السبت 18 مايو 2024

المقومات السياحية بجنوب سيناء بين الحاضر والمستقبل

قلعة الجند بطابا شيدها صلاح الدين الأيوبي

ثقافة3-5-2021 | 23:08

د. إسلام نبيل

في ضوء اهتمام الدولة بالتنمية المستدامة والشاملة في سيناء وكذلك العمل على تطوير قطاع السياحة الذي يمثل أحد أهم ركائز هذه التنمية، فكان ذلك دافعًا للبحث عن سبل جديدة لزيادة معدلات السياحة الوافدة إلى المدن السياحية المصرية خاصة بجنوب سيناء، لتعويض الفجوة التي تركتها بعض الجنسيات التي توقف سير حركة الطيران العارض والمنتظم منها إلى مطار شرم الشيخ الدولي، والذي قلّص أعداد السائحين الوافدين إليها، منذ أكتوبر ٢٠١٥، ثم جائحة كورونا التي اجتاحت العالم ٢٠٢٠.

من المعروف لدى الكثيرين من المهتمين بقطاع السياحة، أن مدن جنوب سيناء تعتمد في الأساس على السياحة الشاطئية والسفاري وغيرها من سبل الترفيه المختلفة، هذا بسبب روعة الشواطئ ودفء المناخ معظم فترات السنة، مما يجذب العديد من الجنسيات للاستمتاع بأشعة الشمس التي قد لا تظهر ببلدانهم سوى أسابيع قليلة طوال العام.

في الآونة الأخيرة، خاصة قبل بداية جائحة كورونا، تجلى اهتمام الدولة المصرية، ممثلة في وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة و وزارة الطيران المدني ومحافظة جنوب سيناء وكذلك القطاع الخاص، بالعمل بشكل تكاملي على استقطاب أسواق سياحية جديدة معظمها يهتم بالسياحة الثقافية والتاريخية ودمجهما بـ"الشاطئية"، خاصة مع افتتاح عدد من المتاحف بمدنها، مثل شرم الشيخ و الغردقة، فهذا أوجد أمامنا تساؤلا عن ما إذا استطاعت محافظة جنوب سيناء أن تطور من منتجها السياحي وأن تخلق منتجا جديدا يلبي رغبات السائح؟

في حال تحقق ذلك فإن شرم الشيخ وباقي مدن جنوب سيناء تستطيع أن تكون لها نصيبٌ من السياحة الوافدة من هذه الأسواق الجديدة، وبالتالي تستطيع تعويض جزء من غياب الجنسيات التي توقف طيرانها إلى مطار شرم الشيخ.

في نفس الوقت قد يكون ذلك فرصة كبيرة أيضا لتنويع الأسواق السياحية الوافدة وكذلك العروض المقدمة حتى لا يتم الاعتماد مرة أخرى على جنسيات بعينها ويتكرر نفس الخطأ الذي حدث سابقا وكشفته حادثة سقوط الطائرة الروسية والتي كانت سببا في توقف الرحلات الجوية السياحية إلى مطار شرم الشيخ، مما أثر بالسلب على قطاع السياحة بجنوب سيناء بشكل ملحوظ.

يأتي الآن التساؤل المهم، هل تستطيع جنوب سيناء أن تحقق هذا التوازن من خلال استثمار مقوماتها التراثية الملموسة؟ هذا ما سوف يتم استعراضه من خلال عرض للمقومات التراثية والتاريخية التي تحظى بها المحافظة.

الآثار الفرعونية

من أهم مناطق الآثار الفرعونية بمحافظة جنوب سيناء، آثار سرابيط الخادم – وادي المغارة – سهل المرخا، يوجد بـ سرابيط الخادم معبد لـ حتحور، وهي إحدى أهم المعبودات المصرية القديمة والتي كان مركز عبادتها بمدينة دندرة بصعيد مصر، و لها خمسة معابد منها هذا المعبد بجنوب سيناء، وهو يعتبر من أقدم المعابد المنحوتة بالصخر، ويوجد حوله منطقة مناجم، وكانت تستغل من قبل المصريين القدماء لاستخراج معادن شتى أشهرها الفيروز، ولذلك سميت سيناء بـ"أرض الفيروز".

أما عن وادي المغارة، فهي منطقة مناجم استغلت أيضا لاستخراج المعادن وبها العديد من النقوش التي ترجع إلى عهد مصر الفرعونية (الدولة القديمة وكذلك الوسطي والحديثة)، وتعد أيضا منطقة سهل المرخا التي تمتد بطول ساحل خليج السويس وتحديدا بمنطقة رأس بدران (موقع ٣٤٥، تقع بالقرب من مدينة أبو رديس) المنفذ البحري للمصريين القدماء لدخول جنوب سيناء بالبعثات التعدينية التي كانت ترسل من قبل ملوك مصر لاستخراج المعادن، لذا تم اكتشاف ميناء فرعوني يرجع إلى نهاية الأسرة الخامسة الفرعونية بمنطقة رأس بدرانز

والجانب الآخر من المجرى المائي لخليج السويس وهو ذاته المقابل لهذا الميناء وهي منطقة العين السخنة، والتي تم الكشف بها مؤخرا على ميناء فرعوني آخر موازٍ لميناء سهل المرخا (ميناء خوفو - وادي الجرف)، وكذلك بقايا بعض السفن والنقوش التي تشير إلى البعثات التعدينية التي أرسلت، لذلك نستطيع أن نتصور أن المصريين القدماء أتوا من الدلتا أو صعيد مصر إلى العين السخنة ثم عبروا خليج السويس بالسفن، ثم اتخذوا الطرق البرية داخل جنوب سيناء وصولا لمناطق المناجم، وهذه الطرق البرية حملت العديد من النقوش التي تشير إلى هذه البعثات وأشهرها طريق روض العير المؤدي إلى منطقة سرابيط الخادم. وهنا يأتي السؤال: هل يمكن أن نستثمر ذلك كبرنامج سياحي يهتم بالسياحة الجيولوجية والثقافية التاريخية وكذلك السفاري؟

الآثار البيزنطية – المسيحية

من اهم مناطق الآثار البيزنطية - المسيحية بمحافظة جنوب سيناء: بقايا دير وادي الطور الموجود بمدينة الطور، وهي العاصمة الإدارية الحالية للمحافظة – منطقة وادي فيران بمحتوياتها الأثرية الفريدة خاصة دير السبع بنات – منطقة وادي الدير، والتي تشمل دير سانت كاترين وجبل موسى وغيرها من بقايا الأديرة والقلايا القديمة التي ترجع إلى أوائل العهد المسيحي.

والسؤال: كيف يمكن أن يُستثمر ذلك سياحيا؟

والإجابة، بشكل بسيط، أنه يمكن الربط بين هذه المناطق من خلال عمل برنامج سياحي متكامل تكون فكرته قائمة على اتباع مسار طريق الحج الأوروبي القديم والذي كان يمر بسيناء وصولا إلى القدس، لذلك يمكن للبرنامج أن يبدأ من مدينة الطور  (مع العلم أن هذا جزء من الطريق) و زيارة الدير بها الذي بنى في القرن السادس الميلادي متزامنا مع بناء دير سانت كاترين، وقيل إنه قد يسبقه، ثم من مفارق مدينة الطور التوجه إلى وادي فيران الذي يبعد حوالي 50 كم، والذي يحتوي على أقدم مدينة بيزنطية كاملة تضم شتى أنواع العمائر المسيحية البيزنطية التي يعود بعضٌ منها إلى القرن الخامس والسادس الميلادي، ثم زيارة دير السبع بنات الذي يقع بنفس الوادي، وهو تابع إلى إدارة دير سانت كاترين، ثم التوجه بعد ذلك إلى دير سانت كاترين والمبيت بمدينة سانت كاترين التي تبعد حوالي 60 كم عن وادي فيران، وزيارة جبل موسى، ويختتم البرنامج برحلة اليوم الواحد إلى مدينة القدس، وهي مقصد الحجاج المسيحيين في العالم، وبعد العودة من القدس يستطيع السائح الاستجمام على شواطئ مدينة السلام بشرم الشيخ قبل العودة إلى وطنه.

الآثار الإسلامية

معظمها عبارة عن قلاع على طريق أو مسار الحجاج المسلمين القديم، وأخرى على ساحل خليج السويس أو العقبة، للسيطرة على المياه الإقليمية أثناء الحروب الصليبية، أو تأمين طرق التجارة البحرية؛ ومسار الطريق القديم للحجاج المسلمين يبدأ من بركة الحاج بالقاهرة وهي تبعد 6 كم عن منطقة المرج الحالية، حيث يتجمع فيها الحجاج المسلمون من مصر والسودان وبعض البلدان الأخرى، ثم تسير القافلة محملة بكسوة الكعبة المشرفة وصولا إلى السويس، ومنها إلى سيناء، حيث تعبر محطات عديدة مثل منطقة القباب ووادي الحاج وغيرها، وصولا إلى قلعة مدينة نخل، ثم سيرا من خلال بعض المحطات الأخرى وصولا إلى قلعة العقبة، على مسار هذا الطريق كان يوفر ملوك وسلاطين مصر الدعم للقوافل من حماية وتوفير مصادر مياه وغيرها، حتى ييسر على القافلة رحلتها، والمسافة من المرج إلى العقبة تعتبر الربع الأول من مسار هذا الطريق والذي كان ربما يقطع خلال تسعة أيام سيرا؛ فهل نستطيع استثمار مسار هذا الطريق؟. 

توجد قلاع إسلامية أخرى أهمها:

قلعة الجندي الباشا  رأس سدر، والتي تقع بمدينة رأس سدر وبناها صلاح الدين الأيوبي أثناء حروبه مع الصليبيين، وتوجد قلعة أخرى بمدينة نويبع، عبارة عن طابية صغيرة بناها السردارية المصرية عام ١٨٩٣ وجعلتها مركزاً للشرطة لحفظ الأمن في تلك المنطقة، وتوجد أيضا قلعة جزيرة فرعون أو قلعة صلاح الدين بطابا، أو قلعة إيلة، وهي القلعة التي تم استخدامها على مر العصور، ولكن المباني القائمة بها الآن ترجع إلى عهد صلاح الدين الأيوبي الذي استغلها أثناء حروبه مع الصليبيين.

جدير بالذكر أنه يوجد العديد من الآثار الأخرى التي لم نذكرها مثل "آثار الحقبة الزمنية فيما قبل التاريخ كـ النواميس، والأنباط بسيناء من ميناء تجاري وأبراج حراسة، علاوة على النقوش النبطية الكثيرة والمنتشرة بمواقع مختلفة على أرض سيناء، والطرق التاريخية المهمة" ولكننا سلطنا الضوء أكثر على الآثار التي يمكن أن تُستثمر سياحيًا أولا، وإذا تم ذلك فسوف نرى أن الآثار الأخرى سوف يكون لها أيضا نصيبٌ فيما بعد.

ومن جانب آخر افتتاح متحف شرم الشيخ الذي أثرى المدينة بمنتج سياحي جديد يُعرض من خلاله ٥٢٠٠ قطعة أثرية تمثل حُقبًا زمنية مختلفة من تاريخ و حضارة مصر، إضافة إلى ما سبق؛ تجلى مؤخرا بتعليمات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي الاهتمام بمدينة سانت كاترين وإقامة مشروع "التجلي الأعظم" و استثمار القيمة الدينية والتاريخية لهذه المنطقة من خلال رفع كفاءتها وتحويلها إلى مزار سياحي عالمي بمواصفات خاصة يغلب عليه الطابعان الديني والبيئي.

أيضا يوجد اتجاه نحو تطوير حمام موسى بمدينة الطور وتحويله إلى مشروع استثماري لخلق منتج سياحي جديد يهتم بالسياحة الاستشفائية.

وفي سياق آخر تم بناء مضمار سباق هجن دولي في شرم الشيخ، ويتم تطوير هذا المشروع على مراحل متتالية، لون جديد من أنواع السياحة التي تهم الدول العربية في المقام الأول ويجذب العديد من الأجانب المهتمين في نفس الوقت بهذا الشأن.

ولم تنتهِ شرم الشيخ عند هذا الحد، بل تم توسعة المركز الدولي للمؤتمرات ليستوعب مؤتمرات دولية كبيرة بعدد حضور يصل لأكثر من ٧ آلاف مشارك كما حدث في مؤتمرات الشباب ووزارة البيئة وغيرها، وأيضا تطوير المدينة الشبابية بشرم الشيخ، والتي استضافت عددًا من المسابقات الرياضية الدولية المتنوعة، ومؤخرًا تم طرح مشروع إقامة مدينة يخوت عالمية لاستقطاب السائح الثري.

جنوب سيناء مسرح شهد العديد من الأحداث التاريخية والدينية، فإذا كان بصعيد مصر أكبر متحف مفتوح على مستوى العالم، وهي مدينة الأقصر، فيوجد في جنوب سيناء أكبر متحف حضاري مفتوح يضم شتى العمائر البيزنطية المسيحية (وادي فيران) والتي يرجع تاريخها إلى اوائل العهد المسيحي في مصر، هذا علاوة على النقوش الكثيرة المنتشرة على أرض جنوب سيناء لتشير إلى الحضارات المختلفة والمتعاقبة التي مرت بهذه البقعة المباركة التي تجلى الله سبحانه وتعالي عليها وكلم نبيه موسى دون غيرها من بقاع الأرض، وهي أيضًا المنطقة التي شهدت لقاء سيدنا الخضر بسيدنا موسى وغيرها من الأحداث التاريخية والدينية العديدة.

 


 

الاكثر قراءة