بقلم – صلاح البيلى
اعتاد د. يوسف زيدان أن يخرج علينا بين الوقت والآخر بآراء تصدم ما استقرت عليه الأمة وأجمع عليه المؤرخون مع أنه باحث مهتم بالتاريخ وكان يشرف على قسم المخطوطات فى مكتبة الإسكندرية قبل عقدين من الزمان!.. خرج علينا د. زيدان قبل شهور بإنكار وجود الأقصى فى القدس وقال إنه فى الطائف بجزيرة العرب وأنكر حقوق العرب والمسلمين فى القدس مع أن «اليونسكو» أكدت مؤخرًا أن القدس عربية وأن المستوطنات الإسرائيلية بها عدوان غير شرعى على حقوق العرب التاريخية فيها. وأحدث فذلكات زيدان وصفه لشخصية صلاح الدين الأيوبى بأنها أحقر شخصية فى التاريخ!
لست باحثًا فى التاريخ ولكننى قارئ له وأحيل د. زيدان لما كتبه عماد الدين الكاتب يوم موت صلاح الدين حيث قال: «مات بموته الرجال وأدلهمت الآفاق وفُجع الزمان بواحدة وسلطانه ورُزئ الإسلام بمشيد أركانه». وأحيله إلى ما كتبه الحنبلى المؤرخ فى كتابه: «شفاء القلوب فى مناقب بنى أيوب» وما كتبه معاصره «ابن الأثير» وغيرهم من مؤرخى عصره. وفى العصر الحديث ما كتبه د. عبدالمنعم ماجد أستاذ التاريخ بآداب عين شمس ومئات المؤرخين فى مناقب صلاح الدين وجهاده الذى أعاد للشرق عزته وكرامته وكيف أثنى عليه خصومه من الأوربيين ومدحه (تشرشل) فى العصر الحديث فقال: «إنه أعظم ملوك الأرض سياسة».
صلاح الدين هذا هو الذى قضى على الخطر الصليبى على مصر مرتين وقضى على دولة الفاطميين فى مصر وتشيعهم وأعاد مصر سنية وكان مذهبه وتعظيمه للإمام الشافعى وبنى القبة على ضريحه وبنى قلعة الجبل فى مصر، واشترك هو وأولاده والأمراء والقضاة والصوفية فى حمل الحجارة لتحصين القدس ويوم فتحها لم يجعلها بحرًا من الدم كما فعل الصليبيون، بل تركهم يخرجون بصلبانهم الذهبية وكنوزهم، واستمر حكمه لمصر والشام والجزيرة والنوبة وبرقة وطرابلس ٢٤ سنة كان مثاليًا يلبس الصوف والكتان والقطن ويقيم فى خيمة وعند وفاته سنة ٥٨٩ هجرية (١١٩٣ ميلادية) لم يترك دارًا ولا عقارًا ولا مزرعة ولم يجدوا فى خزائنه إلا سبعة وأربعين درهمًا!.
هذا هو صلاح الدين الذى مات عن سبعة وخمسين عاما قضى معظمها على صهوة جواده، فارسًا مقاتلًا وهو الذى حمى قبر الرسول عندما أرسل الأمير حسام الدين لملاقاة جحافل الصليبيين التى كانت قد نجحت فى السير نحو المدينة لحفر قبر الرسول وهزمهم وحملت رؤوسهم للقاهرة.. وكان يحب العلماء ويسافر من أجلهم للتعلم كما سافر للإسكندرية مرارًا لجلوسه إلى أبى الحافظ السلفى وأبى الطاهر بن عوف. وكان كثير الاطلاع على أنساب العرب وسيرهم. ويقول (ابن الأثير) إن الفرنجة جاءوا للشام نحو ٦٠٠ ألف من كل أوربا فلم يعد منهم إلا واحد من كل عشرة!.
وصلاح الدين الذى لقب بالناصر هو الذى أدرك أهمية توحيد مصر والشام وكان المدد يأتيه من مصر بالعسكر والعناد والطعام فى كل حروبه، وهو ما فطن إليه الاستعمار الأوربى فزرع إسرائيل كحائط عازل بين مصر والشام. لذلك قال المارشال اللنبى يوم وصل للقدس سنة ١٩١٧: «اليوم انتهت الحروب الصليبية». وقال الجنزال الفرنسى جورو يوم وقف على قبر صلاح الدين فى دمشق فى نفس العام: «قد عدنا ياصلاح الدين»!.. هذا هو صلاح الدين يا د. زيدان الذى أيقظ الشرق كله ورد جحافل الصليبيين ومدحه كل المؤرخين حتى أعدائه وكان المسيحيون فى مصر وغيرها يضعون صورته فى كنائسهم لعدله. وأى هذيان لن ينقص من قيمته كواحد من أبطال التاريخ.