تعتبر أعظم آية في القرآن الكريم وفي قراءتها راحة للقلب، والتي وردت بها السنة النبوية، وعُرفت بكونها سيدة القرآن الكريم، ففي الآية تؤكد على التوحيد بالله-عز وجل- وهي أرسخ أسس الدين الإسلامي، وهي آية الكرسي هي قوله تعالي:" اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ..." فهي الآية 255 من سورة البقرة.
ووضحت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي دبر الصلاة، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.
والمقصود من الحديث، أن الاستمرار على قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة يدخل الجنة والفاصل بينه وبينها هو الموت لأنه عند الموت ينقطع عمل الإنسان ويجازي بنتيجة عمله.
سبب نزول آية الكرسي
سبب نزول أية الكرسي أن بني إسرائيل سألوا رسولهم موسي هـل ينام ربك ؟
فقال موسي: اتقوا الله، فناداه ربه عز و جل: سألوك يا موسي هل ينام ربك؟
فخذ زجاجتين في يديك و قم الليل.. ففعل موسي، فلما ذهب منه الليل ثلثه نعس فوقع، ثم انتعش فضبطهما حتى إذا كان أخر الليل نعس موسي فسقطت الزجاجتان عنه فانكسرتا
قال تعالى: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات و الأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك .
تفسير آية الكرسي
قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ)؛ فقد سمّى الله تعالى نفسه بالحيّ؛ أي الباقي الذي لا يموت، وقيل حيٌّ؛ لأنّه يُصرّف الأمور مصاريفها، ويُقدّر الأشياء مقاديرها، والقيّوم هو الذي لا يحول ولا يزول كما قال ابن عباسٍ رضي الله عنه، وعرّف الحسن القيّوم: بأنّه القائم على كلّ نفس بما كسبت؛ ليجازيها بعملها، فهو عالمٌ بها لا يخفى عليه شيءٌ منها، وقيل الحيّ: هو اسم الله الأعظم، وقيل: بل القيّوم هو اسم الله الأعظم، وكان دعاء عيسى -عليه السّلام- عند إحياء الموتى بإذن الله: (يا حيّ يا قيّوم)، ولمّا أراد سليمان -عليه السّلام- عرش بلقيس، دعا قائلاً: (يا حيّ يا قيّوم).
وكان دعاء أهل البحر إذ خافوا الغرق: (يا حيّ يا قيّوم). قوله تعالى: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ)؛ فقد نفى الله تعالى عن نفسه السِّنة؛ وهي النعاس في العين، والنوم؛ هو الذي يزول معه الذهن في حقّ البشر، ومعنى ذلك؛ أنّ الله تعالى لا يدركه خللٌ، ولا يلحقه مللٌ بحالٍ من الأحوال. قوله تعالى: (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ)؛ويكون ذلك بالملك، فهو ربُ كلّ شيءٍ وملكه.
قوله تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ)؛أذن الله تعالى للأنبياء والملائكة والمجاهدين والعلماء بالشفاعة لمن ارتضى لهم الشفاعة، فيشفعون لمّن أدخلوا النار. قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ )؛ فبين أيديهم؛ أي الدنيا، وما خلفهم أي؛ الآخرة، كما قال مجاهدٌ؛ فمنعى الآية أنّ الله تعالى يعلم ما في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ)؛ أي لا يعلم أحدٌ شيئاً إلا ما يريد الله له أن يعلمه، كما قال الخضر لموسى -عليه السّلام- عندما نقر عصفورٌ في البحر: (ما علمي ولا علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر).
قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ)؛فقد اختلف المفسرون في معنى الكرسي، فمنهم من قال: كرسيّه علمه، ومنه الكرّاسة التي تضمّ العلم، وابن عباس والطبري من أصحاب هذا القول، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: بين كلّ سماءين مسيرة خمسمائة عامٍ، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عامٍ، وبين الكرسي والعرش خمسمائة عامٍ، وقال آخرون: كرسيه؛ أي قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض، وقال مجاهد: ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في أرضٍ فلاةٍ، ويدلّ ذلك على عظم الله تعالى وعظم مخلوقاته.
قوله تعالى: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)؛ فلا يئوده؛ أي لا يُثقله، ويقال آدنى بمعنى أثقلني وتحمّلت منه المشقة، والعلي هو القاهر الغالب للأشياء، وكانت العرب تقول: علا فلانٌ فلاناً؛ أي غلبه وقهره، وقيل: العليّ من علو المنزلة والقدر لا علو المكان؛ فالله تعالى منزّه عن التحيّز، والعظيم؛ أي عظيم القدر، والخطر، والشرف.[