بالرغم من المخاض العسير الذي شهدته مفاوضات الحكومة السودانية والجبهة الثورية والتي استغرقت نحو عام كامل، حافل بالكثير من المطبات والعقبات، إلا أن الدور البارز الذي لعبته دولة الامارات العربية جعل من المفاوضات تمضي إلى مبتغاها، بالتوقيع على اتفاق السلام، الذي كان محط أنظار العالم.. الإمارات بذلت جهوداً ضخمة وحثيثة لتذليل العديد من العقبات والتحديات، التي كانت تحول دون توافق الأطراف.
دور إيجابي
الشاهد أن المسؤولين في الإمارات حرصوا منذ البداية على التواجد والمشاركة، بإيفاد فريق فني لدعم التفاوض والذي قام بلعب دور إيجابي، هذا ما أكدته أيضاً لجنة الوساطة التي شكلتها حكومة جوبا، والتي أكدت أيضاً أن المساهمات اللوجستية الكبيرة التي قدمتها الإمارات لجنوب السودان لعبت دوراً كبيراً في إنجاح الوساطة بين أطراف التفاوض المختلفة، إذ سهلت ودعمت قدرتها على استضافة فرق التفاوض استضافة كاملة لمدة 12 شهراً.
ويوضح مقرر لجنة الوساطة في مباحثات السلام ضيو مطوك أن دور الإمارات كان كبيراً في دعم إنجاز اتفاق السلام، والتوصل إلى التوقيع النهائي، وينوه بشكل خاص بجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قائلاً: إن دوره كان محورياً وبناءً في دعم إنجاز الاتفاق التاريخي.
الوقت المناسب
ويقول السياسي السوداني أحمد السعاف الذي كان قريباً من المفاوضات، أن إيمان الإمارات بتحقيق السلام في السودان، كان دافعاً كبيراً لأطراف عملية التفاوض بحتمية الوصول إلى اتفاق.
وأضاف ما تزال هناك الكثير من أسرار التفاوض عن مواقف كان يمكن أن تفجر المفاوضات، لولا تدخل الإمارات في الأوقات المناسبة.
وتابع: نقدر الدعم المالي واللوجستي الكامل، الذي وضعت فيه الإمارات إمكاناتها المختلفة في متناول يد الوسيط (جنوب السودان) والمتفاوضين.
وزاد: ظلت الإمارات تستمع لكل الأطراف، حريصة على تحقيق التوافق بين الأطراف، وهدفها التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب والدمار، وتحقيق السلام والأمن والاستقرار للسودانيين جميعاً.
دعم لوجستي ومالي
الثابت أن دور الإمارات لم يقتصر على تقديم الدعم المادي فقط، بيد أنه وقبل التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، حضر إلى جوبا وفد رفيع المستوى، والتقى بقادة الجبهة الثورية وأطراف العملية السلمية، مؤكداً دعم ورعاية عملية السلام، والمشاركة في دعم تنفيذ استحقاقات السلام، والعمل على دفع سير عملية التفاوض، لا سيما أنه في تلك الفترة كان هناك عدد من القضايا العالقة في ملف الترتيبات الأمنية، أبرزها آلية التنفيذ، وفترة دمج قوات الحركات المسلحة مع الجيش.
ويؤكد السعاف أن الوفد الإماراتي ظل يتابع عن كثب سير المفاوضات مع قادة الجبهة الثورية والحكومة، وكذلك مع لجنة الوساطة الجنوبية، ولم يغادر جوبا حتى تم التوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى في 31 أغسطس الماضي، كما حرص على حضور جميع فعاليات التوقيع على بروتوكولات المسارات كافة قبل التوقيع بالأحرف الأولى أيضاً.
ويضيف أن إقدام الإمارات على تقديم الدعم اللوجيستي والمادي للمفاوضات في جوبا، وكذلك لترتيبات التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، كان له أثر بالغ في نجاح مراسم التوقيع النهائي.
جهودة مثمرة
وأشاد سياسيون بالجهود التي قادتها الإمارات في مفاوضات السلام التي أفضت إلى اتفاق تاريخي بين الحكومة الانتقالية وتحالف الجبهة الثورية المسلح بجوبا ، وقالوا إن الدعم الإماراتي المستمر للمفاوضات في جوبا، التي امتدت لما يقرب العام، حولت أحلام السودانيين في السلام إلى واقع ملموس، وآتت بثمارها.
ويتذكر السودانيون للإمارات كثيرا من الفضل فيما يتصل بالعملية السلمية، كونها أول دولة بادرت بالتواصل مع الحكومة الانتقالية وتحالف الجبهة الثورية، وحثتمها على الانخراط في مفاوضات السلام، فضلا عن أنها أول بلد دعم خيار السودانيين في التغيير عبر انتفاضة شعبية.
دعم سخي
وفي الصدد، أكد استاذ العلوم السياسية عثمان سالم، أن الإمارات دعمت مفاوضات السلام في جوبا وتحملت كافة النفقات حتى لحظة الوصول لاتفاق نهائي، بسخاء يجسد عمق العلاقة بين البلدين، وقال: "نتطلع لأن يستمر أشقاؤنا بالإمارات في الدعم السياسي والمالي لتنفيذ الاتفاق المبرم في جوبا، حتى يتحول السلام إلى واقع معيش"، وشدد على أن الإمارات وتشاد وجنوب السودان تمثل ضامنا للاتفاق الذي تحقق في العاصمة جوبا، لذلك يجب أن يستمروا في هذا السند حتى يعم السلام والاستقرار أرجاء بلادنا، ويذهب سالم الى ان الإمارات ظلت تشارك بفاعلية في مفاوضات السلام لأجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف.
تليين المواقف
جهود الامارات حظيت بإشادة رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل المهدي، الذي أكد في تصريح سابق أن الإمارات ظلت تسعى باستمرار لوقف الحرب في السودان منذ عزل نظام البشير.
وأوضح المهدي أن الإمارات قادت جهود تليين المواقف وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، إذ قامت بدعوة جميع قادة هذه الحركات ومعظم أحزاب الحرية والتغيير لمشاورات منفصلة في أبوظبي، وجمعت بين بعض قادة الفصائل وممثلين للسيادي لتقريب وجهات النظر".
وقال إن أدوار الإمارات امتدت لاستضافة فريق الوساطة من دولة جنوب السودان، ومولت اللوجستيات الخاصة بمفاوضات جوبا كاملة لنحو عام.
الضامن لتنفيذ الاتفاق
وأشاد رئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية، المستشار توت قلواك بالدعم الذي قدمته الإمارات للمفاوضات بين حكومة الخرطوم والحركات المسلحة، والذي قاد لاتفاق سلام تاريخي، وقال قلواك: إن الإمارات لعبت دورا "بارزا وجبارا" في دفع عملية السلام في السودان، والتوصل للاتفاق الذي أقرته الأطراف السبت.
وأضاف قائلا: إن "دور الإمارات امتد حتى داخل غرف التفاوض، لقد وقفوا معنا منذ بداية المحادثات بين الحكومة وتحالف الجبهة الثورية، حتى وصلنا لهذا الإنجاز بتوقيع اتفاقية السلام".
وحيا رئيس فريق الوساطة حكومة الإمارات، واعتبرها الضامن الأبرز لتنفيذ اتفاقية السلام السودانية.
وشدد مراقبون على ضرورة استمرار الدور الإماراتي حتى تتحول بنود ونصوص اتفاق السلام إلى واقع ملموس يعيد الاستقرار إلى المشهد السوداني، ويفتح آفاق الاستقرار والتنمية والتعاون في دولتي السودان وجنوب السودان.