومن جانبه يتكلم الأستاذ الدكتور " أحمد سيد التلاوي "، المدرس بقسم علم النفس بكلية الآداب جامعة المنيا، عن ظاهرة التسول، قائلاً، تعتبر ظاهرة التسول إحدى المشكلات أو الظواهر الاجتماعية في العالم، والتي تختلف من بلد إلى آخر حسب العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والتسول هو من العادات السيئة، ومن أهم الأمراض الاجتماعية التي سادت في المجتمع المصري وخاصة ً في الآونة الأخيرة، وأصبح عمالًا لقطاعات عريضة من أبناء المجتمع، ومن الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى انتشار ظاهرة التسول كثيرة منها اتخذت من التسول مهنة يتفننون فيها سواء كانوا محتاجين أو غير محتاجين لعطف الآخرين، واستدرار شعورهم جدًا، حيث تمارس من بعض الشرائح و الفئات الاجتماعية المعدومة اقتصاديًا، أو من بعض الفئات التي تعاني أمراض معينة مزمنة، أو من ذوي الحاجات الخاصة، وفي ظل الظروف والأزمات المتعددة والمتشابكة والمعقدة داخل المجتمع المصري.

 

- محافظ المنيا يدعو لمواجهة آفة التسول

وكان اللواء أسامه القاضي، محافظ المنيا، شدد على ضرورة تضافر كافة الجهود، والتنسيق بين جميع الجهات، لدراسة الآليات اللازمة للتعامل مع بعض القضايا ذات الأهمية مثل التسرب من التعليم، والتسول، مؤكدًا أن المسئولية تكاملية مشتركة بين جميع الجهات.

 

ووجّه المحافظ، إلى ضرورة التعاون مع مديرية أمن المنيا، وتنفيذ حملات دورية للقضاء على ظاهرة التسول، مع تنفيذ المادة 96 من قانون الطفل، ومعاقبة كل من يعرض طفلا للخطر، وتكليف مديرية التضامن الاجتماعي بدارسة أحوالهم المعيشية والاجتماعية، كما وجه المحافظ، مديرية التضامن الاجتماعي، بإعداد قاعدة بيانات بالجهات العاملة في مجال الطفولة والطفل المعاق، ودراسة حالة الأطفال بلا ماوي.

 

- مساعي لحماية الأطفال بالمنيا من احتراف التسول

من جانبها استعرضت، " بهيرة سيد "، مدير إدارة المرأة والطفولة والأمومة، المبادرات التي تم تنفيذها، وإنجازات اللجنة العامة لحماية الطفولة بمحافظة المنيا، بالإضافة إلى عرض توصيات المجلس القومي للطفولة بشأن الطفل والحماية من الخطر والظواهر السلبية وكيفية مواجهتها.

 

وأشارت، إلي أن وحدة الحماية العامة للطفل ودورها الأساسي معالجة وحل مشاكل الأطفال والمساهمة الجادة في تقديم الخدمات المتنوعة للأم والطفل وذلك من خلال إستراتيجية عمل محددة لحماية الأطفال المعرضين للخطر ومراعاة وضع الطفل والوصول به إلي بر الأمان ليكون فردًا مؤثرًا في المجتمع.

الاكثر قراءة