الأربعاء 19 يونيو 2024

يستعيد عافيته فى 2017 ويواجه الإسفاف .. مسرح الدولة يتحدى الأزمات

18-5-2017 | 11:37

كتب : طاهــر البهــي

أزمات كثيرة عاشها مسرح الدولة العام الماضى وصلت إلى حد إغلاق بعض المسارح فى عدد من محافظات مصر، عقبات وتحديات تواجه صناع المسرح سواء بالإغلاق أو ارتفاع أجور الفنانين وضعف الميزانية  وافتقار بعض العروض إلى التسويق والإعلان فى ظل المنافسة الشرسة من قبل المسارح الخاصة واستحواذها على قطاع عريض من الجمهور، إلا أن القائمين على المسرح يبذلون قصار جهدهم لإعادة مسرح الدولة إلى سابق عهده ومجده.

كبار النقاد والمخرجين يتناولون أداء مسرح الدولة فى السنوات الماضية، ويقترحون آليات الخروج من الأزمة الراهنة..

ذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت "ت 425 ق.م." أن كهنة أمون كانوا يعدون ساحة المعبد المقدس في الأعياد والمناسبات الدينية لتقديم عروض تشخيصية، وكان يجسد أحدهم دور إله الشر "ست" وآخر دور أوزوريس، في حين أن دور المرأة كان حاضرا في شخصية  "إيزيس"، وحتى الأطفال كان لهم تواجد في المسرح الفرعوني حيث يقوم طفل بشخصية "حورس"، وهو ما يؤكد عليه د. سليم حسن في موسوعة مصر القديمة، وبعد دخول نابليون بونابرت لمصر بحملته سنة 1798 دخل المسرح حيز الخدمة، حيث أنشأت الحملة مسرحا لجنودها بهدف الترفيه تكونت على إثره فرقة "الكوميدي فرانسيز"، وكانت العروض تقدم باللغة الفرنسية.

يعقوب صنوع:

دخل فن المسرح مصر بصورته العصرية على يد الفنان يعقوب صنوع "الشهير بأبي نضارة" سنة 1876م،  وكان فنانا مثقفا يجيد اللغتين الإيطالية والفرنسية ما ساعده على ترجمة أعمال الأدب العالمي وتقديمها عن طريق فرق مسرحية من الشام "سليم نقاش وأديب نقاش" بتشجيع كامل من الخديوي إسماعيل وإنشاء فن مسرحي في مصر يماثل فنون أوروبا، إلى أن جنح صنوع بانتقاد حاد للأداء الحكومي في مسرحيته "الوطن والحرية" ما أثار الخديوي إسماعيل وأمر بإغلاق مسرحه.

ظهور السينما:

ومع ازدهار السينما فى حقبة الثلاثينيات اتجه أغلب فنانو المسرح للأفلام السينمائية التي كانت تحقق لهم الشهرة والنجومية وأيضا العائد المادي المعقول لكن دون أن يفقد المسرح المصري بريقه، وشيئا فشيء تغيرت نظرة المجتمع فلم يعد الممثل ذلك الكائن المنبوذ الذي لا يعترف بشهادته في المحاكم!

وعقب ثورة 1952 انتبهت الدولة لأهمية الفن وخطورته فى تكوين وتوجيه الرأى العام فأصدر الرئيس محمد نجيب بيانه يطالب فيه الفنانين بالمشاركة في بناء الدولة العصرية، وأنشأ المسرح القومي، وتحولت الفرقة القومية المصرية التي تأسست عام 1935 إلى فرقة المسرح القومي، وظهرت فرقة المسرح المصري الحديث، وبدأت الأسر المصرية خاصة الطبقتين المتوسطة والعليا تتوافد على قاعات العرض.

وفى الستينيات شهد المسرح اهتماما غير مسبوق، لا سيما مع ظهور جيل من النوابغ في الكتابة والإخراج والتمثيل أمثال: سعد الدين وهبة، ويوسف إدريس، ونعمان عاشور، وصلاح عبدالصبور، وعبدالرحمن الشرقاوى، ورشاد رشدى، وألفريد فرج، وميخائيل رومان، ومحمود دياب، ونجيب سرور، وعلى سالم، ومن المخرجين كرم مطاوع وعبدالرحيم الزرقانى، وجلال الشرقاوى وسمير العصفورى.

وفى السبعينيات عاش المسرح التجاري انتعاشة لم يشهدها من قبل، ثم طغت نظرية "الضحك للضحك" التي أفسدت مسرح الدولة الجاد في الثمانينيات والتسعينيات، إلا من نماذج فردية في مسرحي قطاع الدولة أو الخاص الملتزم مثل فرقة محمد صبحي ولينين الرملي.

وفى الوقت الحالى يعيش المسرح حالة من الفراغ لم يكسرها إلا عرض محترم مثل ليلة من ألف ليلة للممثل القدير يحيى الفخراني، وعرض آخر قدم على استحياء للشاعر الموهوب سامي شاكر والفنانة رغدة "الأم الشجاعة"، وما سمعناه من نبأ كالبشرى عن تجهيز المخرج المسرحي القدير عصام السيد لعرض مسرحي يعود به إلى المسرح القومي بعد غياب ما يمنح الأمل في عودة المسرح الرصين قبل أن نترك الأسرة لمسرح الكباريه الذي بدأ يتوغل في غياب كامل عن قواعد العرض المسرحي والقفشات الخارجة التي لا تلتزم بأبسط أشكال القيم المسرحية كما نعرفها منذ عصور الرواد؟!

اضحك لما تموت

يخرج المخرج القدير عصام السيد عن صمته ليتحدث عن مشروعه الذي يضيء به المسرح القومي بعد سنوات من الظلام التام الذي خيم على أكبر مسارح الدولة وأهمها على الإطلاق بسبب الإصلاحات والترميمات على جنباته، حيث كشف أنه بصدد الإعداد لنص مسرحي كتبه المؤلف الكبير لينين الرملي بعنوان "اضحك لما تموت"، كما صرح أنه فى مرحلة البحث عن فريق العمل الذي سيكون خليطا من نجوم المسرح القومي المعينين إضافة إلى الاستعانة ببعض النجوم من خارجه.

وعن المشاكل التي تصادفه وتعرقل سير العمل أكد أن هناك مشكلة بين البيت الفني للمسرح الجهة المسئولة وبين شركة المقاولات التي قامت بالإصلاحات وهي مشكلة قد تجد حلا قريبا، أما أهم مشكلة يواجهها حاليا فهي "الميزانية" التي فوجئ بأنها لم تتغير رغم كل الظروف التي حدثت في الآونة الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار والأجور؛ كما فوجئ بعدم وجود ميزانية للدعاية، ما يجعله في مأزق حقيقي أمام مسرح الفضائيات بانتشارها الدعائي الخطير، ويتساءل: هل نقدم عرضا مسرحيا سريا؟ والأخطر خضوع مسرح الدولة لفكر المقاولات، بمعنى أن هناك متطلبات للعرض يجب أن تتم عن طريق المناقصات!

وعن النجوم وما إذا كانوا يمثلون مشكلة له، أكد أنه كمحترف يعرف كيف يتعامل مع نجوم الشباك الكبار، وأهم ما يراعونه هو البعد عن مواسم انشغالهم، ورغم كل ما سبق، فإن عصام السيد يعد بإضاءة جديدة للمسرح القومي تكون حلقة في سلسلة كلاسيكياته المحفورة في الوجدان المصري.

مسارح الهواة

أما الناقد والمخرج المسرحي ورئيس مهرجان المسرح العربي د. عمرو دوارة، فيرى أن مسرح الهواة أصبح يسبق مسرح الدولة، وأن رهانه على الهواة لم يتزعزع على مدى ربع القرن الأخير، فالعرض المسرحي الناجح (1980 وإنت طالع) تأليف محمود حمدي وإخراج محمد جبر وهما شبان جامعيان من جمعية الهواة، حصل على المركز الأول في مهرجان المسرح العربي، وظل يعرض ثلاثة أعوام متتالية وبنجاح ساحق، وكذلك العرض المسرحي (شيزلونج) لشباب جامعة عين شمس استمر عرضه 3 سنوات أيضا، وتخرج منه علي ربيع ومصطفى خاطر وهما نجما مسرح مصر في ما بعد.

ويؤكد أن مسرح الدولة يعيد إنتاج مسارح الهواة، وأنه لا يفهم سر أزمة الإنتاج الرسمي، فهم يتوافر لديهم المخرجون والممثلون والموظفون الذين يتقاضون رواتبا بلا عمل، ويبدو أن هذا لب المشكلة، فمسرح الدولة يقلص إنتاجه لتوفير رواتب الموظفين، ومن الغريب ـ والكلام لعمرو دوارة ـ أنك تجد فجأة عرضا مسرحيا يصرف عليه بكثرة؛ في حين تجد عروضا كثيرة لا يسمع عنها أحد بسبب مغالاة التليفزيون الرسمي في تسعير إعلاناته وهو لا يفرق بين سلعة استهلاكية ومنتج ثقافي.

وينبه د. دوارة إلى أن جمهور المسرح موجود ومتعطش خاصة في المحافظات، وعلى الجميع أن يعمل على إسعاده وتثقيفه وإعادة فتح الستار أمامه.