الإثنين 29 ابريل 2024

60 دقيقة في شقة السكرتير الخاص لعبد الناصر! 1 /2

مقالات4-8-2021 | 11:31

ترددت طويلاً قبل أن تسكن عقلي وتحتله فكرة إطلاق سراح هذه الواقعة المجهولة التي حرصت ألا يكشف سرها أحدا طيلة العشرين عاماً الأخيرة ليقيني أنني أخطأت خطأ كبيراً في حق نفسي وحقوق القراء حين لم ألح وأضغط على السيد محمد أحمد السكرتير الخاص للزعيم الخالد جمال عبد الناصر كي يتكلم ويكشف أسرار عاشها وشاهدها وسمعها في بيت عبد الناصر بمنشية البكري.

لقد ندمت أشد الندم عندما عرفت صباح يوم 10 أغسطس 2002 برحيل هذا الرجل الصامت الذي حمل معه إلى قبره أكثر وأكبر وأقوى أسرار جمال عبد الناصر.

ووراء هذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبته قصة مجهولة لا يعرفها أحد حتى الأن.. كان طرفها الآخر هو الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصور.

تبدأ القصة عندما استدعاني رئيس التحرير إلى مكتبه ذات مساء وقال لي التالي: "كنت امبارح في فرح ابنة أحد الأصدقاء وشفت هناك محمد أحمد.. عارفه طبعا.. سكرتير عبد الناصر وطلب مني الطبعة الجديدة من كتاب د. جمال حمدان شخصية مصر.. وأنا فاتحته في أن يكتب مذكراته ولكن واضح إن صحته مش مساعداه.. وعشان كده قلت له بكره ها أبعت لحضرتك شخصية مصر مع صحفي شاطر عارف كويس قوي كل اللي اتكتب عن عبد الناصر قبل رحيله وبعد  مماته حتى الآن".

"سولم إيه رأيك تروح بكره الصبح تقعد مع السيد النائب محمد أحمد.. وتفتح معاه موضوع مذكراته السياسية وذكرياته التي لا يعرفها أحد حتى هذه اللحظة عن سنوات طويلة كان فيها محمد أحمد هو أقرب رجل من عبد الناصر بصفته السكرتير الخاص لرئيس الجمهورية !...

 

اتصل الأستاذ مكرم بالسيد محمد أحمد وأخذ منه العنوان.. وقال له: "بكره الساعة 12 بالضبط هيكون عند حضرتك الأستاذ سليمان عبد العظيم ومعاه موسوعة شخصية مصر".

وأمسك رئيس التحرير بورقة بيضاء وكتب رسالة رقيقة للسيد محمد أحمد كان أهم ما فيها: "أنني أرشح لكم سليمان للمساعدة في تسجيل ذكرياتك وإعدادها كمرحلة أولى تسهيلا للعملية.. ثم تقومون سيادتكم بصياغتها كاملة في شكلها النهائي".

 قبل الثانية عشر بربع ساعة كنت واقفاً في شارع إبراهيم نجيب بجاردن سيتي حيث يسكن السكرتير الخاص للزعيم الخالد.. أمام العمارة وقفت أدخن سجارتي الأخيرة قبل أن يصعد بي الأسانسير إلى شقة السيد محمد أحمد.

 قبل أن أدق جرس الشقة كنت أعرف من قراءتي العديدة حول مشوار الزعيم الخالد في حكم مصر قصص وحكايات.. أسرار ومعلومات.. وبطبيعة الحال فإنني قدرت أن كل ما قرأته وعرفته قبل لقائي بالرجل لن يزيد عن واحد في المائة من القصص والحكايات والأسرار العميقة التي يحتفظ بها السيد محمد أحمد.. حول علاقته الوثيقة المتينة برئيس الجمهورية الذي كثيراً ما كان يصطحبه في سيارته ليلاً يتجول في شوارع القاهرة.

 وكثيرا ما كانت قوة الحراسة الخاصة تتفاجأ بعدم وجود الرئيس في بيته بمنشية البكري وأنه قد خرج وحده وبدون أي موكب رسمي للاطمئنان بنفسه على أحوال الناس بعيداً عن التقارير الرسمية لأجهزة الدولة العليا وتقارير الوزراء المنمقة.. وحدث في مرات كثيرة أن شاهد المصريين رئيسهم ليلاً، جالساً وحده بدون أي حراسة، بجوار السائق .. أقصد السيد محمد أحمد !! .

أعود إلى لقائي مع السيد محمد أحمد الذي استقبلني بترحاب شديد في ذلك اليوم.. قهوتك إيه يا أستاذ سليمان.. مضبوط يا فندم.. بوجه سمح محفورة عليه ملامح وإمارات الطيبة الشديدة قال: أهلاً وسهلاً بك يا بني.. واضح قوي إن الأستاذ مكرم حريص بالفعل على قيامي بكتابة مذكراتي.. وأنا بصراحة تراودني بين حين وآخر هذه الفكرة حيث يضغط عليّ أصدقائي ومعارفي لكتابة مذكراتي ولكنني داخليا لست متحمسا لسببين الأول أنني كنت السكرتير الخاص للرئيس جمال وتقديري الشخصي أن كل ما لديّ من معلومات وأسرار قصص وحكايات ينبغي أن يكون محفوظا للتاريخ في يد أجهزة الدولة الرسمية المعنية والمختصة ولا ينشر في الجرائد والمجلات التي يقرأها الأعداء قبل الأصدقاء.. والسبب الآخر أنني كنت شاهداً على اللحظة التي قال فيها الزعيم الخالد للأستاذ محمد حسنين هيكل قبل أن يسافر إلى موسكو في رحلة علاجه بمصحة "تسخالطوبو": أنت الذي ستكتب مذكراتي.

Dr.Randa
Dr.Radwa