السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

المُثقَف الحَقْ

  • 29-6-2021 | 13:03
طباعة

المثقف الحقْ.. ليس من شروطه أن يكون حاملًا لأعلى الدرجات العلمية أو حتى لشهادة جامعية ولكم في محمود عباس العقاد وجُبران خليل جُبران أُسوة.

 وكما هو الحال مع كثير من الروائيين والكُتاب من حَمِلة المناصب والدرجات العلمية وتجدهم يفتقدون للثقافة ويتكشف الادعاء فى خصالهم عند التحاور معهم ونراهم على حقيقتهم المُجرْدة من أبسط ردود الأفعال عند نقاش أو سجْال؛ حيث يواجه الحوار برفض الانفتاح على الرأي الآخر والتعصُب لمعتقداته وعدم تقبْل النقد الموضوعي واتهام كل مُتنَاول لأعماله برؤية نقدية بضيق الأُفق أو تنمر واستهداف لشخصه، وكما قال فولتير (قد أختلف معك في الرأي ولكنني مُستعد أن أدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول رأيك).

المُثقف الحقْ.. لا يحقد ولا يكره ولا يُسفْه من المعسكر الآخر كما أن من سماته الأساسية الترفْع عن المديح فى نفسه أو استجداء المدح من المحيطين صابًا كل طاقته على تبجيل الذات؛ في عصر "السوشيال ميديا" والفضائيات المفتوحة أصبح للمدح كتائب مأجورة أو مُغرضة كثيرة الإغراء للمُثقفين مُحبي الظهور فيمتثلون للمنابر الإعلامية باحثين عن لقب (شخصية عامة) و(نجم فضائيات)؛ فيصيبه داء التعجُل أمام الناس ويَغُض الطرف عن تقييمه لأدواته الفكرية والمنهجية وهو ما يعكس ضيق أُفقه حِيال مسئوليته في التثقيف ومدى قدرته على القيادة الفكرية .

المُثقف الحقْ.. هو ذلك الشخص غير المُتحوِل، فنجد بوصلته وقد انتقلت من أقصى اليمين لأقصى اليسار تمشيًا مع الريجة ومُجاراة للموجة، مما يجعل المُتلقي عاجزًا عن فهم منهجه وتضيع الثقة فى قيادته الفكرية متبوعًا في الزهد لتتبع أي خطاب له.

 وهو ما حدث مع النخبة المُثقفة عند سقوط الاتحاد السوفيتي حيث تحولت من عبادة الاشتراكية وقد صارت نخبة ليبرالية منفتحة على التعددية وحقوق الإنسان ودولة اقتصاد السوق، وفي مصر نجد أن الواقع أثناء ثورة 25 يناير وما بعدها قد كشف أوجه من التحول والتلون لبعض أفراد المثقفين؛ فبدافع المصلحية والانتهازية نجد من كان يحترف فن الشعر والأدب والرواية وقد أدمن التحدث في الشئون السياسية والقضايا الاستراتيجية دون توضيح شاف لمريديه ولا تبرير لازدواجيته حيث يتقّول بعكس مما كان عليه ويدعي الفهم في عكس تخصصه.

المُثقف الحقْ .. هو الذي تتوازن حياته بين الانفتاح على الناس وتقديس خلوته؛ فلا يجور أي من الشقين على الآخر حيث يعطي لخلوته التأملية الخادمة لتحولاته الفكرية الوقت المناسب من أجل تجديد خطابه الفكري والابتعاد عن الملل والتكرار فيستخلص خبرة اطلاعية على الحركة الثقافية المحلية والعالمية مُستفيدًا من مختلف التجارب الثقافية لحياة الشعوب ويحدد اتجاهه الانتمائي إلى الفئة التى تمثله اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا؛ فلا يتوقف عند حدود وفى نفس الوقت لا ينغلق على بيئته .

المثقف الحق.. هو من يملك الضمير تجاه وطنه، فلا ينطق لسانه مُحرضًا أو لاعنًا أو ناقدًا مُتربصًا بدافع المُعارضة وادعاء الوطنية، ففي اللحظات الحالكة التى تمر بها الأمم والتى تقتضى تكاتف الجميع من أجل أمنها القومي، ولا هو من يسعى لهدم الثوابت سواء كانت دينية أو تاريخية فلا يجوز استعراض أداة الثقافة والتلويح بها ضد المنظومة والأغلبية لخطف اللقطة أو ابتغاء تريند، ولا يعنى تغزْلك فى حقبة ماضية أنك على دراية بخباياها وتحمل معلومات وأدلة غير متوفرة عند الآخر ولا تعنى معارضتك المُطلقة بلسان مثقف كذوب اعتلائك لمنبر الثقافة والمصداقية، فكلمة نُخبة تتحول إلى نكبْة على الوطن فى تلك الحالة .

(الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة) ونضف على جملة أينشتاين، أنها مرتبة يختص بها الله بعض عبادة ليكونوا قدوة وعلماء لتبصير البشرية، فللمثقف رسالة أُوكلْت له وسيحاسب عليها وخاصة فى مجتمع شريحته الأكبر بحاجة إلى العلم والثقافة، فإعمال الضمير وتجديد تُربة ثقافتك وعدم ازدواجية الفكر وتقبل الرأي الآخر والترفع عن الأضواء وعدم السعي للشهرة الكاذبة واجبات على المثقف حملها على عاتقه  تجاه وطنه وبيئته ونفسه كي يصل لمرتبة الأولياء ويكون مُثقفًا حقًا.

الاكثر قراءة