الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (14)

  • 8-5-2021 | 11:21
طباعة

اكتشف هذا التمثال عالم المصريات السويسري "هنري إدوارد نافيل Henri Édouard Naville" (1844 – 1926)، وقد زار مصر لأول مرة عام 1865، حيث قام بنسخ نصوص حورس في معبد إدفو، وفي عام 1882 تمت دعوته للعمل في "صندوق تمويل استكشاف مصر" الذي أسسته في انجلترا عام 1882م، مع مجموعة من الآثاريين والمهتمين بالآثار المصرية، بغرض تمويل ودعم الدراسات الأثرية المصرية والحفائر الجارية فى مصر، الصحفية والروائية والشاعرة والرحالة وعالمة المصريات، الإنجليزية "إميليا إدواردز"  Amelia Edwards، مؤلفة الكتاب الشهير "ألف ميل عبر النيل" A Thousand Miles up the Nile، التي تصف فيه رحلتها إلى مصر، وما شاهدته فيها، وتم نشره عام 1877م، وكان لهذا الكتاب فى انجلترا ما كان لكتاب "وصف مصر" فى العالم من تأثير.

تمثال الملك تحتمس الثالث – متحف المتروبوليتان

عمل "نافيل" لصالح صندوق استكشاف مصر في الفترة من 1882-1913م، حيث قام بالتنقيب في عدد من المواقع منها: تل المسخوطة في محافظة الاسماعيلية عام 1882م، ووادي طميلات شرق الدلتا ما بين عامي1885-1886، وتل بسطة في الشرقية ما بين أعوام 1886-1889م، وتل اليهودية عام 1887، وفي صفط الحنة إحدى قرى مركز أبو حماد بمحافظة الشرقية عام 1887م، وأهناسيا في بني سويف ما بين عامي 1890-1891، ومنديس أو تل الربع (35كم شرق المنصورة)، وكفر المقدام (تابعة لمركز ميت غمر – الدقهلية) عام 1892م.

وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، قام بالتنقيب في معبد حتشبسوت الجنائزي في الدير البحري وكان يساعده فيها هوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ آمون.

وفي الفترة ما بين 1903 - 1906 عاد إلى الدير البحري لحفر المعبد الجنائزي للملك منتوحتب الثاني. وفي عام 1910 عمل في المقبرة الملكية في أبيدوس وكانت آخر أعمال التنقيب له، والتي تُركت غير مكتملة في بداية الحرب العالمية الأولى.

يحتفظ المتحف المصري بالقاهرة، والمتحف البريطاني في لندن، ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن ومتحف المتروبوليتان في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، بالعديد من القطع التي اكتشفها "إدوارد نافيل" في حفرياته في مصر.

ويُعد هذا التمثال النصفي (الجذع) الذي يحتفظ به متحف المتروبوليتان في نيويورك، عثر عليه إدوارد نافل في حفائره التي قام بها في الأقصر، في المعبد الجنائزي لمنتوحتب الثاني في الدير البحري، والتي كان يعمل بها لصالح "جمعية استكشاف مصر. في البداية عثر إدوارد نافل على الجذع بدون صفحة الوجه، وكان أن حصل عليه متحف المتروبوليتان عام 1907م على سبيل الهدية من صندوق استكشاف مصر لاشتراكه معه في الحفائر.

بعد عشرات من السنين، وتحديداً في ستينات القرن العشرين، تم اكتشاف الوجه، الذي كان مكسوراً إلى عدد من القطع، من قبل بعثة حفائر بولندية كانت تقوم بإزالة المعبد المدمر لتحتمس الثالث المجاور لمعبد منتوحتب الثاني، وأودع الوجه المتحف المصري بالقاهرة بعد تجميع أجزائه المكسورة ولصقها.

صورة التمثال

ظل الجذع في متحف المتروبوليتان يفتقد الرأس فيه إلى الوجه، بينما الوجه في المتحف المصري في القاهرة يبحث عن رأسه أو جذعه في نيويورك.

وبعد ما يقرب من ثلاثين عاماً، وبعد اكتشاف التشابه الواضح بين الوجه وجذعه، وفي التسعينيات من القرن العشرين، كان التعاون المثمر بين متحفي القاهرة والمتروبوليتان، حيث قام المتحف المصري بعمل قالب للوجه، وارساله إلى متحف المتروبوليتان ليتم عرضه على الجذع الذي كان يمتلكه، وفي الوقت نفسه، قام متحف المتروبوليتان بعمل قالب من الجذع وإرساله إلى المتحف المصري في القاهرة ليوضع عليه الوجه الأصلي.

وهكذا بعد قرون عديدة من الفرقة والبعاد، التقي الوجه بجذعه في كل من القاهرة ونيويورك، لتعود لكليهما الحياة التي كان يفتقدها، فتكتمل صورة التمثال ويعود إليه مظهره الكامل، وهيئته، وشكله الجمالي، منذ أن خرج من يد الفنان وطمرته الرمال، وليحتفظ المتحفان بنسخة من تمثال يجمع في جزئية، الجذع والوجه، بين الأصل والتقليد أو التقليد والأصل.   

وهذا الجذع، الذي يوجد في متحف المتروبوليتان، كان يمثل الجزء العلوي من تمثال كامل للملك تحتمس الثالث لم يعثر بعد على أجزائه الأخرى، وهو مصنوع من الرخام الأبيض الناصع البياض.

والرخام حجر من الأحجار المتحولة، شديدة الصلادة، برع الفنان في نحت تفاصيله بدقة، فصارت ناطقة ومعبرة، وأنهاه بملمس شديد النعومة، ساعده طبيعة الصخر ذي الحبيبات الدقيقة، وبرع الفنان في نحت ثنايات لباس الرأس (النمس) التي تتجمع بصورة أنيقة في الخلف أعلى الظهر، فحفرها ثم لونها باللون الأسود، أو ملأها بعجينة سوداء اللون؛ لتعطي تضاداً ناطقاً مع لون الرخام الأبيض الناصع، وكذلك الحال في العينين والصل الملكي الذي يعلو الجبهة. يعرض التمثال النصفي في المتروبوليتان على قضيب معدني يرفعه قليلاً لأعلى في وضع مهيب يبرز جمال التمثال وهيبة ووقار صاحبه الملك تحتمس الثالث.

تحتمس الثالث هو أحد أعظم ملوك مصر القديمة، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، كان ترتيبه السادس من فراعنة الأسرة الثامنة عشرة (1550-1292 ق.م تقريباً). هو ابن الملك تحتمس الثاني من زوجته "ايست"، وهو أخ غير شقيق للملكة حتشبسوت، التي أصبحت وصية عليه عند صعوده إلى العرش كصبي، ثم اغتصبت العرش منه قبل أن ينفرد هو بحكم مصر بعد وفاتها، ليحكم مصر مدة 54 عامًا كاملة (1479-1425ق.م تقريباً).

كان تحتمس الثالث يتمتع بسمات شخصية وعسكرية فريدة، اكسبته صلابة في شخصيته وخبرات عسكرية عظيمة، فاهتم بالجيش وجعله نظامياً، وزوده بالفرسان والعربات الحربية، وأتقن المصريون القدماء في عهده صناعة النبال والأسهم، التي كان لها أثر كبير في بسط نفوذ مصر ومد سيطرتها على من حولها من البلاد. وتظهر لنا تماثيل تحتمس الثالث شاباً مفتول العضلات، يمتلك مقومات القائد الشجاع المقاتل. وأسس تحتمس الثالث الإمبراطورية الحديثة، والتي استمرت لأكثر من أربعة قرون (1479 -1070ق.م)، وقاد طوال حياته 17 حملة عسكرية لقارة آسيا، وغزا سوريا وفلسطين واقتحم بلاد ما بين النهرين، وامتدت حدود مصر في عهده إلى عمق آسيا وأفريقيا.

توفي تحتمس الثالث عام 1479 ق.م تقريباً ودفن في مقبرة بوادي الملوك كان قد أعدها لنفسه وهي المقبرة رقم 34، وقد اكتشفت مقبرته في عام 1898 على يد العالم فيكتور لوريه، وكانت قد تعرضت للنهب، ولم تكن بها المومياء التي عثر عليها في الدير البحري عام 1881م.

ترك تحتمس الثالث طوال سنوات حكمه، العديد من الآثار التي تخلد انتصاراته ومعاركه في معظم أنحاء مصر، من سيناء إلى الشلال الرابع، ويظل هذا التمثال الموجود في متحف المتروبوليتان في مدينة نيويورك، وهو أحدها، شاهداً في هيئته ودقة نحته وجمال إخراجه، على ملك من أعظم ملوك مصر القديمة، كوَّن إمبراطورية عظمى امتدت حدودها حتى شواطئ نهر الفرات وجنوبا إلى ما بعد الشلال الرابع، تشهد بعظمة عهده آثاره الموزعة في متاحف العالم ومدنها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة