رغم أن الفنان الراحل نجيب الريحاني كان خفيف الظل فى الأفلامه، إلا أنه في الحياة كان شخصا انطوائيًا وخجولا، بحسب ما كشفت عنه زوجته الراقصة السورية الشهيرة بديعة مصابني، والذى استمر زواجهما لمدة 10 سنوات.
وبعد وفاة الريحاني بـ12 يوما - والذى تحل ذكراها اليوم 8 يونيو- نشرت مجلة الإثنين في 20 يونيو 1949 مذكرات "مصابني" تتحدث فيها عن رحلة "الريحاني" ومعانته قبل دخول الفن، وعن زواجها منه وذكرياتها معه التي كانت يتخللها حوارا معه مصبوغا بخفة ظله المعتادة.
وتعيد بوابة "دار الهلال" نشر جزء من المذكرات كما هي دون تدخل.
الحلقة الأولى - سنوات الزواج
تزوجت نجيب الريحاني في سنة 1924 وظللنا معنا عشر سنوات ثم افترقنا ولكننا ظللنا صديقين، وقبل وفاته بأيام أصبت بانقباض شديد فرأيت أن أرفه عن نفسي بمشاهدة الرواية التي كان يمثلها، وأرسلت إلي مسرح "ريتز" من يشتري لي "بنوار" وعرف نجيب بذلك بمجرد المصادفة فأرسل تذكرة "البنوار" ورفض الثمن، وقال للشخص الذي أرسلته "عيب".
وشاهدت الرواية وضحكت ليلتها.. ضحكت كثيرا من صميم القلب، وبعد انتهاء الرواية ذهبت إليه فقبلني وقبلته، وقال لي مداعبا: "إنتي لسه حلوة يا بديعة ووجدت الفرصة سانحة لأطلب الطلاق، وكنت قد طلبته مرارا في خلال السنوات الماضية، فقلت له "أما أن نعيش معنا أو تطلقني .. يا أخي ريحني فسكت لحظة، ثم قال: "اسمعي يا بدعدع أنا حاريحك فعلا حاريحك يا ستي"، وكأنما كان رحمة الله يخترق حجب الغيب.
ثم قال لي مبتهجًا: "شفتي فيلتي الجديدة؟، فلما أجبته بالنفي حدد لي موعدا نلتقي فيه لنذهب إليها، وذهبت معه لأرى الفيلا واحسرتاه لقد كان يرقص فرحا وهو يطوف معي بها ويحدثني عنها.
كان يقول لي: "هنا حتكون أودة النوم ودي للضيوف، وقد أبديت له اعجابي "ما آنش الأوان عشان تسيب التمثيل وتستريح بأه زي أنا ما عملت؟ ففكر لحظة ثم قال لو تركت التمثيل أموت حالا ماقدرش اعيش من غير المسرح، وقد صدق نجيب لقد عاش للفن ومات في سبيل الفن، عشنا معنا عشر سنوات لم نختلف يوما إلا كان الفن هو السبب".
كان يجلس مع بديع خيري ويغلقان الباب دونهما ساعات بل أياما ويستغرقان في التأليف، ولم أكن أعرف وقتئذ أن التأليف يتطلب كل هذا التفرغ كنت أشعر بالغيرة من التأليف وأنتهز الفرصة للانتقام من التأليف فكنت أقول لنجيب أن الرواية بايخة وأسترسل في ذمها وقد ملأ الغيظ نفسي، فيضحك رحمة الله عليه ويقول: إنتي زي الشعب مش قادر يهضم اللي بقدمه لكن مسيره يهضمه وقد ظل نجيب يجهد نفسه و يطرد الياس إلي أن صار الشعب يهضم حقا مايقدمه".
إن أكثر رواية من الروايات التي مثلناها قديما وفشلت لقلة الإقبال عليها لاقت من النجاح في السنوات الاخيرة مالم يكن يخطر ببال أحد، إلا نجيب هذا الفنان القوي الإرادة، المومن بالفن كان يقول لي ونحن في أشد حالات الضيق "أنا بحلم بالمجد يابديعة، المجد الأصيل الصحيح المجد اللي يستنى بعد ما أموت وأحس إنه جاي قريب، فاذا كثر كلامه عن المجد قلت له "احنا دلوقت مش في المجد في العيش عايزين مصروف البيت؟، فيعتريه الوجوم ثم يقول ضاحكا يلا نتغدى مجد النهاردة".
ويمرموعد الغداء ولا نأكل اكتفاء بما أكلنا من مجد، وقد تحقق حلم نجيب ونال المجد الفني الأصيل الصحيح وفي أشد الايام الضيق كان يضحك في البيت كان بيته كما كان على مسرحه ولاتفلت منه فرصة الفكاهة اللطيفة والقفشة المضحكة، وكنت في السنوات الأولى أغسل ملابسه وأكويها بيدي، كان يشجعني قائلا "الفنانة اللي تعرف تطبخ كويس هي اللي تنجح في حياتها الفنية" فأتفانى في خدمة البيت وإجادة الطبخ ولما ابتسمت لنا الحياة، أحضر لي طاهيا وقال لي: "أنا كنت باقول لك الكلام ده عشان ماكانش معانا أجرة الطباخ".