«أسير للدراما».. ذلك هو حال المُشاهد المصرى الذى ألزمت الإجراءات الاحترازية الغالبية منه بالمكوث بالمنزل أمام شاشات التلفزيون طوال شهر رمضان المُعظْم، منتبهاً ومُتفاعلاً مع ما تقدمه من دراما مُعتمدة على التشويق وتوظيف العناصر الجمالية.
من خلال العزف على أوتار العاطفة، مؤثرة على وجه الخصوص فى القيم والأذواق، بل والمُصطلحات وتتحول الكثير من أعمالها إلى مادة للحديث بين الناس، وأفكار وأحاديث متداولة ويُستخدَم أبطال المُسلسلات فى عمليات الترويج السلعى والسياحى، بل يُسمى البعض أسماء مواليدهم بأسماء أبطال دراما الموسم.
فالمسلسلات تُعَد من أهم أشكال الدراما التلفزيونية، ويَكمُن تأثيرها فى كونها تخلق جسراً من الترابط العاطفى بين الأبطال والمشاهدين حيث يتحول أبطال العمل الدرامى إلى رُفقاء روحانيين طول مدة العرض وبعده لذا قال عنهم الراحل أحمد خالد توفيق: ينجذب المشاهد لتمثيليات رمضان لا حباً فى الدراما، ولكن لأنها تُتيح لهم نوعاً بارعاً من التلصص على أحوال وبيوت الآخرين.
وفى الدراما العربية عامة والمصرية خاصة، تقوم الدراما التلفزيونية بعملية إشباع عاطفى وهو ما يُفسر إقبال النساء والشباب على الدراما الرومانسية حيث الإشباع وتعويض الفراغ العاطفى، وهو ما أجج متابعة الدراما التركية فى وقت من الأوقات رغم كونها أعمال سطحية ومُتخمة بالكثير من المبالغات، أما نوعية الدراما الدينية والتاريخية فإنها تزرع رؤية مُعينة فى قناعات الجماهير، إذا جسدت الماضى بطريقة مؤدلجة ذات ارتباط بالواقع أكثر من ارتباطها بالتاريخ.
ويُلاحظ فى الدراما الحالية ازدياد عدد الحلقات لتكملة الشهر الرمضانى الكريم، وهو ما يجب الوقوف عنده وتداركه في ما هو قادم لتأثيره بالسلب على ترهل الأحداث وتشَتُت المُشاهد ومعاناته من الملل والتطويل، مع الأخذ فى الاعتبار أن أغلب المسلسلات تُعاد مرة أواثنتين فى اليوم مما يعنى كون الدراما تستحوذ على جزء كبير من اليوم ولا تُفسِح المجال أمام غيرها من الأنشطة الإنسانية اليومية.
ومن أجل دراما هادفة لابد من مصداقية العرض وشفافية إيصال الرسالة الهادفة؛ وهو ما أُخذ على غالبية صناع الدراما فى الأعوام الأخيرة خاصة فيما يخُص المرأة ؛ فهذا النموذج وضع فى أُطر أثرت فى ثقافة المُجتمع وعلاقاته الإنسانية فمن المرأة الناقمة على القيم الثائرة على كل ما هو موروث والرافضة لجمود المجتمع وثوابته، مُطلقة عليها كبتها، إلى تلك الأخرى المُتسلقة الساعية وراء المال مُخربة حيوات الناس، ومنها لتلك المقهورة من بيئتها الفقيرة، حاملة تسلط الأب والأخ، ويُفرد لها عدد ساعات من الدراما دون طرح حلول لتلك المشكلات وتظهر الشخصيات النسوية الأخرى بجانبها باهتة وسطحية.
ولا تختلف عنها طريقة عرض شخصية الرجل رغم مجيئه أقل تشويهاً، فقدمت الرجل ذو العلاقات النسائية المتعددة، والشاب الذى تنحصر اهتماماته فى جذب الفتيات، بالخطط المثيرة والفكاهية للإيقاع بهن أو نموذج البلطجى السوقى، وتتعدد الحلقات لمتابعة يومياته الإجرامية وتباهيه بفوقيته على القانون، أما صوت الضمير والنصيحة فيأتى هامشياً وبلا جاذبية، وكذلك الجزاء العادل على الفعل الخطأ يجىء مُقتصراً على تطبيق القانون، وفى نهاية العمل فمن النادر ما تُعطى الدراما مساحة واسعة لتصوير العقاب .
ولعل تلك الأسباب هى ما دفعت المُشاهد إلى نوعية الدراما التوثيقية لما مرت به البلاد فى العشر سنوات السابقة، وجعلت الأسرة المصرية تلتف حول حلقات من وحى ملفات المخابرات المصرية، أو من وحى حياة شهدائنا من الشرطة والجيش، واستمتع المشاهد بقصص الكفاح الواقعى لأجهزتنا الأمنية ضد الإرهاب ضامناً واقعيتها بعيداً عن رؤى أحادية للمؤلف والسيناريست تغيب عنها المصداقية منذ زمن .
إذا ما أردنا مُخاطبة أجيال قادمة والسمو بأخلاقهم؛ لابد من دراما واقعية عادلة بميزان حساس من الطرح منذ بداية العمل لنهايته، لابد أن تطغى الرسالة على استعراض بعض الممثلين والممثلات شكلاً وعلى حوارات نمطية لا تخاطب واقعية مجتمعنا، عندئذ نفتخر بكون مصر رائدة للدراما فى الشرق الأوسط وهى ما كانت عليه منذ سنوات طوال ونتمنى لها الصدارة لسنوات مقبلة وعندئذ تُعَد الدراما معتقلاً مُمتعاً هادفاً .